وجهة نظر

ما المقصود بالريع بالصحراء ؟

ما المقصود بالريع الذي باتت الدولة تعترف بوجوده، خاصة في أقاليم الصحراء؟

المقصود بالريع أو”التربح” بالصيغة المصرية هي المنافع المادية المتحصل عليها بفضل احتلال موقع سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي وبدون بذل الجهد وتحري الضوابط القانونية والشرعية الجاري بها العمل.

وبصيغة أخرى الريع هو المنافع التي تجلب دون عناء ولا جهد مبذول، وتكون في الغالب جزاء على بيع ذمة أو سكوت عن حق، أو نصرة ظالم، أو تواطؤ على النهب…والريع أسلوب قديم لشراء الذمم، وكسب الولاء، يمارسه أهل النفوذ، وقد تلجأ إليه بعض الأنظمة والدول لتحقيق مآربها وخاصة لتوسيع دائرة نفوذها…

والريع يتخذ أشكالا عدة منها: المنح والعطايا دائمة النفع، ومنها الامتيازات خارج القانون، ومنها صور التحايل على أكل الميزانيات والعمل على خلقها، وتضخيم مبالغها، ووضع الصفقات العمومية على المقاس، وتوزيعها بحسب الولاءات والعلاقات، ومنها الحصول على الرخص والأراضي والقروض والسكوت عن أشكال التهريب والتهرب الضريبي…

ما الذي يميز الريع في الصحراء تحديدا؟

والريع المقصود في الأقاليم الصحراوية يمكن تقسيمه إلى شقين :

1- والأول منهما والأكثر تداولا في وسائل الإعلام وحتى لدى الأوساط الشعبية هو المتمثل في تقاضي مجموعة من الأشخاص لراتب شهري بدون عمل يقابله وينحصر هذا النوع في فئة ممن يسمون أشبال الحسن الثاني وفي فئة من مستخدمي الإنعاش الوطني وهذه الوضعية الشاذة التي يعتبر الصحراويون ضحية لها وليسوا مستفيدين منها؛ وهي نتيجة للسياسات العمومية غير الملائمة المتبعة منذ سنة 1975 وكذلك لغياب قطاع خاص اقتصادي حقيقي مشغل ومنتج

2- والنوع الثاني والذي اعتبره الأخطر والأهم والذي يتم الحديث عنه باحتشام هو تبذير المال العمومي من طرف جماعات وجهات متعددة في شكل صفقات عمومية خاوية ومغشوشة، ينضاف إلى هذا موضوع الآلاف من الشركات الوهمية التي تشتغل بالشمال وتسجل مقرها الاجتماعي بالمنطقة، وتستفيد من ريع اقتصادي/ضريبي بملايير الدراهم يمتد إلى حدود هذه الساعة…

ماذا عن رخص استغلال الثروات الطبيعية ؟

هذا إلى جانب استنزاف الثروات البحرية من طرف شخصيات نافدة ولوبيات متسترة وراء أسماء شركات بأسماء يبتدئ جلها أو ينتهي ب “فيش” دون أن تستفيد المنطقة منها أي شيء. فلا الناس شبعوا الحوت ولا هم اشتغلوا فيه بحيث يباع في أعالي البحار وتودع عائداته مباشرة في بنوك أجنبية أو تنقله الشاحنات – في حالة إذا ما تم الإفراغ بأحد الموانئ المحلية- في قوافل لا تتوقف ليل نهار.

والأدهى والأمر هو أن تعفى هذه البواخر والشركات من أداء أي ضريبة بحجة أنها تعمل بالمنطقة.. مع العلم أن وجود أكثرها بالمنطقة شكلي بحيث إن البواخر تمخر أعالي البحار ومقر عملية معالجة الأسماك وبيعها وتصديرها يوجد بأكادير وآسفي والدار البيضاء ولا يسهم بأدنى شيء في تنمية الأقاليم الصحراوية..

