وجهة نظر

بوتين المستفيد الأكبر من وجع باريس

انتصارين لبوتين في جورجيا و أوكرانيا، و الثالث في سوريا، هكذا سيحتفي الروسيون ببطلهم الجديد، بوريس يلتسن جلب العار لروسيا، حين كانت كفيل ماموث مريض لا يقدر على الحركة و لا على جلب قوت يومه، لم تكن موسكو قادرة على مقارعة الغرب في تمدده في العراق و افغالنستان، ليختار يلستن أنذاك السير وراء أمريكا و حلف الناتو مقابل الدعم الإقتصادي.

على موقع الروسيا اليوم الإلكتروني، عنوان “بوتين يحقق نصرا سياسيا في مؤتمر العشرين”، و في عنوان آخر” بوتين يأمر قواته في البحر الأبيض المتوسط باعتبار فرنسا حليفا و التعاون معها ضد الإرهاب”، و في خبر آخر “موسكو تؤكد أن تحطم الطائرة الروسية ناتج عن تفجير قنبلة وبوتين يتوعد بالانتقام من منفذيه” ، و عناوين أخرى تتحدث عن لقاءات بوتين و عن ضربات جيش بوتين، و مقارنتها بضربات أمريكا و الحالف الدولي….الرئيس الروسي حديث الساعة و قبلة الرؤساء و الساسة من اللاعبين الأقوياء.

عملية باريس، ربما خدمت شرعية تواجد روسيا في الشام أكبر مما خدمته سقوط الطائرة الروسية، لذا كان الحافز أكبر لتعترف موسكو بسقوط الطائرة جراء عمل ارهابي، مع أنها في باديء الأمر استنكرت نظرية التفجير و هاجمت بريطانيا على سبقها في تبني سببية العمل الإرهابي، فهل جاء حديث بوتين عن تحالف مع فرنسا دون أن يسمي بريطانيا و باقي دول التحالف الدولي في توجيهه السابق من باب المناكفة؟

عملية باريس لم تخدم بوتين فقط، بل أوجدت لكثير من زعماء المنطقة الذرائع لتمرير بعض من سياساتهم و خططهم كل على حدته، فدول أوربا الشرقية و الإتحاد الأوربي لهم في العملية حجة لمنع و تقنين تدفق اللاجئين، و لتركيا حجة في السير قدما في إنشاء منطقة عازلة بدعم أمريكي، و لروسيا و النظام السوري حجة في شرعية النظام و استمراريته كقوة منظمة وحيدة لا بديل لها في محاربة داعش إن توافرت لها سبل الدعم، و لمصر السيسي الحجة في إشغال الرأي العام المصري و تجييشه و استنفراه من أجل دعم النظام و الصبر عليه ل محاربة الشبح الإرهابي المتمثل في داعش و الإخوان، و ضرب ليبيا و التدخل الدولي فيها للإطاحة بحكومة و قوات فجر ليبيا الإسلامية.

عملية باريس، طوق نجاة، رغم ما أحدثته من وجع، طوق نجاة لأنظمة تريد التمدد و الاستمراية، عربية كانت أو غربية، غير أن الوجع الحقيقي هو ما سينتج عن عواقبها الإرتدادية، داخل اللاجئين و المهاجرين المسلمين و العرب بشكل أساسي، في زمن تتحول فيه أوربا سياسيا إلى اليمين المتطرف، و ما سينتج عنه كذلك إن حاول الغرب التدخل في سوريا أو ليبيا اليوم بشكل أوسع.