وجهة نظر

حكومتنا بين انتخابات 7 أكتوبر وجريدة “الأحداث المغربية”

نشرت جريدة “الأحداث المغربية” افتاحية لمدير نشرها بعدد 8 مارس الجاري، ضمّنها الكثير من “لوْك الكلام”، ليصل في النهاية رغم كل مساحيق التمويه التي حاول نثرها على المقال، إلى الدعوة لتأجيل تشكيل الحكومة المغربية، والإبقاء عمليا على وضيعة “البلوكاج”، إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في فرنسا.
كهذا وبالأسلوب المعهود في جريدة الأحداث المغربية ومن يقف خلفها، يدعو الغزيوي إلى ضبط عقارب ساعة السياسة في المغرب، على توقيت باريس، وتوقيت قصر الاليزيه تحديدا، وبالتالي رهن واحدة من المؤسسات المهمة والمحورية في تدبير شؤون المواطنين المغاربة، بمن سيصوت عليه المواطنون الفرنسيون، وبمستقبل الصراع السياسي في فرنسا، التي لا أعتقد أن الغزيوي نسي أنها خرجت من المغرب سنة 1956 حسب ما يسجله التاريخ.
وبغض النظر عن الهامش الضيق للتأويل الايجابي، القائل بمراعاة السياقات الدولية، والتغيرات التي تعرفها مراكز القرار في الدول التي تربطها بالمغرب علاقات تاريخية واقتصادية، فإن دعوة الغزيوي تحمل الكثير من الاستصغار للدولة المغربية، والكثير من الاحتقار لاختيارات المواطنين، والكثير أيضا من اللامبالاة بالتعيين الملكي لرئيس الحكومة ساعات قليلة بعد موعد انتخابات 7 أكتوبر، والكثير من الازدراء بدعوة جلالة الملك إلى التعجيل بتشكيل الحكومة.
ماذا يعني أن يكتب مدير نشر جريدة الأحداث المغربية، مفتيا باستدامة الانتظارية التي يعرفها المشهد السياسي الوطني، بحجة انتظار ما ستسفر عنه انتخابات دولة أخرى، وماذا يعني أن تدعو هذه الجريدة الناطقة باسم جهات باتت مكشوفة العلاقة باختيارات المغاربة، إلى ربط مصلحة الوطن بما يقع في أمريكا وفرنسا، ماذا يعني كل هذا إذا لم يكن استصغار واحتقار المغرب دولة وشعبا.
إنه منطق الوصاية المؤسف الذي لطالما تعاملت به هذه الجريدة مع المواطنين المغاربة، ومع مؤسسات الدولة التي تسير على غير هوى من يقفون خلفها، وهو منطق يحتاج معه كاتب الافتتاحية المذكورة، إلى من يُذكره بأن المغرب حصل على استقلاله منذ أزيد من 60 سنة، كانت كافية لبناء دولته بحرية، وشق طريق خاصة به في الديمقراطية وفي التنمية وفي تدبير شؤون المجتمع برؤية وطنية خالصة.
الغزيوي يحتاج أيضا إلى من يُذكّره، بأن المغرب اجتاز بنجاح مراحل صعبة في تاريخه، واستطاع أن يبني نموذجا في الإصلاح السياسي، في وقت كانت دول تتهاوى بالقرب منه، وعندها لم يكن في حاجة إلى انتظار انتخابات فرنسا أو غيرها، ويحتاج إلى من يذكّره بان المغاربة صوتوا على دستور لا يمكن وصفه إلا بالمتقدم بالمقارنة مع دساتير الدول التي تشبهه، وهذا الدستور نُظمت في ظله انتخابات أفضت إلى ما أفضت إليه من توجه عام، أعطى لحزب معين الصدارة التي تمكنه من تشكيل الحكومة، دون أن تأخذ الدولة الإذن من فرنسا أو غيرها في ذلك.
جريدة الأحداث المغربية، في حاجة ماسة إلى من يُذكّرها بأن ما كتبه مدير نشرها، تحت عنوان “حكومتنا بين أمريكا وفرنسا”، لا يمكن تصنيفه إلا في خانة رفض نتائج انتخابات 7 أكتوبر، والاعتراض على التعيين الملكي للأستاذ عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة، أو اعتبارها لهذه النتائج ضد مصلحة الوطن كما يراها الكاتب مرتبطة بانتخابات فرنسا، وهذا يقتضي من الجريدة الوضوح في التعبير عن موقفها بكل صراحة، عوض استئجار صفحاتها لما شذّ من المواقف والفتاوى المتعلقة بتشكيل حكومة المملكة المغربية… نعم قلت حكومة المملكة المغربية !
بكلمة على القوى السياسية المعنية بتشكيل الحكومة، أن تراعي “الأجندة” الوطنية لا غيرها، في رسم موقفها من الدخول للحكومة أو اختيار المعارضة، عليها أن تأخذ بعين الاعتبار ما عبّرت عنه نتائج 7 أكتوبر، والتقاط رسائل جلالة الملك أولا بتعيين الأمين العام للحزب المتصدر للانتخابات رئيسا للحكومة وتكليفه بتشكيلها، وثانيا بحرصه على متابعة هذه العملية بما تضمنه بلاغ الديوان الملكي الصادر عقب اجتماع اثنين من مستشاري جلالته مع رئيس الحكومة المعين، وعليها أن تقدر موقفها بالقدر الذي يخدم تطور البناء الديمقراطي في البلاد أولا وأخيرا وقبل وبعد كل الأشياء.. !