وجهة نظر

رسوخ تشريع، لا رقيع وترقيع

يوكل الدستور المغربي صراحة ممارسة السلطة التشريعية والتصويت على القوانين إلى البرلمان، مرسخا بذلك مبدأ الفصل بين السلط باعتباره شرطا حيويا لقيام النظام المؤسساتي ولاستمراريته. هكذا لا يمكن سن قانون أو تعديله أو تغييره أو نسخه أو إلغاؤه إلاّ بالرجوع إلى البرلمان بوصفه المؤسسة المختصة حصريا بذلك.

وإذا كان القانون ينظم نفسه تفاديا لكل تداخل بين السلط التشريعية والتنفيذية والقضائية، فإنّ التشريع الإلهي قبل القانون الوضعي يضفي في الآية 15 من سورة يونس خصوصا، الطابع الحصري نفسه على صلاحية التشريع: ” وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقائنا إيت بقرآن غير هذا أو بدله. قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي. إن اتبع إلاّ ما يوحي إلي. إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم”

وإذا سبق نسخ آيات قرآنية قبل اكتمال الوحي، فقد تم بإرادة الله صاحب الحق في ذلك دون من سواه؛ ثم إنّ الأمر لم يعد واردا خصوصا بعد الآية 3 من سورة المائدة: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” ، إيذانا بانتهاء العمل التشريعي وبداية العمل التنفيذي بدون تلكؤ ولا تطاول ولا تجرؤ، وفق الآية 36 من سورة الأحزاب: “وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم” . إلاّ أنّ الاجتهاد يبقى ضرورة ملحة لاستلهام قواعد تطبيق الأحكام الإلهية حسب المستجدات والظروف الخاصة بكل زمان ومكان.

هذه عناصر مستقاة بمقاربة مقارنة ثم باقتضاب من القرآن لأنّ الموضوع موضوعه، يمكن الارتكاز عليها للترافع ضد الدعوات الرامية إلى تغيير أحكام قرآنية قطعية الثبوت قطعية الدلالة، ولتوعية من قد يغتر بتلك المغالطات خطئا أو لضعف معرفته الشرعية والقانونية؛ وإذا استطاعت هاته الأجوبة تحريك شيء في ضمير الثلة من أبناء وبنات الأمة الذين يتبنون تلك الدعوات الضالة بدوافع أيديولوجية أو سياسوية، أو لدى فئة المرتزقة الذين يسعون بتواطئهم مع الضالين أو الجاهلين، أو مع الخصوم أو الأعداء، إلى الكسب المادي أو المعنوي، لكانت النتيجة أفيد وأبرك. ذلك أنّ هؤلاء بمحاولتهم خلخلة مقومات الأمة الدينية والثقافية إنّما يؤججون الفتنة ويذكون أوار الفرقة والتقسيم والتجزيء وتجزيء المجزأ. وما يجري حاليا في بلدان إسلامية كثيرة خير شاهد على أنه إنّما هو اكتمال فقط لمؤامرة (سايكس بيكو) قبل قرن من الزمان سنة بسنة، على اعتبار أنّ سنة 2016 المطلة علينا قد تكون لا قدّر الله بمثابة (سايكس بيكو2)؛ فلقد كانت ذريعة إصلاح الشأن الديني حاضرة بقوة في الأحداث التي سبقت هاته المؤامرة كحضورها ليوم. ولقد طلع شخص باسم الحسين شريف مكة يدعو إلى خلافة إسلامية آنذاك بالضبط كما فعل ويفعل المسمى أبو بكر البغدادي اليوم. وفي وقت قياسي اكتسب شريف مكة قوة عسكرية خارقة مكنته من هزم جيوش نظامية واحتلال جزء مهم من أراضيها بالضبط كما يفعل البغدادي اليوم !

فهل تكفي هذه الإشارات للدلالة على الطابع المفتعل لنقاشات جوفاء حول المساواة في الإرث بين الجنسين مثلا، وعقوبة الإعدام، والتعدد، وما يسمى بالحريات الفردية، إذكاء لصراعات إيديولوجية وصرف الأمة عن مشاكلها الحقيقية؟ ومتى نحول نقاشاتنا إلى الاستبداد والفساد والرشوة وهدر القيم، والنخبوية، والسياسة الثقافية، والسياسة المعرفية، والبحث العلمي، والسياسة الاجتماعية، والتماسك الاجتماعي، والاقتصاد؟

متى يصبح لدينا مشروع؟ متى ننتج طاقة واقية افتقدناها منذ العصر الموحدي؟ متى نستوعب مقولة المفكر مالك ابن نبي: الإسلام دين مثالي، لكن هل المسلمون كذلك؟

البيضاء، في 24 محرم 1436 (7/11/2015)