وجهة نظر

آفاق جهوية مغربية

عندما ننظر إلى التقطيع الجهوي المغربي، نجد أن الفاعل السياسي المغربي تعامل بمنتهى الذكاء و البرغماتية مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي المغربي مما سيجعلنا في مأمن عن كل تفكك .مناسبة الحديث عن هذا الموضوع جاءت بعد الاضطلاع على المقال الذي نشره الأستاذ أحمد عصيد تحث عنوان “من أجل مغرب فدرالي”. حيث يدعو فيه الأستاذ الكريم إلى اعتماد النموذج الفدرالي وذلك بإتاحة الفرصة لبعض المناطق للتمتع بحكم ذاتي.وقد سرد عدة أسباب تجعلنا نعتمد النموذج الفدرالي منها “التذمر من مركزة السلطة والرساميل والقيم منذ الاستقلال، ومن تهميش النخب المحلية ومحاصرة المناطق التي لم تجد أمامها آفاق التنمية الذاتية والنهوض”.

وقبل الرد على الكاتب، تعالوا نلقي نظرة عن واقع الفدرالية في بعض الدول. لنأخذ مثلا دولة العراق التي جربت النظام الفدرالي وأصبحث مهددة بالانقسام،حيث ما فتئت إحدى الأقليات تهدد بالانفصال وهو الوضع الذي تجد فيه الحكومة المركزية نفسها عاجزة على الحفاظ على وحدة البلد.كما أن نظام الحكم في دولة الإمارات المتحدة نظام فدرالي إلا أنه يتميز بحضور قوي للعنصر القبلي العربي وعلاقة القرابة التي تجمع الأمراء الحاكمين. أما غربيا فنجد سويسرا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا والملاحظ أن طبيعة المجتمع المغربي تختلف كليا عن نظيره في سويسرا وغيره من البلدان الغربية.وإن كان المغرب قد عرض الحكم الذاتي في أقاليمه الجنوبية كمخرج لحل النزاع المفتعل ،فإنه اختيار استراتيجي أملته الظرفية الحالية.

فعوض المخاطرة بمستقبل المغرب ووحدته الترابية، عمل المغرب على تطوير نموذجه السياسي الذي يتماشى مع خصوصيته واختار الجهوية المتقدمة لتدعيم الجهود التنموية للدولة. وهو اختيار حكيم ومتبصر يأخذ مجموعة من الأمور بعين الاعتبار ويساهم في دعم التطبيع الثقافي والاجتماعي بين سكان المغرب.فالمغرب قد قطع أشواطا في مسار الانصهار الاجتماعي وماض في هذا الباب من خلال الانفتاح والتفاعل الذي فرضه هذا التقطيع الجهوي.فمثلا الجهة التي أنحدر منها، بني ملال خنيفرة، تتميز بعدة خصائص ثقافية،بيد أنه أصبح لا مفر لسكان هذه الجهة من الانفتاح على بعضهم البعض مما سيعزز اللحمة الوطنية. وإذا كان التقطيع مبنيا على العناصر الثقافية، فإن إشكالية الأنا والآخر ستبقى متحكمة في العلاقات الثقافية بين السكان المغاربة. فالتقطيع الجديد سيعمل على تصحيح الأفكار المسبقة المغلوطة و التمثلاث الخاطئة لدى البعض.فلازال هناك اليوم بعض السكان يرفضون تزويج أبنائهم من أزواج من مناطق أو دواوير أخرى تمسكا بالأفكار المغلوطة التي تراكمت لدى البعض حول الانتماءات العرقية.

إن الانغلاق الجغرافي ظاهرة سلبية وقد تقود إلى العنصرية و الكراهية و الاقتتال بسبب ضعف التواصل و التفاعل بين سكان المناطق الجغرافية المختلفة ولهذا فإن النظام الفدرالي سيعمق الاختلافات بين المناطق المغربية نظرا للخصوصية المغربية والفسيفساء المكونة للمجتمع المغربي. فالمغرب يضم أجناس مختلفة ومتمركزة جغرافيا في عدة مناطق مما يعقد المسألة.فكلما كان هناك تطبيع جهوي كلما ازدادت اللحمة الوطنية وبالتالي تصبح الهجنة خيارا استراتيجيا للدولة القومية المغربية وحصنا منيعا لتجنب الانقسام الاجتماعي وهذا هو المسعى الذي يجب أن تدافع عنه النخب المغربية عوض محاولة استنبات نماذج غريبة وغير صالحة للتربة السياسية المغربية والتي قد تمهد لانعدام الاستقرار والانفصال مستقبلا نظرا لطبيعة المجتمع المغربي.

فالحل الأمثل هو العمل على تطوير النماذج التي تفتقت عن العبقرية المغربية بغية التخفيف من الفوارق المجالية بين الجهات والتركيز على التنمية بكل جهة على حدة ولما لا إدخال بعد التعديلات على القوانين الانتخابية و جعل انتخابات الجماعات الترابية جهوية تجرى كل ستة أشهر في كل جهة حتى تأخذ كل جهة نصيبها من النقاش العمومي والاهتمام الوطني.كما أن أداء الإدارة سيصبح أكثر احترافية و نجاعة وستستفيد من الأخطاء التي تقع في الانتخابات وتعمل على ضبط كل المخالفات وضمان التنافس الشريف بين المترشحين.ففي ظرف ست سنوات، ستكون الدولة قد نظمت 12 انتخابا جهويا عوض تنظيم الانتخابات وطنيا مرة واحدة.و سيكون كذلك الوقت كافيا للنظر في تعميم النماذج التنموية الناجحة في بعض الجهات.ويمكن كذلك تحديد مدة الانتداب الانتخابي محليا في ولايتين انتخابيتين لكل مرشح لإتاحة الفرصة للشباب و الوجوه الجديدة.

أما مسألة محاصرة المناطق التي تحدث عنها الأستاذ فهي خارج مغرب الألفية الثالثة. وبالعكس فإن الدولة المغربية تشجع على الاستثمار بجميع الجهات دون تمييز وتبقى الاختيارات مفتوحة أمام المستثمرين حسب متطلبات الأسواق.وتبقى الدعوة موجهة لجميع المغاربة لاستثمار في جميع المناطق والاستفادة من خصائص كل منطقة وجهة.كما أن هناك نخب مغربية من جميع المناطق توجد على رأس المؤسسات الوطنية وخير دليل على ذلك وجود ثلاث وزراء من مدينة “تافراوت” حاليا في الحكومة المغربية.فأين يا ترى هذا التهميش؟وبالعكس فإنه علينا أن نفتخر بالنظام السياسي المغربي الذي يركز على الكفاءة والمصلحة الوطنية عوض الانتماء المحلي أو المحاصصة الطائفية كما هو معمول به ببعض الدول.