منتدى العمق

الانتحار … الموضوع المسكوت عنه

من المواضيع المسكوت عنها ومن الطابوهات التي يتم الحذر الخوض فيها داخل المجتمع المغربي موضوع الانتحار ، فعلى الرغم من أن الحالات موجودة و الصحف و الاعلام تنشر يوميا صورا و روبورتاجات لعمليات ناجحة للانتحار . يظل عدد الدراسات التي تناولت الموضوع هزيلا امام الارقام المذهلة لعمليات الانتحار.

حسب المنظمة العالمية للصحة هناك حوالي 5 مغاربة ينتحرون يوميا مقارنة مع النسبة العالمية حيث كل 40 ثانية شخص ينتحر . و يزيد التقرير أنه خلال سنة 2012 كانت هناك 1628 حالة إنتحار منها 1431 ذكور و 198 إناث .

ففي تقرير للعربية يوم  11 ابريل 2014 ذكر الدكتور أحمد الحمداوي وهو جامعي متخصص في التحليل النفسي ، خلال 2009 – 2013 كانت هناك حوالي 2894 محاولة انتحار منها 2134 ناجحة . 85 في المائة شنقا .  و يضيف المتحدث انه خلال 2013 كانت هناك 900 وفاة جراء الانتحار . و يزيد الدكتور انه 16 في المائة من المغاربة يفكرون في الانتحار . و تؤكد هذه الارقام الدراسة التي قامت بها د ابتسام زروق مع فريق عمل من كلية الطب و الصيدلة بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس ، حيث قامت بدراسة عينة تتكون من حوالي 3020 تلميذا تتراوح أعمارهم مابين 11 سنة الى 23 سنة فكانت النتائج تذهب الى ما استخلصه الدكتور أحمد الحمداوي حيث أن 15.7 في المائة من الطلبة و التلاميذ يفكرون في الإنتحار و 6.5 في المائة قد قاموا مسبقا بمحاولة الإنتحار . دراسة أخرى قامت بها د بوشرى أونيب أخصائية في الطب النفسي بجامعة محمد الأول بوجدة مع زملائها و امتدت حوالي سنتين 2012 الى 2014 و أجرتها على رواد المستشفيات العامة بمدينة فاس و وجدة وكان أغلبهم نساء تتجاوز أعمارهم 18 سنة و خلصت الى أن 7 في مائة من العينة لديهم نزوع قوي نحو الإنتحار .  ربما الارقام ستكون صادمة و لكن الوضع أخطر مما يمكن ان يتصور فقد ذكرت الدكتورة زينب سهري خلال دراسة أجرتها في الجزائر ان فقط 40 في مائة من الأطباء هم من يصرحون بحالة الانتحار و تقل النسبة في إحصائيات الشرطة لتتضاءل في الملفات القضائية . نضيف الى ذلك أن أغلب الحالات لايتم التصريح بها من طرف العائلة خوفا من الآثار الاجتماعية و المهنية و النفسية. و في نفس الدراسة التي قامت بها الدكتورة زينب سهري تبين أن نسبة محاولات الإنتحار تقل في رمضان لقداسته و أيضا خلال فصل الصيف لكثرة الإحتفلات و التلاحم العائلي بينما تكثر نسبة محاولات الإنتحار خلال نهاية الموسم الدراسي بسبب الإخفاق الدراسي .

لازلنا نعتبر المجتمع المغربي محصن من هاته الآفات وأن الشرع يحرم قتل النفس و لكن غاب عنا التطورات المجتمعية وبأن  الآفات تنتقل في جميع الاتجاهات . العالم أصبح قرية صغيرة و المجتمع المغربي ليس محصن من آفات المخدرات و إنتقال قيم تبخيس الحق في الحياة

.سنقارب الموضوع من خلال  حالاتين إجتماعيتين لعلنا بذلك نسلط الضوء على الموضوع بطريقة مختلفة.

