وجهة نظر

الباكالوريوفوبيا.. !

تحول موعد اجتياز امتحانات الباكالوريا بالنسبة للتلاميذ المترشحين وأولياء أمورهم، إلى كابوس يقض مضجعهم، ويعكر مزاجهم، ويفسد سكينتهم. بل ويربك توازنهم العام، ويدخلهم في دوامة من الخوف والقلق والترقب والإنتظار. وليس مبعث ذلك صعوبة الإمتحان أو استحالة اجتيازه، ولكن سببه الحمى التي ترافق حلول هذا الإستحقاق، وأجواء الترهيب التي تحيطه، وطقوس التهويل الذي يحدثه ويثيره في صفوف التلاميذ وعموم المجتمع. وكل ذلك من فرط الإجراءات والتدابير والقرارات الكثيرة، و”التهديدات” التي تصدرها وزارة التربية الوطنية، وتحيط بها هذا الموعد التربوي. والتي قد تصل في أقصى حالاتها إلى مستوى الإحالة على القضاء، وتفعيل بعض نصوص القانون الجنائي، وبالتالي التعرض لأحكام قاسية من ضمنها السجن. وكذا من هول الحملة الإعلامية التي ترافق العملية، وتزيد من صب الزيت على النار. مما يجعله موعدا محاطا بهالة من الخوف والقلق والريبة. عوض جعله مناسبة للإحتفاء وتتويج المسار الدراسي للمرحلة الثانوية، والإستعداد لولوج مرحلة دراسية عليا.

فكلما اقترب موعد امتحانات الباكالوريا، إلا وتقوم الوزارة الوصية بإعلان حالة استنفار قصوى في صفوف مواردها البشرية، على مستوى مختلف مصالحها ومرافقها الداخلية والخارجية. وتعقد كما هائلا من الإجتماعات واللقاءات، على جميع مستويات هرم المسؤولية، مركزيا جهويا إقليميا ومحليا. لأجل تصريف تعليماتها و”تنبيهاتها” الطارئة، الخاصة بهذا الموعد. وترفق ذلك بإصدار سيل من المذكرات والدلائل، وحزمة من التعليمات والإجراءات والتقنيات والتحذيرات والقوانين، التي تهم هذا الموعد. والتي في مجملها وثائق وتعليمات موجهة أساسا للتلاميذ المترشحين، وكذا للأساتذة المكلفين بمراقبة الإمتحان. حتى من دون إشراكهم في أي مرحلة من مراحل التهييء لهذا الإستحقاق، أو حتى الإستئناس برأيهم. وكأن الأمر يتعلق بالإستعداد لخوض معركة غير عادية، ينبغي الحزم في إعداد العدة والمدد لها..

وقد راكمت الوزارة، من فرط هذا الحرص المبالغ فيه، خلال السنوات القليلة الماضية، كماً هائلا من النصوص والإجراءات والقرارات والقوانين المتعلقة بهذه الإمتحانات. تتخذ في مجملها منحى أمنيا احترازيا، يزرع الخوف والرعب والفزع في نفوس التلاميذ المترشحين، والقلق والترقب في نفوس آبائهم وأولياء أمورهم. أكثر منه بُعدا تربويا تقويميا، لمدى تحقق التعلمات والمكتسبات التربوية المستهدفة، ومدى إدراك الأهداف المسطرة، والتأكد من سلامة العملية التربوية وجدواها على مدار الموسم الدراسي.

ومبرر الوزارة في كل هذه الحمى وهذه الزوبعة التي تثيرها نهاية كل موسم دراسي، هو حرصها على الحيلولة دون لجوء المترشحين إلى استعمال الغش في التعاطي مع مواضيع الإمتحان. في وقت أصبحت فيه تكنلوجيا الإتصال تشهد تطورات مذهلة ومتسارعة، يتم توظيفها في الإخلال بسلامة ومصداقية هذا الإمتحان. وفي وقت تَمكن فيه التلاميذ من مسايرة هذه التطورات التقنية، واستيعابها بشكل يثير الدهشة. بينما ظلت الوزارة وإجراءاتها الإحترازية والأمنية دائما متخلفة عن الركب، لا تقدم ولا تحقق ما ينتظر منها من أهداف.

