وجهة نظر

من تقسيم المقسم إلى الإجهاز على الباعث (01)

ما بعد تقسيم المقسم
بات واضحا أن من أراد تفتيت المنطقة بل والعالم العربي والإسلامي وتقسيم المقسم يستنكف عن التدخل العسكري المباشر، ولم يعد يجنح إلى الوسائل البدائية المكشوفة، بل أضافت القوى المتغلبةالاستكبارية الدولية من أجل استكمال عملية تقسيم القصعة الأولى أطرافا أخرى كانوا ضحية التقسيم الأول في سايس بيكو 1917 ، فصاروا اليوم عمالا بالوكالة عن التحالف الدولي والقوى الاستعمارية من أجل إضعاف الشعوب وحركاتها ومقوماتها، وإجهاض أي حراك وباعث ومساند للقضايا العادلة، فضلا عن المشاركة في تقسيم القصعة والقطعة العربية الممزقة إلى أشلاء وأقطار أكثر من السابق.

لكن في هذه المرحلة وبعد مرور مائة عام على خطة التقسيم الأولى الفاشلة {سايس بيكو 1917 بعد ضعف الدولة العثمانية} من قبل القوى الأوربية، تتزعم أمريكا وإسرائيل وباقي دول النظام الدولي خطة التقسيم الثانية التي يصطلح عليها حاليا ” تقسيم المقسم وتفتيت المفتت”، بل وتنتقل هذه الدول الكبرى إلى مرحلة القضاء وإنهاء أي كائن معارض أو مقاومة أو متحرك مساند ومناصر للقضية الفلسطينية وباقي القضايا الإنسانية وليس بشرط أن تكون إسلامية .

وقد تم التفكير في خطة التقسيم الجديدة “تفتيت المفتت وتقسيم المقسم” منذ فترة اندحار الاتحاد السوفياتي،وحدوث مجموعة من التغيرات التي عرفتها المنطقة والعالم العربي والإسلامي خصوصا بعد تمدد التوجه الإسلامي السياسي في التسعينيات، وتوسع مدى الصحوة الإسلامية، وظهور حركات فكرية و مقاومة حققت توازن القوة.
ونقول أن أمريكا بمعية العقل الإسرائيلي الصهيوني بدأت أول تجربة لخطة التقسيم المقسم أثناء حرب الخليج ثم بعد احتلال العراق وبداية خلف الفوضى الخلاقة في مربع تجربة يسمى عندهم “أرض الطائفية والعرقية المتناحرة” .

وسيتم ترجمة خطة تقسيم المقسم حرفيا وتوسيع مداها، وستبرز أهميتها بعد تهديد ريح الثورات المنطقة وكراسي الحكام خوفا من تحرير الأقطار وتوحيدها مستقبلا في شكل اتحاد ، وبالتالي توجس مخيف من اختلال التوازن الدولي وسقوط مشروعه الصهيوني في المنطقة الذي غرسه في قلب الأمة وعول عليه للحفاظ على القوميات والتقسيم ، وتوجس آخر من بداية زوالالكيان الصهيوني.

بعد الثورات المضادة، حرب بالوكالة
و بالتالي وبعد الانقلاب على الربيع العربي ومقوماته و بواعثه تم التفكير في مضاعفة التقسيم وخلق الفوضى في المنطقة، والانتقال إلى مرحلة أخرى أفضع وأمكر من تقسيم المقسم، وهي مرحلة إجهاض الباعث والإجهاز عليه في عقر داره والهجوم على أسباب البواعث والمناصرة، وتجفيف ينابيع الحراك والنصرة والمساندة، سواء كان المناصر أو المحرك حركة أو دولة أو عالما أو حتى مؤسسة خيرية، والأدهى والأمر الاستعانة في خطة القضاء على هذه البواعث المحركة بتوظيف لدول العربية وأنظمة وخصوصا الخليجية منها.

وبعد حياة الصمود الحراكي الثوري وتجدد الانتفاضة في قلب فلسطين، وفشل الكيان الصهيوني في حصار غزة والمقاومة و طرس وطمس هوية القدس والمقدسيين، وأمام انتكاسة غباء خطط الأنظمة الانقلابية على الشرعية الشعبية، وبعد استمرار محاولات انعتاق الشعوب من قبضة الجلاد العربي، تكشفت عورة هذا القران والاصطفاف بين بعض الدول العربية والقوى المسيطرة الخارجية، وبدت سوأته وزادت حدته بعد المؤامرة الأولى على الشعوب والانقلاب على ثوراتها، ثم تجلت معالم هذا الاصطفاف بعد فشل عملية الانقلاب على تركيا، ثم كشرت القوى العربية والخليجية الداعمة لإسرئيل عن أنيابها الآن من خلال التكالب على دولة قطر حصارا وخنقا.

وقد نجح التحالف الدولي اليوم في توظيف الأطراف المريضة والأنظمة العربية الضعيفة بحكامها وعلمائها وعملائها وأموالها وإعلامها لحصار الأمة والشعوب المستضعفة والدول المناهضة للظلم، لتعميق الجرح وتمديد رقعة التمزق والفتن والتشتت، ولم يكتفوا بذلك بل صاروا يدبرون القضاء على دول تساند الشعوب و القضايا الحقة وخصوصا الدول التي تدعم المقاومة والقضية الفلسطينيةالتي لازالت تربط الأمة بأرض الإسراء والمعراج، وتزيد من يقينها وإيمانها، وتربطها بعقيدة المسلمين ومقدساتهم التي لا تختلف عن أرض الحرمين المكي والمدني.

هي خطة تآمرية ضد دول كأمثال تركيا وقطر وما نقموا منهما إلا أنهما رفضا العبث في المنطقة والأمة والمساومة والتنازل والرضوخ للقوة الصهيونية الأمريكية والاصطفاف معهما، وهي خطة دولية تلتقي فيها الصهيونية المتوغلة بالتوجه الغربي الخارجي المتطرف لاستهداف كل حركات مناهضة همها أنها تناصر المظلومين والمستضعفين، وتعارض الاحتلال والتقسيم الممنهج في المنطقة.