وجهة نظر

في سياق الحملة الوطنيةللتضامن: من الخير العام إلى الحق

نحو مفهوم قانوني للتضامن

يقدّم السلوك التضامني في السياق الاجتماعي المغربيكمرادف للخيرية بوصفه ادعاء دينيا أخلاقيا وتعبيرا عن قيم الترابط بين الأفراد التي تحث على تقديم المساعدة عند الحاجة. غير أنه في السنوات الأخيرة صار ينظر الى التضامن في صلب العلاقة التكاملية بين المجتمع والدولة بما يعزز قدرات هذه الأخيرة على انتاج الخير العام. ومع ذلك ظل التضامن مجرد أفعال للعطف على المواطنين المفجوعين بأزمات اجتماعية أو طبيعية، تفتقد للطابع الالزامي، ولذلك وجب تقديم فهم قانوني للتضامن يتمم الفهم الاجتماعي والسياسي المومأ اليهما.

ويعود نشوء التضامن كمبدأ قانوني الى القانون الدولي، حيث ينتمي الى الجيل الثالث لحقوق الانسان المستند الى قيمة الاخاء، فقد جاء في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لألفية التضامن “…أن يكون توزيع التكاليف والأعباء بصورة عادلة وفقا للمبادئ الأساسية للإنصاف والعدالة الاجتماعية. أولئك الذين يعانون أو الأقل استفادة يستحقون المساعدة من أولئك الذين يستفيدون أكثر”. حيث تجسد فكرة حقوق الجيل الثالث الموسومة بالجماعية اطارا توسيعيا للنموذج التقليدي لحقوق الانسان المفرط في الفردية، مما يؤسس للتوازن بين الحقوق والواجبات.

فاللامساواة بين المواطنين هي جوهر تقديم التضامن مبدأ بنيويا في القانون الدولي أي التضامن كواجب وليس كإيثار بحيث لا يمكن أن يتحقق الا من خلال اضطلاع كل من الأطراف الفاعلة بنصيبه من المسؤولية الاجتماعية.

وعن هوية الفواعل المتضامنة أي التي يقع عليها واجب التضامن فهي بحسب اعلان الالفية كل الأطراف الفاعلة على الساحة الاجتماعية (الأفراد والدولة والكيانات العامة والخاصة)، حيث يبرز بعدان للتضامن: بعد أفقي يشير الى التضامن كموقف وطني يهدف الى الحد من عدم المساواة بين المواطنين. وبعد عمودي يتماثل فيه مبدأ التضامن مع مسؤولية الحماية التي تقع على عاتق الدولة، لكن حينما تعجز الدولة أو عند عدم رغبتها في حماية مواطنيها، فإنها تصير مصدر تهديد لهم، وحتى عند تحركها في إطار شراكات مع ممثلي المجتمع المدني فان ذلك لا يعكس سوى سعيها للتحلل من مسؤوليتها.

ولذلك فالفهم القانوني لمبدأ التضامن لا يستقيم مع نموذج الدولة المتخلية بل مع نموذج الدولة الحامية، دولة الاستجابة والتدخل المؤسسين لظروف السلامة العامة، والمقصود هو الزامية الفعل التضامني بوصفه أحد المقومات الحديثة لحقوق الانسان، بما يحقق الأمن الإنساني كتجسيد لأولوية الفرد المواطن على الدولة.

وعلى العموم حتى ان كان التضامن غير محدد التعريف في القانون الدولي وهو ما يلغي تقديمهكقاعدة قانونية، وحصره في محض مبدأ عام، فان ذلك لا ينفي طابعه الالزامي على اعتبار أن المبادئ العامة تعتبر في حكم مصادر القانون الدولي.

أما اقتراب القانون الداخلي من الفهم الحقوقي للتضامن فيظهر من خلال صك الحقوق، أي الوثيقة الدستوريةالت تنص في الفصل 40 على “أن يتحمل الجميع، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلّبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد”، حيث الدولة بحكم قيام هندستها للمجتمع على الضبط، وبناء على قدراتها التشغيليةهي من يحوز سلطة حثمن يملك على مساعدة من لا يملك وذلك بمختلف الابتكارات التضامنية، في أفق نقل التضامن من طابعه الطوعي الى الطابع الالزامي، وفي هذا تتحمل الدولة مسؤولية تطوير اطار قانوني لتعاقد تضامني يوجه طبقات المجتمع المختلفة تبادليا الى القيم المشتركة وتقاسم المصالح فيما بينها.

وبالنظر للمرجعية الدينية للدولة المنصوص عليها دستوريا، ينبغي استحضار مفهوم التضامن كحق ضمن النموذج الإسلامي لحقوق الانسان الذي ينبني على مركزية الواجب ويقارب الحق من حيث كونه ليس واجبا ولكنه تكليف ومسؤولية تقع على عاتق صاحب الحق. وهكذا فالطابع التكليفي في تعريف الحقوق وفقا للقانون الإسلامي يتوافق مع الفكرة المركزية للجيل الثالث لحقوق الانسان، وهو الفهم الذي ينقل التضامن من مرادف للإحسان الطوعي الى التعبئة والتعزيز لمصالح الفرد والجماعة.

بكلمة أخيرة نتأدّىالى أنه باستحضار معايير حقوق الانسان لم يعد مقبولا حصر مفهوم التضامن في معناه الإنساني فحسب وانما وجب اصطحابه بمضمون حقوقي يعيد صياغة مفهوم المسؤولية بإقرانها بحماية الأكثرية الشعبية التي تعاني اضطهادا هيكلياأمام الأقلية المتنعّمة.