منتدى العمق

“نظرية المؤامرة”بين الحقيقة وتبرير الكسل..

إن نظرية المؤامرة مؤّداها حسب متزعميها والمؤمنين المتحمسين لها أن هذا الآخر القوي “الماسوني” المدعوم “بطاحونة الرأسمال”يحاول دوما أن يتربّص بنا،يُحاول محاولات حثيثة أنيبتلعنا ويحاصرنا ويأكلنا حتى لا ننهض، وحتى لا تقوم لنا قائمة بين الأمم والشعوب لأن شوكة الإسلام تخيفه وتقلق مضجعه (كذا )،وبالتالي فاليهود الملاعين، حفدة الخنازير لا ينام لهم جفن، وهم وحدهم من يتحمل المسؤولية فيما آلت اليه الأوضاع في البلدان العربية والإسلامية من تمزق وفتن وتشظي واقتتال داخلي بين طوائفه ومكوناته الاثنية، إن هذا المنطقالتحليلي الذي يقدم قراءة للداخل المعلول المختل على أساس نظرية المؤامرة، واتهام الآخر وتحميله المسؤولية على الجملة، لوذهبنا لتفكيكه ووضعه عل مِشرحة التحليل والنقد بعيدا عن العاطفة والغوغائية لوجدنا فيه الكثير من الارتباك والتهافت و”الهشاشة”، هو انتصار لمنطق الاشباح البعيدة، فيه الكثير مناللاحقيقة والميثولوجياواللاّتاريخوتبرئة الذات وقصورها، نتّهم الآخر بنشر ثقافة العري في المجتمع الإسلامي من خلال الآليات الاديولوجية العصرية بلغة ميشيل فوكو ،في حين أن ظاهرة العري ظاهرة قديمة في المجتمع الإنساني وليست وليدة اللحظة والراهن، نتهم الآخر بنشر ثقافتهِ”الانكلوساكسونية” أو “الفرانكوفونية” على حساب الهوية الإسلامية في حين أن جدلية التاريخ تؤكد أن انتشار ثقافة على حساب ثقافة أخرى أمر قديم في الحضارة الإنسانية،كما أن تقليد المغلوب للغالب كما عبر عنه ابن خلدون في “مقدمته” معطى سوسيوتاريخي ثابت ومركوز في سيرورة التاريخ، بل حتى المسلمين في لحظات ازدهارهم الحضاري نشروا ثقافتهم على حساب الآخر، وعربوا مجموعة من الأقطار من غير وجه حقّ.

ومن نافلة القول الاشارة هنا أن روحانية الإسلام السمحة لم تدع للتعريب وطمس هويات الشعوب الأخرى والغاء كينوناتها وخصوصياتها اللّسْنيةوالثقافية والحضارية، متى نتحلى بالجرأة الكافية والشجاعة المعرفية المطلوبة ونعترف أمام التاريخ أولا وأنفسنا وضمائرناثانيا أن داخلنا متصدع مهزوز، فيه من الهشاشة ما فيه ؟،المشكلة تكمن هنا، فينا في الداخل، في البنيات التي تحكم هذه الذات المتشظية المعطوبة التي اكتفت بالتسول الثقافي منذ قرون، قبل أن يأت هذا الآخر ليتابع عملية التصديع ويفتت ما تبقى على فرض أن هناك يد خارجية وتآمر أجنبي، ينبغي أن نفكر في الأسباب الذاتية تفكيرا بنيويا علميا منهجيا عميقا من داخل النسق الثقافيلعدّ الانهزامات والانكسارات التاريخية والحضارية التي ملينا بها عبر تاريخنا وباعتبارنا عالما ثالثيا برزخيا لم يحسم بعد خياراته ومشاريعه التحديثية وماذا يريد؟

