منتدى العمق

رعاية الغرب للموهوبين

لقد بدأ اهتمام المجتمعات الغربية في القرنين الأخيرين برعاية الموهوبين – في أغلب التخصصات – واحتضانهم وتشجيعهم والاحتفاء بهم، حين عرفت أهميتهم، ونجحت إلى حد كبير في الإفادة منهم، فهمت ذلك منذ مدة ليست باليسيرة، وجعلت من الموهوبين انطلاقة لبناء الحضارة والتقدم والتنمية، والتفوق في كل المجالات.

وزاد هذا الاهتمام منذ مطلع هذا القرن، ففي الولايات المتحدة أنشئت في العقود الأخيرة عشرات المدرس الثانوية الداخلية تركز على العلوم والرياضيات، بعد أن أثبتت أول مدرسة أنشئت في ولاية نورث كارولينا في عام 1980م أهميتها في نتائج الطلاب الذين تخرجوا فيها، وما جلبته للولاية من جذب للاستثمارات الاقتصادية بسبب التميز التعليمي الذي أحدثته هذه المدرسة ) (kolloff ، ثم بعد ذلك أخذت الولايات تتسابق في إنشاء مدارس ثانوية داخلية بمعدل مدرسة في كل ولاية، يتم اختيار الطلاب المتميزين على مستوى الولاية، ويستقطب المدرسون المتميزون لها، وتجتذب الدعم المالي والعيني من المؤسسات الخيرية والخاصة .

ولا يقتصر الأمر في رعاية الموهوبين، والاعتناء بهم على هذه المدارس، بل توجد قبلها منذ عقود خلت، مدارس ضربت شهرتها الآفاق، مثل مدرسة برنكس في نيويورك، ومدرسة توماس جيفرسون بولاية فريجينيا، ومدرسة روبر في ولاية ميتشجان، بالإضافة إلى مئات المدارس على مستوى المرحلتين الابتدائية والمتوسطة مثل ) Magenet school ( وغيرها من المدارس الحكومية والخاصة.

وفي كوريا الجنوبية بدأ المسؤولون منذ أكثر من ثلاثين سنة بإنشاء 15 مدرسة ثانوية للموهوبين والمتميزين في العلوم والرياضيات، كان يدرس فيها 3737 طالبا وطالبة، وهي مدارس حكومية مجهزة بأحدث التجهيزات في المختبرات والمعامل، وقد أعطت هذه المدارس نتائج مذهلة حيث أثبت الطلاب المتخرجون منها تميزا في الدراسة الجامعية ومستوى عال من الأداء والجودة في التكوين، ثم توالى إنشاء عشرات المدارس المتخصصة لرعاية الموهوبين.

وبفضل الرعاية الخاصة التي يحضى بها الطلبة الموهوبون في المدارس المخصصة لهم، استطاعت سنغافورة البلد الصغير أن يفوز طلابها بالمركز الأول في العلوم والرياضيات في مسابقات الأولومبيات العالمية لعدة سنوات.

وفي الكيان الإسرائيلي المغتصب لأرض فلسطسن بدأ الاهتمام بالموهوبين منذ سبعين سنة، أي بعد تأسيس هذا الكيان مباشرة، واعتبرت إسرائيل أن قدرات شعبها من أهم موارها، ومن تلك الفترة وهي تحاول جاهدة مكافحة أي إهدار للمواهب، واستأثر البحث والكشف عن الموهوبين، وتعليمهم ورعايتهم ، وتنمية قدراتهم باهتمام خاص من طرف صناع القرار في هذا الكيان الصغير.

ففي 1958م، طرحت وزارة التعليم موضوع تعليم الأطفال الموهوبين ورعايتهم، وحضي باهتمام كبير من القادة السياسيين، وتبنت الدولة بقيادة موشي سميلانسكي توفير تعليم خاص للموهوبين في إسرائيل، وفي سنة 1961م تم افتتاح مركز للأطفال والمراهقين المعوزين الذين يتمتعون بذكاء عال، وتفوق واضح .
تم تطورت هذه البادرة إلى برنامج لرعاية الموهوبين في الكيان الغاصب، وأصبح كثير من الأطفال والشباب المنحدرين من الفئات الفقيرة والمعوزة خاصة، يستفيدون منه، وكثير منهم أصبحوا منتجين متميزين وقادة في مجالات تخصصهم.

وفي بداية السبيعينيات من هذا القرن عمل الكيان الإسرائيلي على تطوير تعليم الموهوبين، بفتح أول مدرسة خاصة بالموهوبين في تل أبيب تعمل بنظام اليوم الكامل، وتم تأسيس أول مكتب لتعليم الموهوبين في وزارة التعليم، بعد ذلك بسنوات سينتخب مدير هذا المكتب كأول رئيس للمجلس العالمي للموهوبين اعتبارا للريادة التي أبانت عنها إسرائيل في رعاية الموهوبين من شعبها.

وطيلة السبعين سنة الماضية وإسرائيل تطور في هذا التعليم، فتم إضافة برامج خاصة لرعاية طلبة الجامعات الموهوبين، وهو ما أطلق عليه برامج الإثراء المسائية، ولا يزال الاهتمام بالشباب الموهوب في إسرائيل إلى اليوم.

وقد اتجهت كثير من الدول في العقود الأخيرة إلى فتح مدارس ثانوية لرعاية الموهوبين والاعتناء بهم وتشجيعهم، كماليزيا والصين وإسرائيل وألمانيا والأردن وغيرها من الدول التي رأت أن مستقبلها العلمي والتقني مرتبط بإنشاء مثل هذه المدارس ورعايتها وتشجيعها .