وجهة نظر

عن حراك العشوائيات والأموال

في عز انشغال سلطات الدولة بالحراك الاجتماعي الذي تعرفه منطقة الريف، هناك حراك آخر يمر مرور الكرام، ولا تعطى له الأهمية المستحقة، وهو نمو وازدهار اقتصاد العشوائيات من جهة، وكذا حركية خفية للأموال في اتجاه الملاذات الآمنة من جهة أخرى.

من الواضح أن سياسات الدول واستراتيجياتها في تدبير الأحداث والأزمات، تستند في معالجتها على فحوى تقارير أجهزتها الاستخباراتية ، التي ترفع إلى سلطاتها المركزية لقياس درجة الاحتقان والسخط داخل المجتمع ، وكذا التوجهات العامة للأفراد والجماعات.

في سياقنا الوطني، يلاحظ المتتبعون، أن السلطات تكون مجبرة في كل مرة تشهد البلاد، أزمات اجتماعية أو سياسية، على تفادي المواجهة المباشرة مع المواطنين، للحيلولة دون اشتعال الصراعات وانطلاق شرارتها، مما قد يساهم في إحداث القلاقل، وركوب جهات داخلية أو خارجية على تلك الأحداث، وتوظيفها في أغراض شتى.
كلنا يتذكر فترة ما يصطلح عليه بالربيع العربي، التي وصلت شرارتها إلى المغرب، مع ظهور احتجاجات 20 فبراير سنة 2011، وما تلاها، من تنامي ظاهرة البناء العشوائي، واحتلال الملك العمومي، حتى أن أحياء ومدن بأكملها نبتت وفَرَّخَت بين عشية وضحاها، وذلك تحت مرأى وأعين السلطات، دون أن تكون قادرة على التدخل آنذاك.

يبدو أن نفس الظروف التي ساهمت في ظهور تلك الظواهر والممارسات، قد اجتمعت في هذه الفترة، مما قد ينبئ بحراك للعشوائيات على أعلى وثيرة، خصوصا وأن تجارا متخصصين في اقتناص هذا النوع من الفرص، يستغلون تلك المناسبة، لمراكمة أموال طائلة في الوساطة وبيع الأراضي والعقود، مستغلين أزمة السكن التي تدفع المواطنين خصوصا منهم البسطاء، بالقبول ببناء دور صفيحي على هوامش المدن، عوض الاكتواء بنار أثمنة الكراء المرتفعة.

إذا كان المغرب يعاني أصلا من تنامي الاقتصاد غير المهيكل، فإنه سيزداد استفحالا إبان هذه الفترة، ويكفي الخروج إلى شوارع مدننا، لتكتشف فوضى عارمة في الأحياء والطرقات، من الباعة المتجولين والعربات بحميرها وبغالها تجتاح الشوارع والساحات، وكذا احتلال الأرصفة من طرف المقاهي، وما تحدثه من صخب وضوضاء يقلق راحة الساكنة، وهي ظاهرة مؤسفة ،تفيد بعجز الدولة عن وضح حد لتزايد البطالة، وفشلها في ضبط التهرب الضريبي على العمليات التجارية التي تفوت على خزينة الدولة مداخيل مهمة، وبالتالي تكريس استفحال فيروس الريع أكثر فأكثر.

استنبات العشوائيات على نطاق واسع، ستكون له تداعيات على المستوى المتوسط والبعيد، من خلال تكوين أحياء فقيرة غير مهيكلة، تنعدم فيها شروط السكن والسلامة الصحية، مما سيعيد إنتاج الفقر والتهميش، وتهيئ الظروف لاستفحال الجريمة، وبذلك تصبح مسألة محو تلك العشوائيات وإعادة هيكلتها، معقدة ومن الصعوبة بما كان، وتتطلب توفير الأموال والجهد الكبيرين، فضلا على ضرورة إيجاد بدائل من فرص الشغل للباعة المتجولين، الذين أصبحوا يشكلون اقتصادا قائما بذاته، في حالة تفكير السلطات في إنهاء أنشطتهم التجارية.

عندما تطالعنا الأخبار مؤخرا، برقم لمبلغ فلكي يقارب 17 مليار سنتيم تمت مصادرته من داخل منزل برلماني مغربي من طرف السلطات الأمنية، فهو بقدر ما يصدم الرأي العام، بقدر ما يدعونا إلى الوقوف عند خلفياته وأبعاده التي يمكن أن تفتح الباب أمام ممارسات لتحويل أموال ضخمة في اتجاهات لا يدركها إلا أصحابها.

أصحاب رؤوس الأموال على اختلاف مصادرها سواء المشروعة أو غير المشروعة، يتملكهم رُهَابُ ورعب فقدانها ومصادرتها في ظل تأزم الأوضاع السياسية والاقتصادية، لذلك يستبقون الأمر، ويبادرون إلى تحويلها ووضعها بملاذات أمنة، سواء في داخل أو خارج البلاد، مخافة اضطرار الدولة إلى القيام بحملة تطهيرية في صفوف الفاسدين، الذين اغتنوا بسرعة قياسية، وفي ظروف غامضة، كما كان الأمر مع الحملة التطهيرية إبان فترة إدريس البصري في تسعينيات القرن الماضي، من أجل تخفيف الضغط على الدولة، وإرضاء الأصوات الداعية لمحاربة الفساد.

هذا الوضع يمكن أن يقلق القطاع البنكي، الذي سيرى أن سيولته المالية ستضرر من سحب رجال الأعمال والمستثمرين لأموالهم، مما قد يدخل القطاع في أزمة مالية خانقة، علما أن أساس معاملات المؤسسات البنكية ترتكز على ثقة المواطنين ، الشيء قد يؤثر سلبا على البورصة، فضلا عن إعاقة بداية التطبيق التدريجي لتعويم الدرهم، الذي يرجى من ورائه تشجيع الاستثمار الخارجي في البلاد.

من جهة أخرى، ألا يجوز لنا التساؤل عن طبيعة الأسماء والشخصيات النافذة المشتغلة في السياسة وفي مؤسسات الدولة التي حاولت وتحاول تحويل أموالها في هذه الفترة الحساسة، خصوصا وأن نسبة كبيرة من المشتغلين في السياسة ينتمون إلى نادي المليونيرات والمليارديرات، أم أننا سننتظر مرة أخرى بعد وقت طويل، وثائق ويكليكس لتخبرنا بذلك.