هكذا يتبين لكم أن الريع الذي يتم الحديث عنه في كل وقت وحين والذي يهم الأفراد والعائلات الصحراوية المغلوبة على أمرها لا يمثل إلا القليل بالمقارنة مع ما يسرقه ويستنزفه ثلة من المتنفذين من أبناء الشمال بتواطؤ مفضوح مع شخصيات صحراوية نافذة أيضا…

صور جديدة من الريع بالصحراء

ومن صور الريع الجديد ما تمنحه الجماعات المحلية مثل بلدية العيون وتقرره في ميزانياتها النماذج التالية :

1. توزيع سبعة ملايين درهم نقدا في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية دون مقابل واضح، ودون القيام بأي عمل.

2. توزيع 26 مليون درهم من ميزانية بلدية العيون على الفقراء كرشوة انتخابية

3. توزيع 30 مليون درهم من ميزانية بلدية العيون على شركات الحراسة الوهمية.

4. توزيع 56 مليون درهم على مقاولات وهمية لإصلاح النافورات والساحات العمومية حديثة الإنشاء..

هذا من مظاهر الريع الجديد غير الظاهر والذي لا يتكلم عنه أحد..

ومن صور الريع الجديدة أيضا الاستثمار وطلب الرخص خاصة من الشركات الكبرى في مجال العقار والخدمات واستغلال الموارد الخام كتعبئة المياه والرمال والملح، في مقابل عدم قيام هذه الشركات بمصانع ومعامل من قبيل الكارطون والبلاستيك، واللوازم الكهربائية والصناعات الغذائية وغيرها التي تحتاجها الجهات الجنوبية الثلاث.

 من هم المستفيدون الحقيقيون من هذا الريع بمختلف مظاهره؟

المستفيدون كثر وعلى رأسهم شخصيات صحراوية نافذة تعتبر نفسها فوق القانون، وتستعمل موضوع الصحراء للتهديد والابتزاز؛ والوطنية الكاذبة التي لابد لها من المقابل، وهذه الشخصيات ما كان لها أن تتغول بهذا الشكل الواقع اليوم لولا التواطؤ بل الشراكة مع شخصيات ومسؤولين كبار من الإدارات المركزية ومحلية وجهات متعددة نافذة منذ 1975..
مثاله ملفات تموين مخيمات الوحدة منذ سنة 1991 إلى الآن، ويقتصر التعامل فيها على عائلات معروفة تبيع الإبل وتتولى نقلها إلى أكادير للوزن ثم تعيدها للتوزيع على سكان المخيمات في مختلف المدن، وكان من الأولى أن تباشر الجهات المختصة هذه العملية على مستوى الأقاليم أو على الأقل بالجهات..

ومثاله ملفات العقار والبقع، وأن يحصل شخص على 1200 بقعة من مدير العمران ليعيد توزيعها على القريبين منه ليكسب التعاطف والتأييد بالانتخابات، في مقابل توقيف البرنامج الحكومي في مساعدة الأرامل والمطلقات بالبقع التي كانت معدة أصلا لهذا الغرض من طرف شركة العمران …..

ماهو التهديد الذي يمثله الريع والذي يتطلب القطيعة معه ؟

مشكل الريع يعتبر أكبر تهديد للسلم الاجتماعي الذي تسعى الدولة لتوطيده عشرات السنين، وما أحداث مخيم أكديمية ايزيك منا ببعيد، الذي كان من أكبر أسبابه احتكار واستفادة مسؤلين وأعيان ومتنفذين، بعشرات البقع والمشاريع مقابل حرمان الساكنة الأصلية من النساء والشباب من بقعة أو سكن اجتماعي.