وإن هذه الإجراءات الأمنية المبالغ فيها للوزارة، وكذا الحملة الإعلامية المرافقة لها، تكاد تفرغ هذا الموعد البيداغوجي، وهذه اللحظة التربوية من روحها وقيمتها ومغزاها وأهدافها التقويمية. وتجعله موعدا للخوف والتوجس لدى أغلب التلاميذ، حتى المتفوقين منهم. الذين ينتابهم القلق والشك وفقدان الثقة. ويدفع كثيرا منهم إلى الجنوح إلى الغش، كوسيلة لمواجهة هذا “البعبع” المدعو امتحان الباكالوريا.

ومن سخرية القدر، أنه كلما ازدادت الإجراءات الإحترازية الأمنية للوزارة تشددا وتطرفا في التعاطي مع امتحان الباكالوريا، كلما استفحلت ظاهرة الغش، وأنتجت مستويات عالية من الإبداع في التلاعب بهذا الإمتحان، تفوق ذكاء مسؤولينا القائمين على الشأن التربوي. بل وفي كل مرة ينتهي الأمر، كما حدث خلال بعض المواسم الفارطة، بتسريبات مخجلة، تجعل نصوص الإمتحانات تملأ الشبكة العنكبوتية والمواقع الإجتماعية والمنتديات المختلفة، بُعيد أو حتى قبل التحاق التلاميذ بقاعات الإمتحان أحيانا. ما يفرغ عملية الإعتكاف، التي تباشرها الوزارة في جميع مقرات الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، أحيانا من مضمونها وأهدافها، ويبطل مجهودات وتضحيات المعتكفين.! ويبخس قيمة هذه الشهادة المُتوجة للمسار الدراسي للتلاميذ، ويدعو إلى التشكيك في صدقية قيمتها العلمية. والتي من المفروض أن تفتح لهم آفاق استكمال تكوينهم العلمي والمهني، داخل أو خارج البلاد. ويقلل من أهمية المجهودات والتقنيات المبذولة لضمان سلامة العملية.

وبذلك لم يعد موعد اجتياز امتحانات الباكالوريا لحظة تربوية تقويمية عادية، كما يفترض أن يكون، لحصيلة المردود الدراسي للتلاميذ، على مدار الموسم الدراسي. وفرصة لمساءلة مدى تحقق التعلمات التربوية المرغوبة والمستهدفة. بل تحول إلى موعد أمني بامتياز، يميزه الخوف والحذر. ومناسبة تقوم خلالها، من جهة، الوزارة باستعراض إجراءاتها وتدابيرها وقراراتها الأمنية المرتبطة بالحدث، والمشَكلة أساسا من عدتها الكبيرة من النصوص التنظيمية والقانونية، والدلائل المدرسية المختلفة المذكورة. والتقنيات المستعملة لمحاربة الغش. ويتذكر الجميع يوم رفعت الوزارة بشكل مفاجىء، وبشكل يدعو إلى الشفقة، منسوب إجراءاتها الأمنية لمراقبة وضمان سلامة الإمتحان، يوم استعملت لأول مرة جهاز كشف المعادن، الذي أهدر فيه مال عمومي فادح، من دون نتائج تذكر. بهدف الحيلولة دون استعمال التلاميذ لأجهزة الهاتف النقال في عمليات الغش. وكيف كانت اللجان النيابية تزور مراكز الإمتحانات، وهي مدججة بهذه الإجهزة بشكل يدعو إلى السخرية. وكيف كانت تنشر الرعب في نفوس التلاميذ المترشحين داخل حجرات الدرس، أثناء تفتيشهم على طريقة رجال الأمن والجمارك، وخاصة عند صدور صفير الجهاز، الذي كان يكشف في الغالب عن مفاتيح أو قطع معدنية، وأحيانا بعض الهواتف. وكأن الأمر يتعلق بمدخل مطار أو حاجز جمارك!! وكيف كان بعض أفراد أعضاء اللجان مزهوين باستعمال هذا الجهاز “الأمني”، ومُجِدين في الكشف عن “الممنوعات” التي يحملها التلاميذ. بينما كان الحرج باديا واضحا على مُحيى بعضهم الآخر، الذين كانوا يتظاهرون باستعمال الجهاز على مضض، حتى من دون تشغيله، تفاديا للحرج والإزعاج الناتج عن الصفير الذي يحدثه عند ضبط أداة معدنية معينة.! هذا، ناهيك عن استنفار الوزارة لمواردها البشرية بكثافة، والدفع بها في هذه المعركة “الكبيرة”، معركة الباكالوريا، تحت مسميات عديدة ومهام مختلفة (مراقبين ـ ملاحظين ـ رؤساء المراكز – لجان المراقبة ـ مراقبي الجودة – معتكفين ـ مصححين..) ناهيك عن الإستعانة بالموارد البشرية لوزارات أخرى، من قبيل وزارة الداخلية (الأمن الوطني ـ القوات المساعدة ـ الدرك الملكي..).

