وجهة نظر

الحكمة وشريان الحياة

يحكى أن شابا باحثا عن الحكمة، كان شغوفا بالعلم والأدب وكل الفنون العقلية، كان في سعيه وبحثه يصطدم بإشكالات منهجية كبيرة، فكان يعرضها على معلميه ومربيه، وكان له شيخ واحد يأخذ عنه الحكمة.

بينما هو كذلك عرض له يوما مشكل، تمثل في أن أحد “العراقيل” قطع الطريق على أهل القرية التي يسكن فيها؛ وكان “العرقول” من “الحداثة” و”الجدة” ما جعل السكان يهابونه، فلم يكن ضخما ولا قويا ولا متوحشا.. فقط حديثا وجديدا.

لجأ سكان القرية إلى طالب الحكمة؛ ففرك لحيته، وعقد حاجبيه، وجمع أمره وذهب معهم إلى الطريق التي قطعها “العرقول”، وشرع يقترب ويبتعد من العرقول ويدقق النظر فيه من مختلف الجوانب.

توقف فجأة، فتحلق حوله الناس ينتظرون الفرج؛ استجمع أنفاسه كلها؛ سكت برهة؛ تفرس وجوههم؛ ثم أعلن “سأطلب من شيخي الحكيم فلان أن يساعدنا في إيجاد حل لهذا العرقول”.

ولأنها طريق القرية إلى البئر؛ السوق؛ والحقول؛ والقرى المجاورة؛ والمسجد؛ والمقبرة؛ وساحة التبوريدة.. كان شريان الحياة بجميع تفاصيلها، قرر بسطاء القرية انتظار الرأي الحاسم للحكيم.

انطلق الطالب صوب شيخه؛ يحمل على عاتقه آمال القرويين وأحلامهم، طوى المسافات بسرعة كبيرة جدا، فقد كان مشغولا بأبناء القرية، كما كان يفكر في حل لإزالة العرقول من طريق الحياة أمام الناس.

وصل دار الشيخ، ولأنه طالبه المحبوب، دخل دون استئذان، وألقى بنفسه على شيخه محييا، بعضه سلام على طريقتهم البدوية، وبعضه انهيار من ثقل ما يحمله، ولأن الحكيم يعرف طالبه جيدا، أجلسه وأمر بإكرامه، وسأله الحاجة التي أهمته.

حكى الطالب القصة كاملة للشيخ، فرك الحكيم لحيته؛ عقد حاجبيه، وشرع يدور داخل مكتبه دقائق، ثم خرج إلى غرفته الخاصة، حيث كان يعتصم كلما دهمه أمر أو مسالة معقدة.

انتظر الطالب ساعات، قبل أن يعود إليه الشيخ مبتسما، كانت اللحظة أكبر من الكلمات، حديث أعين فقط، أومأ الحكيم برأسه موحيا بنعم، فابتسم الطالب، وقبل يد شيخه وقلبها مرات امتنانا وعرفانا.

عاد الطالب بسرعة كما ذهب، واجتمع سكان القرية حوله، فاختار فقط شيوخها وكبراءها ليطلعهم على “الحكمة”، وأخبرهم القصة واهتمام الحكيم بأمرهم ودعاءه لهم، والحل الذي اقترحه، لقد اقترح عليهم ببساطة “تجاهل العرقول” والبحث عن طريق جديدة والسماح في القديمة.

تهلل وجه الأكابر والشيوخ للمقترح وفرحوا به، وانطلق كل كبير يشرح لأقاربه “الحكمة”، قبل الكثيرون هذا الحل إلا جماعة منهم، أعلنت رفضها “تجاهل العرقول” وتبديل “شريان الحياة”.

في وقت لاحق قررت جماعة “الصعاليك” ـ كما يسميها شيوخ القرية وكبراؤها ـ إزالة العرقول من الطريق، وانطلقوا صوب طريق القرية التي قطعت، يحملون كل ما تخيلوه قادرا على إماطة الأذى عن الطريق.

أغار “الصعاليك” على “العرقول” قبل بزوغ الشمس، وشرعوا في تفتيته أجزاء، فوجئوا لسهولة الإجهاز على الكائن الذي تخيلوه مخيفا ومتوحشا وعنيدا وقاتلا، قبل الظهيرة كانت الطريق قد عادت سالكة إلى “الحياة”.