الحالة الإجتماعية الاولى

سميرة 16 سنة تدرس في مدرسة خصوصية وحيدة و دلوعة ابواها المنشغلين عنها بالعمل و لايرفضان لها اي طلب ، جميلة، جذابة. في علاقة حب مع سمير الدي يكبرها بسنة . تلقى ابواها مكالمة من الخادمة تخبرهما ان ابنتهما وجدتها فاقدة الوعي بعد ان قامت بتجرع حبات مسكنات  ألم التي تستعملها أمها عندما اكتشفت و هي تتصفح الفايس بوك أن سمير كان في خرجة مع صديقتها دون ان يعلمها و نشر صور لهم  و هما ماسكين أياديهما.

مالذي جعل سميرة ذات 16 سنة تقدم على هذه المحاولة ؟

قبل الاجابة عن هذا السؤال لابد من معرفة الفرق بين الانتحار و محاولة الانتحار و التفكير في الإنتحار.

الانتحار هو عملية  متعمدة ناجحة من طرف المنتحر لقتل نفسه  ادت الى الموت عبر الخنق ، تسميم ،استعمال  السلاح أو الحرق.

محاولة الإنتحار هي محاولة للانتحار باءت بالفشل . و حسب تقرير منظمة الصحة العالمية كل عملية إنتحار ناجعة تكون هناك 20 محاولة .

التفكير في الإنتحار هي عملية التفكير دون الإقدام على الفعل.

في غالب الأحيان الانتحار يتم بوسائل عنيفة مثل السلاح الناري أو الشنق ، و يكون مدروس بسرية تامة . بينما محاولة الإنتحار يتم بإستعمال الأدوية أو المواد المنظفة أو قطع الشراييين لمحاولة جذب الإنتباه.

بالنسبة لحالة سميرة من العوامل التي جعلت سميرة تقدم على محاولة الانتحار إحساسها بالخيانة من طرف شخص عزيز عليها . و اليأس من عدم تعويضه من العوامل الكبيرة التي تجعل الأشخاص يفكرون بالانتحار. بالإضافة الى ذلك تلعب التنشأة دور أساسيا في مقاومة أو الإستسلام لليأس . ففي حالة سميرة كانت مدلعة لأنها وحيدة أبواها .و لتعويض  انشغالهم بالعمل و عدم تفرغهم لابنتهما كان الأبوين لا يرفضون لها أي طلب و لم يكونوا متابعين لتطور نمو ابنتهم و ليس لديهم الوقت الكافي لتعليمها كيفية مواجهة الصدمات .

في دراسة مهمة قامت بها الدكتورة نور المكاوي مع زملائها بمستشفى الأطفال بالرباط خلال ابريل 2012 الى ابريل 2015 و التي همت الأطفال دون السن 16 سنة تبين أن معظم الحالات سببها صراعات عائلية 35 في المائة من العينة و أغلب المحاولات تمت بإستعمال الأدوية 54.4 في المائة و خصوصا المزيلة للقلق و التوتر 58 في المائة تليها ادوية الألم 17 في المائة .

الحالة الإجتماعية  الثانية

زكرياء يبلغ من العمر 70 سنة يعيش في دار العجزة  مع 120 من النزلاء بعدما توفيت زوجته السنة الماضية . دار العجزة تفتقر لادنى مقومات الحياة . قلة الأطر و التجهيزات . غرفة مكدسة و غياب وسائل الترفيه فباستثناء تلفاز في القاعة الرئيسة فلا وجود للأنشطة متنوعة . هناك طبيب وحيد يزور دار العجزة بين الفينة و الأخرى و ممرضين يتناوبان بالإضافة الى عمال النظافة و المطبخ . زكرياء يعاني من ألم مزمن في الظهر يجعله في بعض الأحيان لاينام بالرغم من إستعمال الادوية ، يتنقل باستعمال كرسي متحرك ، في حالة عزلة تامة بحيث لا أحد من أسرته أو أبناءه يزوره ، خلال الأسبوع الماضي قل أكله و اصبح لا يأكل الا وجبة واحدة . اليوم لوحظ ان زكرياء تناول أغلب وجباته و تخلى عن قلادته الذهبية التي لا تفارقه  و أهدى ملابسه الغالية لرواد دار العجزة و قبلهم و إعتذر منهم . في السادسة صباحا من اليوم الموالي وجد زكرياء ميتا بعد قفز من الدور الثالث من دار العجزة .