ومن جهة أخرى، يقوم التلاميذ بالمقابل خلال هذه المناسبة، باستعراض مواهبهم ومهاراتهم في تحدي الوزارة والإستخفاف بقراراتها وإجراءاتها الأمنية الترهيبية اللاتربوية. ليس فقط من خلال ممارسة الغش، بل وأيضا العمل على تسريب الأسئلة، ونقلها إلى فضاء الشبكة العنكبوتية، حتى تكون في متناول الجميع. حتى ليُعتقد أن موعد الإمتحان يُصبح عبارة عن مواجهة مباشرة، بين الوزارة التي تزيح عنها عباءة التربية، وتلتحف برداء أمني صارم من جهة. ومن جهة أخرى التلاميذ المترشحين، الواقعين تحت عبء كبير من الضغوط والخوف والقلق، المُصِرين على رفع تحدي الوزارة، وإبطال مفعول إجراءاتها وتدابيرها المختلفة.

إن الشكل والطريقة والظروف والمناخ العام، الذي تُهيأ وتنظم وتجرى فيه امتحانات الباكالوريا، يكشف على أن القائمين على السهر على تنظيم هذا الإستحقاق وتقويمه، بل وأيضا جميع المعنيين باجتيازه ومتابعته، وخاصة التلاميذ المترشحين وآبائهم وأولياء أمورهم، تنتابهم وتستبد بهم أعراض فوبيا ترتبط بهذا الإمتحان (الباكالوريوفوبيا). لا ينتهي أثرها ومفعولها سوى بنهاية العملية، وإعلان النتائج. وتتمظهر هذه الفوبيا، في القلق العام الذي يصيب كل المتدخلين، من وزارة ومترشحين وآبائهم وأولياء أمورهم:

فالوزارة يستبد بها خوف عارم من تسريب مواضيع الإمتحانات. مع ما يعنيه ذالك من هواجس أمنية حقيقية، وإضرار بالقيمة العلمية لهذه الشهادة، وضياع لمجهودات موسم دراسي كامل سدى. ما يجعلها تتخذ الكثير من القرارات المتشنجة والمرتبكة والمتعجلة، تحت ضغط الحملة الإعلامية الكبيرة المرافقة للعملية. والخوف من سريان الإشاعات المرتبطة بسلامة الإمتحان، من قبيل حدوث تسريبات. ولا تسترجع أنفاسها سوى بعد نهاية العملية، من دون خسائر مباشرة تمس بمصداقية الإمتحان، كما قد تعتقد. ما يجعلها في نهاية العملية، تسعد وتسرع إلى نشر نتائج “فتوحاتها” في المعركة، و”بلائها الحسن” في الذوذ عن سلامة الإمتحان. فتقدم إحصائيات حول أعداد حالات الغش المضبوطة، والحالات الموقوفة منها، والمحالة على القضاء. كأن الأمر يتعلق بحرب قد وضعت أوزارها للتو، وحان موعد إعلان واستعراض نتائجها.علما أنه، حتى عندما تعتقد الوزارة أنها قد افلحت في اجتياز المعركة بنجاح، تكون العملية في الواقع قد شابتها شوائب كثيرة، لا تحد ولا تعد. وشهدت عمليات غش فادحة فاضحة، قد يتواطؤ فيها أحيانا، حتى بعض المراقبين المباشرين للعملية، ولسان الحال أبلغ من المقال.