بل أصبح الريع مرادف للتحكم، فباتت عائلات بعينها ترسم الخارطة السياسية والانتخابية لجماعات وجهات بأكملها، وتتوارثها سنوات البعض منها منذ إنشائها، كأنها ملكية خاصة وقدرا مقدرا على الساكنة، بل تطور الأمر إلى اختراق الثقافة السياسية لدى المواطنين، فبات من الشائع أن تسمع ” بأن فلان هو الدولة أو الدولة تريده…. ومن أراد الوظيفة والسكن وبقعة أرضية أو .. أو… فعليه الذهاب إلى فلان، وفلان أكبر وأهم في رأيهم من الوزير والوالي ووكيل الملك، بل أصبح هناك من يظن ويصرح بأنه إذا ذهب فلان عن هذه المدينة ستنهار فيه الحياة وتتوقف ولا يستطيع أحد مهما كان ملأ مكانه….

أعتقد أن جريمة الريع والفساد تصل إلى الخيانة العظمى، وهي أكبر من جريمة الانفصال والإرهاب والإجرام، فهذه الجرائم الأخيرة أصحابها يمكنهم التوبة والرجوع، وأحيانا لا تتجاوز هم كأفراد وهذا حدث فعلا، ولكن المفسد الذي جرمه الريع فقد يكون أكل وتصرف بميزانيات لمدن وساكنة بأكملها وأجيال قادمة فما فائدة توبته.

كيف يمكن تحقيق القطيعة التي دعا إليها الملك في خطابه الأخير؟

بناء على ما جاء في الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، وبالعودة إلى التوصيات التي جاءت في تقرير المجلس الوطني للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، وكذا الوعي الشعبي المحلي المشمئز من استمرار تشويه سمعة الصحراويين، ومن سرقة مقدرات وثروات المنطقة؛ فإن القطيعة مع الريع الاقتصادي تستوجب دخول القطاع الاقتصادي إلى الحلبة، والعمل على بناء اقتصاد حقيقي منتج ومشغل. مع ربط المسؤولية بالمحاسبة فعلا كما جاء في دستور 2011، وتشديد الرقابة عل تحصيل وإنفاق المال العام، وكذا صيانة وتثمين الملك العمومي الذي تفرق دمه بين القبائل…

إضافة إلى إيقاف تصرف الولاة والعمال في الوعاء العقاري من خلال التفويتات سواء للأشخاص الذاتيين أو المعنويين، واعتماد شبابيك موحدة للاستفادة من التسهيلات في الميدان العقاري الموجه إلى الاستثمار..

والعمل على إرساء نظام ضريبي مخفف وملائم لخصوصيات المنطقة بحيث يغرس مبادئ المواطنة الحقة ويسهم في تمويل ميزانيات الجهات التي تنتظرها استحقاقات ضخمة..

كما يجب القطع مع الريع السياسي بتفعيل قوانين الشفافية، ومن أين لك هذا، والضرب بيد من حديد على مستعملي المال الحرام في الانتخابات، والإثراء غير المشروع، والابتعاد عن محاباة بعض الجهات والأفراد على حساب بقية المواطنين…

ومما يتعين القيام به تشخيص وتتبع مظاهر الريع والكشف عن لوائح المستفيدين وطبيعة الرخص وتواريخ الاستفادة وعلاقة المستفيدين بالصحراء ثم بعد ذلك اللجوء إلى اعتماد دفاتر التحملات …

وإخضاع المشاريع الاستثمارية للتقييم والمراقبة المستمرين حتى يتم الإنجاز حتى لا تتحول لريع جديد… ولو أن 04 ملايير درهم التي تعطى للجهات الجنوبية كل سنة دعما للمواد والأمور الاستهلاكية ـ ولا يظهر أثرها على المواطنين ـ، لو أنها وُجّهت للمشاريع الكبرى مثل الطريق السيار والمستشفيات الجامعية وغيرها من منشآت البنية التحتية لكان أفضل وأولى.

ــــــــ

نائب برلماني عن حزب العدالة والتنمية بمدينة العيون