ماهي الأعراض التي اشارت  للعاملين بدار العجزة انه كان مقدما على عملية الإنتحار ولم يلتقطوها ؟

قبل إقدام زكرياء على الإنتحار كان في حالة تسمى الإنتحار السلبي او الغير المباشر مثل الإمتناع عن الأكل و الشرب أو إتباع تعليمات الدكتور .

إن المنتحر يكون مترددا مابين الحياة و الموت ، ففي غالب الأحيان يعطي الإشارات على اقدامه و تخطيطه لعملية الإنتحار لكي يلتقطها المقربون و الأصدقاء لمنعه من عملية الإنتحار ، فقد أثبتت إحدى الدراسات الأمريكية أن 8 من أصل 10 الذين قاموا بعملية الإنتحار تحدثوا مع أحد قبل الإقدام و قدموا أدلة تحذيرية . ففي حالة زكرياء هناك تغير مفاجئ بعد أن كان لايتناول الا وجبة واحدة بإلحاح من العاملين في دار العجزة  لمدة أسبوع و منطو في غالب الأحيان ، نجده يتناول وجباته ويختلط مع النزلاء بل و يتنازل عن قلادته العزيزة  و يقدم الإعتذار . مما يدل على أن زكرياء متأكد من نجاح خطة انتحاره التي اعدها ومرتاح البال.لذا  كان على العاملين في دور العجزة أن ينتبهوا الى التغير المفاجئ الذي وقع لزكرياء و يستفسروا عن هذا السلوك المفاجئ من طرف زكرياء .

ففي مدينة  سان فرسيسكوا يوجد جسر معروف جولدن كيت  يرتاده المنتحرون .

منذ تأسيس الجسر سنة 1937 توفي حوالي 1600 شخص . قامت إحدى الجمعيات بعملية بسيطة و هي انها تطوعت بوضع أشخاص يرتادون الجسر وعندما يرون أحدهم واقف امام الجسر و يشكون بأنه يفكر في الإنتحار يذهبون و يتحدثون معه و النتيجة أن عدد المنتحرين نقص بالنصف في سنة 2005 حوالي 146 شخص توفوا  بعد أن القو أنفسهم من فوق الجسر ، 26 شخص  عاشوا بالرغم من إلقاء أنفسهم ، و 118 لم يلقوا بأنفسهم بعد أن تحدث معهم أحد المارين.

فحسب الجمعية الأمريكية للإنتحار أن الأشخاص الكبار هم الأكثر نجاحا في عملية الإنتحار من الشباب بالإضافة الى أن الأشخاص البالغين يستعملون أدوات غالبا ما تفي بالغرض مثل السلاح .

أسباب الإنتحار

تختلف الأسباب حسب التفسير ، التفسير الطبي يذهب الى التأكيد على وجود علاقة وطيدة بين تراجع نسبة هرمون سيروتونين( هرمون السعادة) في الدماغ البشري و محاولات الإنتحار .فيما   يرجع التفسير التحليلي النفسي السبب الى خلل في تطور الأنا فيحدث صراع  بين نزوة الأنا و النزوة الجنسية حيث يقول فرويد  ” الإنتحار نزوة الأنا المهزومة من طرف اليبيدو ” . بينما يرى التفسير السلوكي  أن إلحاق الأذى بالنفس يتم تعلمها في الصغر و المراهقة . بالنسبة للتفسير الإجتماعي الذي يعد دوركايم مؤسس علم الإنتحار يعتبر العامل الإجتماعي  المتمثل في عدم إندماج الفرد هو العامل الرئيسي الدي يؤدي بالفرد الى الإنتحار. بالمقابل ترى  نظرية التعامل مع الأخرين  أن السبب يعود بدرجة أولى إلى التعامل الذي أدى بالطفل للإحساس بعدم القيمة و الذنب و تذهب النظرية أن من العوامل الأخرى التي تؤدي الى إلحاق الأذى بالنفس صعوبة التعبير عن الحاجات الأساسية و الأحاسيس لدا يلجأ الفرد الى كتمها و تتحول الى عقدة الإحساس بالذنب.

العوامل التي تزيد الخطر من الإنتحار

  1. العوامل الوراثية و العائلية . بعض الدراسات و جدت العلاقة وطيدة بين العوامل الوراثية و حالات الإنتحار و خصوص لدى التوائم.

2.سوء المعاملة خلال الطفولة و طلاق الابوين من العوامل المشجعة على الإنتحار ففي دراسة د إبتسام زروق طلاق الأبوين من الأسباب المباشرة التي تؤدي بالشباب الى التفكير في الإنتحار 74 في المائة من الأشخاص الذين فكرو في الإنتحار كان الأبوين مطلقين أو منفصلين .

3.الأمراض النفسية ، 90 في المائة من الأشخاص الدين انتحروا عندهم أعراض نفسية .أولئك الذين يعانون من الاكتئاب او إنفصام في الشخصية هم اكثر عرضة لإنهاء حياتهم عن طريق الإنتحار و خاصة في حالات اليأس او عند الدخول في حالات الهلوسة.

4.الإدمان و استعمال المخدرات : عدة دراسات نفسية أثبت العلاقة الوطيدة بين الإنتحار و استعمال المخدرات . فالتدخين المبكر للسجائر و المخدرات يزيد من الإكتئاب و الإنتحار.

5.فقدان أو خسارة ، ممكن أن يكون موت شخص قريب أو فقدان منصب شغل أو فشل في علاقة إجتماعية سببا في الانتحار.

6.الأمراض المستعصية العلاج . أغلب الأمراض تؤدي بالشخص الى حالة إكتئاب و خصوص التي تؤدي بالشخص الى فقدان حرية التحرك و العمل بلإضافة الى الالم المزمن أو التي يصعب علاجها مثل السرطان في مراحله الأخيرة.

7.الظروف الأمنية و السياسية

  1. تزايد ضعف الوازع الديني

العوامل الوقائية و الحلول

تواجد مستشفيات أو اماكن الرعاية خاصة بالأمراض النفسية و الجسمية و أماكن معالجة الإدمان.

توفير أطر طبية كافية لـتأطير المرضى النفسيين

سهولة الوصول  الى أماكن العلاج

دعم الأسرة و المجتمع

نشر ثقافة الحب و الحفاظ على الحياة

تعليم مهارات حل المشاكل و دمجها في البرامج المدرسية عبر تحسين جودة التعليم

تعزيز الصحة النفسية داخل المدارس و أماكن العمل

خلق فرص شغل للشباب و النساء

تحسين استفادة المرأة في العالم القروي من التعليم

تقديم الدعم الإجتماعي للمسنين بخلق مراكز إجتماعية للترفيه

تقنين بيع الكحول و المخدرات

توعية المجتمع بأعراض الإكتئاب و الإنتحار

قوانين زجرية للأعمال الفنية التي تشجع على الإنتحار

تشجيع العمل الجمعوي و الشبابي الدي يرمي الى تأطير الشباب

برامج وقائية من العنف ضد النساء و الأطفال .

إحياء رسالة المسجد في تأطير المواطنين و الرفع من الوازع الديني .

خاتمة

فعلى الرغم من تضارب الأرقام و هذا طبيعي لأن الدراسات التي تناولت موضوع الإنتحار و محاولة الإنتحار شحيحة . بالإضافة الى صعوبة الحصول على ارقام مضبوطة عن الوضع النفسي داخل المغرب . الا أن الوضع ليس كما يبدوا فالموضوع خطير و ينبأ على تغير المنظومة الإجتماعية السائدة . فالقيم السائدة قبل خمسين سنة التي تقدس الحياة و تعتبر أن حق الحياة هبة من الله بدأت تختفي داخل اوساط الشباب و حل محلها الاستهثار و تبخيس الحق في الحياة . الكل مسؤول ، وزارة الصحة مسؤولة بتوفير البنيات التحية و الأطر، الاعلام مسؤول بتقديم برامج توعوية تأطيرية للمواطنين ، المجتمع المدني مسؤول بتأطير الشباب و رفع من وثيرة توعية المواطنين بأعراض الأمراض النفسية ، الأسرة مسؤولة بتعليم الأبناء قيمة الحياة مواجهة المشاكل ، المسجد مسؤول بالإنفتاح على الناس و عدم الإقتصار على فتح الأبواب لصلاة ثم إقفالها . هدفنا من طرح الموضوع ليس تشويه الصورة المغرب بقدر ماهو دق الجرس للمسؤولين لتذارك ما يمكن تداركه قبل فوات الأوان .