أما التلاميذ المترشحين فيدخلون بسبب ظروف الإمتحان، في دائرة توتر ودوامة ارتباك عام، وخوف من المصير المجهول. وتحديدا من النتائج السلبية للإمتحان، أو مِن أن تشملهم العقوبات التي تُلوح وتتوعد بها الوزارة. فهم يكونون واقعين من جهة، تحت تأثير سندان الضغوط الوزارية المختلفة. المتمثلة في الإجراءات التنظيمية المعقدة، والتدابير الزجرية. بل وحتى العقوبات القانونية والقضائية سالفة الذكر. إضافة إلى مناخ الخوف الذي يسود أجواء الإمتحان، وخاصة داخل القاعات. ومن جهة أخرى، تحت مطرقة ضغوط الأسرة، الراغبة في نجاح أبنائها بأي ثمن. ومن جهة ثالثة، تحت وطأة ثقافة المجتمع السائدة. التي يُعتبر فيها الرسوب وصمة عار، والمستقبل الدراسي والمهني للمرء، لا يستقيم من دون شهادة الباكالوريا. ناهيك عن الحملة الإعلامية المكثفة والمتضاربة الآراء والنصائح والتعليمات. التي ينشطها ويؤججها في الغالب أشخاص غير مؤهلين أصلا، للخوض في مناقشة عملية تربوية تعليمية، من مستوى امتحان الباكالوريا. وهي الحملة التي تنظمها وتنخرط فيها بشكل واسع، مختلف المنابر الإعلامية، المرئية والمسموعة والمكتوبة، الورقية منها والإلكترونية. يكون موضوعها تقديم النصائح والتعليمات للمترشحين للباكالوريا، في مختلف المجالات التي لها علاقة بالإمتحان. وقد يستعين بعضها بآراء أطباء نفسانيين، واختصاصيين في التغذية، و”كوتشات” التنمية البشرية. وأحيانا ممثلي الوزارة، لشرح التدابير والتنظيمات والعقوبات المرتبطة بهذا الموعد. وبعضها يتجاوز ذلك إلى نشر ملخصات لدروس الباكالوريا. الجميع يتحدث في هذا المنبر أو ذاك، في هذه القناة أو تلك من المعنيين وغير المعنيين بهذا الإمتحان، من دون أن يكلف أحد نفسه عناء الإنصات إلى التلميذ المترشح، للتعبير عن همومه وضغوطه وانتظاراته.!
كل هذا، يمثل ضغطا عارما وإنهاكا كبيرا للقدرات الذهنية والنفسية والفكرية للتلاميذ، المنهكين أصلا من الناحية البدنية، نتيجة قلة النوم والتغذية، وضعف الراحة، نتيجة السهر حتى آخر الليل لأجل التحضير للإمتحان. وكذا كثافة دروس الدعم، التي تلتهم من أوقات راحتهم. وإذا أضفنا طول المقررات وثقلها، وتعدد مواد الإمتحان، تكون الصورة قاتمة بالنسبة للحالة النفسية للتلاميذ المترشحين. وهو ما يدفع بكثيرين منهم إلى الركون إلى الغش كأداة لتجاوز كل التحديات المذكورة التي يطرحها الإمتحان، مع ما في ذلك من مجازفة غير محمودة النتائج.

بينما تصيب آباء التلاميذ وأولياء أمورهم، خلال ظروف الإمتحان ذاتها وبشكل حاد، نفس أعراض “متلازمة” “الباكالوريوفوبيا”. فيستبد بالجميع خوف كبير وقلق عارم، ومخاوف وهواجس حول مصير أبنائهم وبالتالي مستقبلهم الدراسي. فيترجم ذلك في زيادة ضغطهم عليهم بشكل دراماتيكي، من قبيل الحرص على استفادتهم من أقصى قدر من حصص الدعم والدروس الخصوصية. وتحفيزهم على الحصول على معدلات مرتفعة، تتيح إمكانية ولوج المدارس العليا. وقد يبلغ الضغط حد التدخل في تنظيم أوقات المراجعة، والراحة ونوع التغذية. مما يفاقم من أعباء الضغوط الواقعة على المترشحين، وينعكس سلبا على أدائهم ومردودهم التربوي في الإمتحان.

