منتدى العمق، منوعات

عن حلم اسمه ” ابتسام “

إني حين أتذكر الجهد الذي استنفذته مني سنوات الدراسة أكفر بمخططات التعليم البدائية، لقد علمونا كل شيء إلا دواء الروح حين يؤكسدها الحَزَن، فهل سأثق بدرس أستاذة العلوم الطبيعية عن الصبغيات بعد أن رأيت أشباهك في كل مكان، وهل سيغطي حساب الجذر المربع حساب الأيام التي مضّيناها معا؟
ثم لماذا حدّثونا عن الزهايمر وما منحونا فرصة التبرّك برحمته وهل ستُسعفني نظرية “باسكال” في الحلم باحتمالات لقياك بالعالم الآخر ؟
وإن التقينا.. هل سنكون ممّن ينادي فيهم ربّ العزّة ” أين المتحابون بجلالي “، أم سنكون ممن بيوم القيامة ” عند ربهم يختصمون ” ؟

فأيّ أقدار هذه التي تشرّح مشاعرنا ونحن أحياء فتشبعنا بدروس مبكّرة عن حتمية الألم ؟ لقد كان لقائنا الأخير ريجيما قاسيا على ما تبقى منا، فاكتشفت متأخرا أن الزمن حين يتواطأ مع الغياب يهدينا واقعا أبكم وأن المشاعر لا ترمّم وأن التألم من ذلك مضادّ حيوي ضدّ الأمل.
لقد مرت عدة أشهر وأنا أظن تألّمي من رحيلك أمر طبيعي، لكنني بعد ذلك ما عدت أخجل من انضمامي لنادي المصابين بـ” متلازمة ستوكهولم “، أولئك احتجزهم اللصوص أسبوعا وسرقوا مالا من البنك فدافعوا عنهم، أنتِ سرقتِ تاريخا من حياتي ولا زال القلب غارقا فيك ومحمولا على ألواح ودُسر ..
أليس قاتلا أن أكثر من نتعلّق به هو أكثر من يفجعنا برحيله، كيف نبكي من أضحكناه و لماذا لا ننسى ألما تعثّر بنا بلقياه ؟ أمن الضروريّ أن تكون قوانين الحياة لهذا الحد ممسوخة ..
قررت اليوم أن لا أكتب عن الذكريات وأن أتجاهل إغراء كلاسيكيات اللغة
أن أفشل كل محاولات الچاردينيا و الزنبق عن محاولة التسلل هنا، وأن أتوقف عن اغتيال المطلق بالانتصارات وأن أحبك في الصمت المتسرّب بين هزيمتين .. خفيفا كشوربة بازلاء أول الليل ومتحررا كالأراضي الموات..

لن أطيل شاربي كسيلفادور دالي تشبها بنيتشه حين أُعجب بـ “هكذا تكلم زرادشت” لكنني سأغير طريقة نطقي لاسمي كما تلفظينها وكأنها ترقص الفالس وسأستقبلك بصحن حريرة ومنامة عليها ختم الآشوريين.. وسأشتري المحلول الذي يتحسّس منه البعوض لتنامي في سلام..

سأتسمر بمخارج المدينة كلافتة توجيهات بالطريق السيار، أراقب الطائرات تأتي مملوءة وفارغة منك، أرمي من خلفي ظنون السماء و أعود لبيتي، و حين يرن الجرس أركض للباب أفتحه فيفاجئني الإيطالي “كلاوديو بوتزاني” أمامي من دون نظارات يخاطبني :”تدربت كثيرا أمام الأبواب المغلقة، هل تنتقل إلى مكان آخر لو سمحت؟”، و قبل أن أسأله عن محبوبهم “نابوليتانو” وعن البيتزا وبرج بيزا، أجده قد اختفى بريبة خارج عن القانون كأنه يقول :
“لست أدري ما إذا كنت أنا المفكر أم فكرة عارضة” ..

في انتظار أن تأتي ربيت سلحفاة حرّفت عاداتها الغذائية حتى عجّلت بسباتها الشتوي
انشغلت برسم لوحات من دون تصوّف
واقتنيت تذاكر عودة لكل المغتربين واستعمرت أريكة أشرب عليها محلول الجرجير خاليا من السكر، أكتب مقالات من دون مستقبل..كالإعجاز العلمي للبومادة الصفراء التي حيرت الملايين وعن النسق التاريخي الذي جعل الكاف والواو علامة مسجلة في أسماء الروس، وعن لعنة الارتفاعات التي تجعل معظم الناس يحلمون بسقوطهم من مكان عال..

و في الختم..،
سأنتظرك يا ابتسام رغما عن هذه السماء التي لا تُمطرك
رغما عن سفالة الڤيزا ووخز المسافات
سأنتظرك بتلهّف مي زيادة على رسائل جبران
وبشوق موظف حكوميّ لمرتّب آخر الشهر..

وسأظل أحبك نظير أوقية من ابتسامتك الزهرية