منوعات

المنظمات الإرهابية.. بوابة خلفية لمخابرات القوى الأجنبية

بعد أن انتهت المواجهات المسلحة للصراعات الإقليمية خلال سنوات الصراع على النفوذ والهيمنة على العالم الثالث بين القوتين العظميين، تغيرت هذه الوسيلة بعد انتهاء الحرب الباردة، وأصبحت المنظمات الإرهابية سلاحا لضرب الدولة التي تنتمي إليها هذه التنظيمات من داخل الدولة المستهدفة وليس من خارج حدودها.

وقد تضاعفت في السنوات الأخيرة المؤسسات الدولية المتخصصة في دراسة ظاهرة انتشار التنظيمات الإرهابية وتطورها في العالم، وشمل هذا الاهتمام ما حدث من تطور في أساليب مكافحة الإرهاب عبر القيام أولا باختراق هذه التنظيمات بواسطة عملاء محليين يُناطُ بهم دوران: الأول دفع التنظيم الإرهابي إلى القيام بعمليات تبدو وكأنها تخدم أهدافا خاصة به، بينما هو في الواقع يخدم في نهاية المطاف مصالح قوى أجنبية. أما الدور الثاني، فهو نقل معلومات عن التنظيم الإرهابي إلى مخابرات القوى الأجنبية، فيتم استخدام هذه المعلومات في تسديد ضربات لهذا التنظيم وزعامته،إذا ما اقتضت ذلك مصالح هذه القوى الأجنبية.
وآخر هذه الدراسات اثنتان:

الأولى أنجزتها مؤسسة “راند” التي تعتبر من أهم مراكز الدراسات السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تكلفها وزارة الدفاع الأمريكية بإنجاز تقارير خاصة تحتاج إليها. وقد شارك المعهدُ الأمريكي لمحاربة الإرهاب المؤسسةَ المذكورةَ في إعداد تلك الدراسة.

والثانية أنجزها البروفيسور ديفيد تاكر عضو مركز أبحاث الشؤون العامة وأستاذ التحليل العسكري بالجامعات الدفاعية .
وقد ركزت دراسة مؤسسة راند على الأسباب الكامنة وراء نجاح جهود استئصال منظمات إرهابية في الفترة الممتدة بين 1998ـو2006، بينما لم تحقق في السابق جهود مكافحة تنظيم القاعدة نجاحا بنفس الوتيرة والنسبة.

وخلصت تلك الدراسة إلى أن النجاح في الأولى راجع إلى توسيع نطاق مواجهة الحركات الإرهابية، باستخدام قوات الأمن الداخلي والمخابرات في جمع المعلومات الكاملة عن هذه المنظمات، حيث أمكن معرفة كل شيء عنها .

أما بالنسبة إلى تنظيم القاعدة، فقد تركز التعامل معه بدرجة كبيرة على استخدام القوة العسكرية. ومع أنَّ هذا العامل كان مهما في دراسة تاكر، فقد تطور لاحقا، بتركيز أجهزة المخابرات، على اختراق التنظيمات الإرهابية، واستخدام أفراد من داخلها عملاء لأمريكا. في هذا الصدد، يقول تاكر: كنا محظوظين كثيرا عندما وجدنا أعضاء في منظمات إرهابية يتطوعون للعمل معنا .

ترسم دراسة راند صورة واضحة لخريطة هذه المنظمات الإرهابية عبر الاعتماد على جمع المعلومات عنها وتحليلها، إذ تقول: في فترة ما بين 1998 و2006 كانت هناك 648 منظمة إرهابية نشطة منتشرة في العالم، تم القضاء على 268 منها في تلك الحقبة، كما حدثت انشقاقات داخلية في 136 منظمة، حيث تفتت إلى تنظيمات أصغر حجماً، بينما استمرت 244 منظمة في نشاطها الإرهابي، ووجد الدارسون أن 40% منها قد تم اختراقها من داخلها وتصفيتها، وأن 43% منها توصلت إلى مصالحات مع حكوماتها.

وتضيف أن تنظيم القاعدة ظل فاعلا في عام 2008. واجتمع أعضاؤه بهدف الاستيلاء بالقوة على الحكم في كل الدول الإسلامية، من خلال القتال ضد أنظمة الحكم في هذه البلدان، وهو ما استحال معه التوصل إلى أي تفاهم بين القاعدة وتلك الدول.
ويكاد الخبراء المختصون يتفقون على أن الطريقة المثلى لحصول أجهزة المخابرات على المعلومات التي تحتاجها عن الإرهابيين هي توظيف رجال يعملون لحسابها داخل المنظمات الإرهابية .

وقد توصلت المخابرات المركزية الأمريكية، أثناء تحليل المعلومات المتوافرة لديها، إلى أنه يصعب اختراق الكثير من المنظمات الإرهابية التي يقوم تكوينها على علاقات عرقية، أو قبلية، أو عائلية. أما في حالة تنظيم القاعدة، فالوضع مختلف، لأن هذا التنظيم لا يقوم على أساس وحدة اللغة، لكن على فكرة أو فهم معين للإسلام، وإخضاع تفسير كافة القضايا بناء على هذا الفهم. وهذا التشكيل الواسع للتنظيم هو ما ساعد على اختراقه من خارجه.

وتقول دراسة تاكر: في مثل هذه المنظمات، تكون المعلومات المهمة التي تحتاج إليها المخابرات المركزية، تتوافر لدى الدائرة الضيقة لزعامات التنظيم، ونكون محظوظين عندما ننجح في تجنيد عميل يكون قريباً من هذه الدائرة الضيقة. ويتم ذلك بالاعتماد على من تربطه بالزعامات روابط عائلية أو عرقية.
وتتفق هذه الدراسات على أن القاعدة أصبحت تنظيماً متطرفاً، يدار بطريقة لا مركزية، حيث هناك منظمات عديدة تتحدث باسمه دونَ أن تجمعها به روابط تنظيمية، لكنها تحمل أفكاره المتطرفة والدموية.

وقد تحدث، من وقت لآخر، انقسامات داخل خلايا إرهابية صغيرة، بخروج أعضاء منها، وانضمامهم إلى خلايا غيرها، ويكون أسلوب اختراقها معتمدا على جمع معلومات كافية عنها وعن أعضائها.

وتخلص هذه الدراسات إلى أن اختراق القاعدة، والمنظمات الإرهابية الأخرى في العالم، هو أمر حيوي واستراتيجي لمصالح الولايات المتحدة .

إن ظاهرة التنظيمات الإرهابية التي يقوم فكرها وعضويتها على العداء للدولة التي ينتمي إليها أعضاؤها، تنم عن رفض هذه الجماعات لمفهوم الوطن والانتماء إليه، ما جعلها بدون أي أساس من الوطنية، وهو ما ساعد على قيام جسر من وحدة المصالح بينها وبين المخابرات الأجنبية، حتى لو لم يكن بينهما أي اتصال أو تواصل، وحتى لو توهمت هذه أنها تشكل أساس التحركات لما هي متورطة فيه من أحداث.

وقد بدأ هذا التحول يتبلور بعد انتهاء الصراع الأمريكي السوفييتي في التسعينيات. كما ساعد تكاثر المنظمات الإرهابية الخارجة على الوطن والمعادية له استخدامها من قبل المخابرات الأجنبية، فصار الإرهاب السلاح المتطور الذي تستعمله هذه المخابرات لتحقيق به هدفين: ضرب دول انتماء التنظيمات الإرهابية، وضرب هذه التنظيمات نفسها إذا اقتضى الأمر ذلك.