ولئن كان جميع المتدخلين والمعنيين بهذا الموعد التربوي، يعانون من ضغط الإمتحان، الذي ينال من أعصابهم. وينوءون تحت تأثير الخوف والقلق اللذان يرافقانه، فإن القسط الأوفر من هذا الضغط، والعبء الأكبر لهذه الفوبيا، يكون واقعا على كاهل التلميذ المترشح، ومعششا في أعماق نفسه. وهو ما تكون له انعكاسات وخيمة على توازنه العام، تتجلى في زعزعة سكينته وطمأنينته، وفقدان تركيزه وثقته في نفسه وقدراته. وهي الشروط التي يستوجب التحضير للإمتحان واجتيازه، عكسها تماما.

قصارى القول، فإن كل العوامل تصبح ضاغطة على التلميذ المترشح (الوزارة ـ الأسرة ـ الإعلام ـ المجتمع ـ ثقل المقررات ـ ضيق المدة المخصصة للتهييء والإعداد للإمتحان…) ما يجعل هذا الموعد يتحول في مجمله إلى معركة طاحنة لأعصابه، مستنزفة لطاقاته المعنوية والنفسية بشكل دراماتيكي، مربكة لتوازنه العام. ولا حاجة إلى التذكير بالأثر السلبي لكل ذلك على أدائه التربوي في الإمتحان. ناهيك عن الأثر السلبي على صحته، حيث تنتابه أعراض النرفزة والتوتر الشديد، والنوبات القلبية المتواترة، وغيرها من الأعراض الناجمة عن فوبيا الإمتحان.

إن الوزارة ومعها آباء وأولياء التلاميذ والإعلام وجميع مكونات المجتمع مدعوة اليوم، بل مطالبة بإعادة النظر في مناخ الخوف والترويع والترهيب، الذي يشهده موعد اجتياز امتحانات الباكالوريا، وذلك برفع كل أشكال التهويل والضغوط النفسية، التي تمارس على التلميذ، وتدفعه إلى استخراج أسوأ ما فيه من ردود أفعال وحيل وإبداعات في مجال الغش، بل وأيضا في مجال العنف متعدد الأشكال. وهو ما يدعو إلى مراجعة جميع التدابير الأمنية المزعجة وغير التربوية التي سنتها الوزارة، وأحاطت بها هذا الموعد التربوي. والتي يكون وقعها بالغ السلبية والسوء، على نفسية التلميذ المترشح وأدائه؟!

صحيح أن الغش قد أصبح ظاهرة راسخة مستفحلة في المدرسة المغربية، إلى جانب ظواهر قيمية سلبية أخرى عديدة، وهو ما أكده التقرير الأخير للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، بشأن الاختلالات في مجال التربية على القيم بالمدرسة العمومية. وصحيح أن ضمان مصداقية شهادة الباكالوريا، يستوجب رفع كل شبهات الغش عنها. ويدفع إلى التجند لمحاربة هذه الظاهرة بجميع أشكالها.

ولكن ما ينبغي التأكيد عليه، هو أنه كان أجدر بالوزارة البحث في ظاهرة الغش، وفهم ميكانيزماتها ومسبباتها ودواعيها، والسبل الكفيلة بالحد منها، ومعالجتها وإيجاد الحلول التربوية لاستئصالها على مدار الموسم الدراسي، بتفاصيله وتشعباته ومختلف استحقاقاته ومواعيده التقويمية. في إطار معالجة جميع الإنحرافات والإختلالات القيمية التي تعرفها المنظومة التربوية، والتي تهدد سلامة العملية التربوية برمتها. وليس اعتماد الأسلوب الأمني الزجري، عند نهاية كل موسم دراسي. والذي يكلف الكثير من الجهد والوقت ويخلف خسائر جسيمة في صفوف التلاميذ وحالتهم النفسية التربوية. وهو الأسلوب الذي أكدت التجارب عدم فعاليته وجدواه. إضافة إلى ما يكلفه من هدر للمال العام، وإنهاك للموارد البشرية دون طائل.

وعليه كفى من التخويف والتهويل والترويع، الذي أصبح مرتبطا بهذا الموعد في أذهان التلاميذ المقبلين على اجتيازه، بل وفي المخيال الإجتماعي ككل. ولتتظافر جهود جميع المتدخلين والمعنيين، لجعله موعدا تربويا للتقويم والتتويج والإحتفال والفرح.