(التنمية والتحديث من داخل البنية كما يسميها عابد الجابري) و ظل قابعا يترنح في العتبات السفلى في المؤشرات التنموية العالمية وعلى اكثر من مستوى واكثر من صعيد سيما ما تعلق بالمدخل الحقوقي وانتهاك حقوق الانسان وسحق إنسانية الانسان وكرامته، ينبغي ان نمحّص ذلك وننظر فيأنساقنا وبنياتنا الداخلية الفكرانيةوالسياسية والدينيةونظمنا الأخلاقية والقيمية المشوّهة وما الذي أصبحنا ننتجه للعالمقبل ان نتهم الآخر ونلومه ونوجه له أصابع الاتهام لتبرير فشلنا وانحطاطنا وسقوطنا المدوّي في الحضارة الذكية ..إننا نحتاج بل وفي أمسّ ما نكون لوقفات مع الذات ونقد الذات وتشريحها وتفكيكها عميقا وإعادة السؤال الذي طرحه رواد الإصلاح في القرن الثامن عشر لماذا تقدم الغرب وتخلفنا نحن ؟

لم يعد هذا الاشكال يطرح كسؤال معرفي حارق،ولم يعد يشكل انهماما ومأزقا وجودياوموضوع انشغال وبحث في ساحاتنا الاكاديمية ومنابرنا الإعلامية والثقافية بنفس العمق وبنفس الهوس والأرق الذي تداوله رواد الإصلاح الاجتماعي مع جمال الدين الافغاني والكواكبي ومحمد عبده لأنهم اقنعونا أننا لا زلنا خير امة أخرجت للناس سيما بعد تغول الاصوليات الدينية “المعولمة”منذ عقد الخمسينيات،ونشر أفكارها المغلقة المدعومة بالبترودولار.. لا أعتقد أن هذا التوصيف الرباني المقدس ينطبق على المسلمين في حالتهم الراهنيةالمتصدعة المتأخرة التي أصبحت لا تسر قريبا ولا بعيدا، لقد اصبح المسلمون للأسف لا ينتجون الا الموت وثقافة الرفض وخطاباتتسطيحيةمأدلجةتكفيرية تنتصر للشعوذة الفكرية اكثر مما تنتصر للحياة وتنتصر للموضوعية والمنطق العلمي الرصين ..

إن “ماكينا” وطاحونة التاريخ لا تحابي ولا ترحم أحدا ، لقد دارت دورتها القاسية على المسلمين ، وهم الآن أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما : فإماأن يشمّروا على سواعد الجدّ ويبحثوا في كوامن الذات عن أسباب تخلفهم الحقيقية المرتبطة بالاستبداد،وتسييد ثقافة اللاعقل وقبر حرية التفكير وإما أن يظلوا على هامش التاريخ، وخارج سياق الحضارة والمدنية الحديثةرغم استعارة مظاهرها التي لا يشاركون في صناعتها، واما أن يلزموا البكاء والندب على الاطلال وتمجيدِ العنتريات والخطب العصماء التراثية وسيوف الخشب لما يعتقدونه عصورا ذهبية ، ناهيك عن استنساخ فتاوى الفقه الذكوري الميت الذي لم ينظر أصاحبه إلا لزمانهم، ولم يحاولوا الإجابة الا عن أسئلة عصرهم وفق الشروط والسياقات الثقافية والتأويلية التي عاشوا فيها حال ذاك وكانت تملي عليهم ذلك ..

إن القول بنظرية المؤمرة هو انتصار للميتافيزيقا ولكائنات شبحية غير مرئية خفية شريرة تريد شرا بهذه الانا الحضارية الخيرة المؤمنة !!، إنها تكريس للانهزام والفشلحاضرا وماضيا ، انها لا تعدو ان تكون سوى شكلا من اشكال التبرير والتنفيس السيكولوجي لالقاءاللائمة دائما عن الآخر المغتصبلتبرئة ذمة الانا ومسؤوليتها التاريخية في انتاج العطب وما تتخبط فيه من تأخر وتخلف.. الآخر الحضاري يخطط وحقّ له أن يخطط ويرسم الاستراتيجيات الاقتصادية و الفلسفات السياسية والثقافية التي تخدم وجوده ومساراته ومصالحه على مسرح التاريخي، لماذا لا نخطط نحن ايضا ونقابل التنظيم بالتنظيم، والدقة بالدقة وفق “سنة التدافع” الحضاري التي أشار اليها حتى الخطاب القرآني بدل الانكسار والاستسلام ومسح الإخفاقات المتتالية في رقبة هذا الماسوني المارد ..
إن نظرية المؤامرة تبرير للكسل، للكسل وحده ولا شيء غير الكسل ..