وجهة نظر

النقابة بين حرية التعبير والتواصل على ظهر بعير

بئس الهيئة النّقابية تلك التي لا يعلم المنخرط عنها شيئا غير اسم الشّخص الذي سلّمه بطاقة الانخراط ، و لا يعلم الرّأي العام عن أنشطتها شيئا غير المؤتمرات و مظاهر عيد الشّغل ، و تلك التي لا تعرف عن منخرطيها شيئا أكثر من واجب الانخراط ، و لا تحصيهم إلّا غداة الانتخابات المهنيّة ، و بدل حرصها على الشّفافيّة تجتهد في سنّ مساطر تحيلها إلى صندوق أسود مغلق من الدّاخل في نظر أهلها قبل غيرهم .

بئس الهيئة النّقابيّة تلك التي رصيدها من التّواصل مع قاعدتها صفر على الشّمال ، و مع العلم أنّه ثبت أنّ الدّائرة القريبة من المسؤول لا يُعتمد عليها للقيام بهذه المهمّة ، أمّا تحميل البيانات و البلاغات و الرّسائل و غيرها مهمّة التّواصل فيُعتبر من الغباء التّنظيمي في عصر ثورة الوسائط الاجتماعيّة ، و هو كالذي يستعيض عن ركوب الطّائرة بركوب البعير لخوض الأسفار و الرّحلات الطّوال ، و مع افتراض حسن النيّة ، فإنّ ناقل الخبر يُضيف إليه الكثير من الذاتيّة و لا ينقله بموضوعيّة كاملة بل يخلطه بتأويلات و استنتاجات و قناعات شخصيّة ، و هذه طبيعة بشريّة عامّة إلّا عند القليل ، لذلك اعتمد العلماء على علم الجرح و التّعديل كمصفاة للأحاديث المرويّة عن رسول الله صلى الله عليه و سلّم .

و إذا كان رئيس الولايات المتّحدة الأمريكيّة يقدّر جيّدا قيمة التّواصل عن طريق الوسائط الاجتماعيّة حيث يتوفّر على حساب في التويتر لا زال يدوّن فيه و يعبّر من خلاله لحدّ السّاعة على الرّغم من توفّره كرئيس دولة على أعتى المنابر الإعلاميّة التي تقف في صفّه و يمكن أن تعبّر عنه ، فبعض المسؤولين النّقابيّين يُحجمون عن استخدام تكنولوجيا التّواصل الاجتماعي التي تخوّل لهم التّواصل الذي يوشك أن يكون مباشرا مع المناضلين و بدون حواجز، من أجل معرفة رأيهم فيه إن لم يكن من أجل الاطّلاع على مشاكلهم و انتظاراتهم .

بئس الهيئة النّقابيّة تلك التي تقوم بتربيّة مناضليها على الخنوع نيّابة عن النّظام السيّاسي ، و عوض تدريبهم على حريّة التّعبير تحقنهم بفيروس الرّقابة الذاتيّة المَرَضيّة ، و تلك التي أصابها الثّلاثي القاتل ، خُئُورُ المسؤول و استبداد المتنفّذ و صمت المناضلين .

بئس الهيئة النّقابية تلك التي تبتزّ الشغّيلة ببطاقة الانخراط مقابل قضاء نصف مصلحة ، ثمّ تمنّ عليهم بقضاء النّصف الآخر مع العلم أن ذلك من الحقوق الواجبة عليها ، و تلك التي يسود فيها التّعامل على أساس ، كم تملك ؟ و ما الموقع الاجتماعي و المهني الذي أنت مرتّب فيه ؟ و تلك التي يستأسد (قيّاديّوها) على باقي المنتسبين و المنخرطين فيها .

بئس الهيئة النّقابيّة تلك التي يعتبر المتنفذ بها نفسه مصدر التّشريع الذي يُحلّ و يُحرّم متى شاء ، و يهادن و يعادي من شاء ، و ما على الآخرين سوى السّمع و الطّاعة ، و يعتبر نفسه مركز الكون الذي يجب أن تدور حوله الكواكب و الأقمار ، و يحوّلها هو و قبيله إلى شبه تنظيم سريّ لحاجة في أنفسهم و يبرّرون فعلتهم بالمحافظة على وحدة الصفّ كما تبرّر الدّولة البوليسيّة إقدامها على إعلان حالة الطوارئ .

بئس الهيئة النّقابيّة تلك التي لا تُحاسَب فيها (النّخبة) جهويا أو وطنيّا أو إقليميّا على مصائب اقترفتها و التي (يزلق فيه جمل) بينما يحاسب (العامّة) على نصف كلمة.

فلنفترض أن الشخص الفلاني مناضل من الطّراز الرّفيع و لا يُشقّ له غبار (كيطير مع الطّيور) ، تقف الوزارة كلّها لحضوره ، يقضي مصالح النّاس باللّيل و النّهار و يمتاز بكلّ ما يخطر على البال ، هل هذا مبرّر ليفعل ما يشاء ؟! وهل هذا يُرقّيه إلى درجة شيخ الزاوية الذي لا يُسأل عمّا يفعل و الآخرون يُسألون ؟!

و بالمقابل لنفترض مثلا أن الشّخص الفلاني مناضل من الدّرجة الثانيّة أو الثّالثة أو ربّما هو غير مصنّف كما يحلو للبعض أن يرتّب المناضلين في درجات و طبقات ، لنفترض أنّ هذا المناضل إنسان لا يتحرّك كثيرا و لا يشارك كثيرا و لا يناضل كثيرا ، أو لنفترض أنّه فقط منخرط يؤدّي واجب الانخراط ، أو لنفترض أنّه فقط يشتغل في قطاع تَقَاطع طريقه مع أحد المناضلين الجهابذة و الذي ( يطير مع الطيور) ، هل هذا مبرّر لتُستحلّ خصوصيّاته و تُستحلّ حقوقه التي يضمنها الدّستور و يحميها القانون قبل الحديث عن النّضال أو الزّعتر البلدي ؟!

ألا تحتاج النّقابات حراكا شعبيّا ؟ أليس الإصلاح في المقرّبين أولى ؟ لن أكون مبالغا حين القول إنّ الهيئة النّقابيّة أو السيّاسيّة عموما التي يَفرض على الانسان الانتماءُ إليها أو الدخولُ إلى إحدى هيئاتها الإقليمية أو الجهوية أو الوطنية ، يفرض عليه أن يغلق فمه و يجمّد عقله و يخفي قلمه في غمده ( بناقص منّها و لهلا يساهل فيها ) ولن يشرّفه ابتداء الانتماء إليها .