وجهة نظر

أمطار طوفانية تغرق القلعة البنكيرانية!

مرة أخرى وككل موسم مطير، تأبى الإرادة الإلهية إلا أن تكشف عن هشاشة وانعدام البنية التحتية بمدننا المغربية، وتميط اللثام عن الوجوه الحقيقية لمن أنيطت بهم مسؤولية تدبير شؤوننا المحلية، فاضحة زيفهم في رفع الشعارات الخاوية وبيع الأوهام للناخبين، كلما حلت مواعيد الاستحقاقات الانتخابية: الجماعية والتشريعية. فبقدرما تبعث التساقطات المطرية الأمل في النفوس، ويستبشر الفلاحون خيرا بما لها من انعكاسات إيجابية على المواسم الفلاحية، بقدرما يتطير منها الكثير من سكان المدن، ويتجدد قلقهم ومخاوفهم مما قد تخلفه آثارها من معاناة حقيقية وخسائر وأضرار مادية جسيمة.

ذلك أن حتى أكبر المتشائمين من تساقط الأمطار، لم يكن يتوقع أن تكون سويعات معدودة من انهمار المطر في يوم الخميس “الأسود” 23 فبراير 2017، كافية لتحويل العدوتين الرباط وسلا إلى مدينتين منكوبتين. إذ صارت الشوارع والأحياء عبارة عن بحيرات مائية، تؤثث فضاءها طيور وأسماك بشرية، وقد غمرت المياه والأوحال البيوت السكنية والمحلات التجارية، وأتلفت الكثير من الممتلكات والتجهيزات. شلت حركة السير بجل الأحياء والأزقة، انقطعت الطرق الوطنية والشوارع الرئيسية والمسالك الفرعية، وأمست عدة مناطق معزولة جراء اختناق المجاري وارتفاع معدل المياه. وأصبح من الخطورة بمكان التنقل ركوبا أو مشيا على الأقدام، مما اضطر معه الراجلون وسائقو المركبات إلى التوقف. وهكذا حوصر المواطنون بجميع المناطق، تعطلت غالبية المصالح الإدارية وخط الترامواي الرابط بين المدينتين، وبات من شبه المستحيل على أي كان العبور إلى المرافق الحيوية ومحطة القطار بمدينة سلا قلعة البيجيديين المحصنة. كيف لا وهم يغزون مجالسها الجماعية منذ سنوات خلت، عمدتها الحالي جامع المعتصم مدير ديوان رئيس الحكومة بنكيران، قيدوم ممثليها البرلمانيين منذ 1997، والذي لا يزورها إلا أثناء الحملات الانتخابية ليغرقها بدموع “التماسيح” والوعود العرقوبية؟

وجدير بالذكر أن كارثة القلعة البنكيرانية بوجه خاص، التي تناقلت تفاصيلها مختلف وسائل الإعلام الوطنية والدولية، ألهبت حماس رواد الفضاء الأزرق ومستعملي خدمات الواتساب، ليبدعوا في نقل صور مثيرة تبعث على الحزن والسخرية في نفس الآن، محولين صور سيارات وشاحنات وحافلات إلى مراكب بحرية تسبح فوق الماء، يتراقص على ظهورها شباب وأطفال مدارس، وأظهروا بشكل كاريكاتوري نساء ورجالا في حركة دائبة للتخلص بطرق تقليدية من المياه المتسربة إلى محلاتهم السكنية والتجارية، فضلا عن رسوم أخرى تجسد حجم معاناة السلاويين وما تكبدوه من خسائر فادحة. كل المدارات غرقت في المياه والأوحال، ولا شيء فوق أرض “الجزيرة” سلم من آثار قوة الفيضانات والسيول الجارفة. فما جدوى الفوز في الانتخابات، دون أن يكون المرشح قادرا على التغيير والإصلاح؟ إذ ليست العبرة في حصول حزب “العدالة والتنمية” على 22 مقعدا في مجلس النواب بجهة الرباط فقط، كما قال أمينه العام ورئيس الحكومة المعين بنكيران، متهكما على حزب وطني عريق، ولا في انتظار النكبات لتشكيل خلايا أزمات بتنسيق مع السلطات وغيرها، وإنما العبرة في ما اتخذه رفقة منتخبي حزبه من احتياطات لازمة وما قدموه من حصيلة للمواطنين على مستوى الشأن المحلي والعام، طيلة المدة التي تقلدوا فيها المسؤولية؟

ثم بالله عليكم، من يا ترى غيره مسؤولا عما آلت إليه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين من تدهور، بعد أن أجهز على المكتسبات وضرب القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، حرم آلاف الشباب من الشغل وأغرق مستقبل البلاد والعباد في مستنقعات المديونية… حتى بات حزبه رمزا قويا للنكوص والغرق؟ فلا تقولوا لنا مرة أخرى “سيادة الرئيس” بأنكم وجدتم إرثا ثقيلا من الفساد، وأن المشيئة الإلهية وحدها أرادت لقلعتكم وغيرها من “القلاع” الانهيار مع أول قطرات أمطار الخير، بل قولوا لنا ماذا هيأتم من مشاريع تنموية واتخذتم من تدابير لمكافحة الفساد وتطهير البلاد، والنهوض بأوضاع المواطنين في المدن والقرى النائية والمناطق الجبلية؟ فما حدث خلال ذلك اليوم الأكحل وما قبله من أيام سوداء في عهدكم، فضح زيف ادعاءاتكم، والمسؤولين الذين لا يترددون في منح الرخص للجمعيات السكنية وأراضي التعمير، دون احترام تصاميم التهيئة وشروط السلامة والوقاية في البنايات والطرق العمومية، ومنها بالأساس قنوات صرف المياه التي تتعرض باستمرار للاختناق…

فغرق العدوتين في ذلك اليوم المشؤوم، يعود بالأساس إلى الإهمال والتقصير وسوء التدبير، وانعدام القدرة الاستشرافية لدى مدبري الشأن المحلي سواء بعاصمة المملكة الرباط أو بالقلعة البنكيرانية سلا وغيرهما، من سلطات وجماعات ترابية وشركات التدبير المفوض، التي لا تحسن عدا إفراغ جيوب المقهورين، من خلال فواتير الماء والكهرباء… ترى أين نحن من البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية التي تستنزف ميزانيات هائلة من المال العام، والمفترض أن يكون بإمكانها تحمل تهاطل الأمطار مهما كانت طوفانية، والصمود أمام الكوارث الطبيعية؟

كفانا نفاقا وتضليلا، فلم تعد حيلكم السخيفة تنطلي على المغاربة الذين فقدوا فيكم الثقة منذ زمن بعيد، فكيف لهم الوثوق بوعود من لا يخجلون من أنفسهم في تغليط ملك البلاد، كلما هم بزيارة مدينة مغربية ما، عبر إجراء تغييرات خادعة: صباغة أعمدة النور وتنظيف الشوارع واستنبات الأغراس والأشجار… لتزييف الحقائق وإعطائه الانطباع بأن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح؟ فأن تشمروا على سواعدكم من أجل بناء مغرب جديد وأفضل، وتعجلوا بتعويض السكان المتضررين، لهو أزكى وأصلح لكم.