مجتمع

استدامة مهددة وثقة متآكلة.. صناديق التقاعد بالمغرب تواجه غموض الإصلاح

كشف التقرير السنوي حول الاستقرار المالي عن استمرار الاختلالات الهيكلية التي تعاني منها أنظمة التقاعد الأساسية في المغرب خلال سنة 2024، رغم التحسن المؤقت في بعض المؤشرات المالية، نتيجة تنفيذ الشطر الأول من الزيادات في الأجور، المنبثقة عن اتفاق الحوار الاجتماعي بتاريخ 29 أبريل 2024.

وأوضح التقرير، الذي أصدره بنك المغرب وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي والهيئة المغربية لسوق الرساميل، أن الحاجة أصبحت ملحة أكثر من أي وقت مضى لإصلاح عميق وشامل لقطاع التقاعد، مشددا على ضرورة اعتماد تسعير متوازن للأنظمة يساهم في تقليص الجزء الكبير من الالتزامات غير المغطاة وضمان استدامتها على المدى الطويل.

وفي هذا السياق، أكد الخبير الاقتصادي محمد جدري أن التأخر في مباشرة إصلاح أنظمة التقاعد يكلف المغرب ملايين الدراهم يوميا، معتبرا أن هذا الإصلاح أضحى أولوية وطنية لضمان ديمومة واستمرارية المعاشات. وأضاف قائلا: “لا يعقل أن يُحرم عدد من العاملين الذين أدوا مساهماتهم طيلة سنوات في القطاعين العام والخاص من معاشاتهم بسبب إفلاس صناديق التقاعد”.

إقرأ أيضا: بنك المغرب يحذر مجددا: إصلاح أنظمة التقاعد أولوية وطنية لم تعد تحتمل التأجيل

وأشار جدري إلى أن المغرب يتوفر على أربعة صناديق رئيسية، وهي: الصندوق المغربي للتقاعد المخصص لموظفي القطاع العام، وصندوق نظام منح الرواتب الذي يشمل مجموعة من المؤسسات والمقاولات العمومية والجماعات الترابية، بالإضافة إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي المعني بأجراء القطاع الخاص، ثم الصندوق المهني المغربي للتقاعد كنظام تكميلي للقطاع نفسه. وأوضح أن وضعية هذه الصناديق غير متكافئة، إذ في الوقت الذي تحتفظ فيه بعض الصناديق باحتياطات مقبولة، يواجه البعض الآخر، وعلى رأسها الصندوق المغربي للتقاعد، عجزا تقنيا حادا يهدد استمراريته.

وأضاف أن أحد الأسباب الأساسية لهذا العجز يعود إلى عدم أداء الدولة كمشغل لمساهماتها منذ الاستقلال وحتى سنة 1999، وهو ما أدى إلى فقدان الصندوق ما يقارب 25 مليار درهم من العوائد. كما نبه إلى ضعف الحكامة، وسوء تدبير الاستثمارات أو غيابها في بعض الأحيان، مشيرا إلى أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، على سبيل المثال، لا يُسمح له باستثمار احتياطاته في السوق المالية رغم توفره على أموال المنخرطين والمشغلين. واعتبر أن الإصلاحات التي قامت بها حكومة عبد الإله بنكيران في سنة 2022، رغم أهميتها، لم تكن سوى إجراء مؤقت أرجأ العجز الكامل إلى سنة 2028.

وحذر جدري من أن الإصلاح المرتقب للحكومة سيتم مرة أخرى على حساب الموظفين والأجراء والمتقاعدين، مشيرا إلى أن الخطوط العريضة للمخطط الحكومي تشمل ثلاث نقاط رئيسية: أولها رفع سن التقاعد إلى 65 سنة في القطاعين العام والخاص، وثانيها إعادة احتساب المعاش بناء على المسار المهني الكامل بدلا من سنوات الأجر الأعلى، ما سيؤدي إلى خفض المعاشات، أما النقطة الثالثة فتتعلق بزيادة نسبة الاقتطاعات من أجور العاملين، في ظل غياب استعداد الدولة لتحمل جزء من الكلفة.

إقرأ أيضا: رفع سن التقاعد وتوحيد الصناديق.. مخاوف من تكرار وصفة ابن كيران

وفي ظل هذا الوضع، شدد الخبير الاقتصادي على ضرورة إطلاق حوار وطني شفاف ومسؤول، تشارك فيه الحكومة والنقابات وأرباب العمل والخبراء ومكونات المجتمع المدني، مع مراعاة خصوصيات المهن عند رفع سن التقاعد، وإعادة النظر في النظام الضريبي، خاصة الضريبة على الدخل، بهدف تحقيق عدالة اجتماعية أكبر في ظل ارتفاع الاقتطاعات.

كما دعا إلى اعتماد نظام تقاعد مرن ومتعدد المسارات، يأخذ بعين الاعتبار تحولات سوق الشغل وتنوع فئات الأجراء، مع التأكيد على أهمية الحكامة الرشيدة والاستثمار الذكي لاحتياطات الصناديق بما يخدم التنمية الاقتصادية.

وختم جدري تصريحه بالقول إن أنظمة التقاعد ليست مجرد أرقام وحسابات، بل هي صمام أمان اجتماعي وركيزة للاستقرار الاقتصادي والسياسي، وبالتالي فإن إصلاحها مسؤولية جماعية تتطلب شجاعة سياسية، وحسا بالعدالة، ورؤية استراتيجية بعيدة المدى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *