مجتمع

العلام: “السلطوية” لم تكن تنتظر النتائج التي أثمرها حراك الريف

اعتبر أستاذ العلوم السياسية عبد الرحيم العلام، أن من سماها بـ”الأوساط السلطوية” لم تكن تنتظر ما النتائج التي أثمرها حراك الريف بشكل متسلسل ومتصاعد طيلة 8 أشهر من الاحتجاجات، خصوصا “أمام صمود واستمرارية الحراك، وتماسكه وسلميته، وبفعل التضحيات التي قدمها ويقدمها أبناء الريف، وأيضا بفعل التضامن المحلي والعالمي معه”، وفق تعبيره.

وأوضح العلام في مقال على حسابه بفيسبوك، أن “من يعتقد أن 8 أشهر السابقة كانت عادية مقارنة مع المسار السياسي الذي عرفه المغرب، عليه أن يتفحص جيدا الوقائع التي حدثت في ظرف أسبوع واحد، لكي يتأكد بأن أمورا مهمة وغير اعتيادية قد حدثت فعلا”، مشيرا إلى أن هناك امورا تحدث لأول مرة بالمغرب بسبب حراك الريف.

وفيما يلي مقال العلام: 

من يعتقد أن 8 أشهر السابقة كانت عادية مقارنة مع المسار السياسي الذي عرفه المغرب، عليه أن يتفحص جيدا الوقائع التي حدثت في ظرف أسبوع واحد، لكي يتأكد بأن أمورا مهمة وغير اعتيادية قد حدثت فعلا:

1- لأول مرة منذ ما يقارب العام، يجتمع المجلس الوزاري لمناقشة السياسات العمومية، لكن الناطق الرسمي باسم القصر- وعلى غير العادة – هو من يخرج لإخبار الرأي العام بمضمون المجلس، كما أنه ركز على أحداث الحسيمة، مما يعني أن المجلس انعقد خصيصا لمناقشة الموضوع، رغم المحاولات المتكررة التي رامت اظهار أن الأوضاع تسير عادية وأن لا شيء يدعو إلى تغيير المواعيد والسياسيات؛

2- بدوره، هجر رئيس الحكومة موقع الصمت الذي اختاره تهربا من مسؤوليته، واستدعى الاعلام العمومي لكي يتوجه من خلاله للمغاربة، ويخبرهم بتصوره للأزمة، حيث تحمل المسؤولية في قضايا معينة، ورمى بمسؤوليات أخرى على “جهات معينة”. كما أنه تنكر للتصريحات التي وصفت المحتجين بـ “الانفصاليين”، وجيشت ما يسمى “المجتمع المدني” ضد المتضامنين مع الريف، رغم أن العثماني نفسه ظل صامتا لما يقرب الشهرين عن هذه التصريحات ولم يقل أنها لا تصح، بل إنه اعتذر للمجتجين ووصف مطالبهم بالمشروعة، واستجدى منهم التهدئة.

3- بدورها أخرجت المؤسسة الملكية أحد كبار مستشاريها من دائرة الصمت، لكي يدافع عن الملك ويلقي باللوم على الأحزاب والنخب والمثقفين، وكأنه خرج للرد على المواقف الحزبية التي يبدو أنها لم تناصر الطرح الرسمي بشكل متحمس، وأيضا على المثقفين الذين لم ينساقوا هذه المرة مع التوجهات السلطوية والتزموا اللاموقف. كما أنه لأول مرة تقريبا يقول مستشار ملكي أن الملك لا يمكنه أن يتدخل في كل شيء، وأنه على الأحزاب القيام بدورها.

وهذا موقف يؤيد بشكل كبير مطالب الملكية البرلمانية التي تدعو لانسحاب الملكية من الشؤون التنفيذية، وابتعادها عن التدبير اليومي المباشر، في مقابل الطروحات الرسمية التي تجعل الملك فاعلا حتى في “أسبوع الفرس” و”موازين”، وتدشين أبسط الأمور، والتدخل في أمور عادية من قبيل الغضبات المتتالية على رجال الأمن وغيرهم….كما أن هذه الخرجة أوضحت لأول مرة لماذا لم يتدخل الملك بشكل مباشر في موضوع الريف، فالمستشار الجيراري صرّح بعظمة لسانه أن الملك لا يمكنه أن يتدخل في موضوع لا يعلم درجة ردود الفعل حوله، بمعنى أن الدولة لم تعد تملك القدرة على تقدير المواقف وردود الفعل، أي أنها لم تعد تملك الشارع، ولا تستطيع التنبؤ بردود فعله. وكل ذلك يحدث في ظل محاولات إظهار القوة، والسيطرة على “زمام الأمور”.

4- لأول مرة تقريبا، يظهر الارتباك على بعض مؤسسات الدولة (الاختلاف في التقدير بين الدرك الملكي ومديرية الأمن، وبين الأخيرة والمجلس الوطني لحقوق الانسان)، وبرز أيضا خلاف حاد ربما غير معلن عنه بين الأحزاب المحسوبة على السلطة (الخلاف بين حزب أخنوش وحزب البام).

لقد حدث كل هذا بشكل متسلسل ومتصاعد ربما لم تكن الأوساط السلطوية تنتظره، سيما أمام صمود واستمرارية الحراك، وتماسكه وسلميته، وبفعل التضحيات التي قدمها ويقدمها أبناء الريف، وأيضا بفعل التضامن المحلي والعالمي معه، إذ يبنغي أن نعلم أنه تقريبا لأول مرة تخرج مسيرات ضخمة (أو على الأقل غير معهودة) بعواصم العديد من الدول الغربية المؤثرة.

نعم لقد أثمر الحراك نتائج جيدة مقارنة مع حجم الضغوط والالتفافات والاتهامات، إذا تراجعت بشكل نهائي الأصوات التي كانت تتهم المحتجين بأنهم يشتهون الاحتجاج ويحترفونه، كيف لا تتراجع والملك نفسه قد أغضبه أن مشاريع بالمئات لم ينجز منها أي شيء؟! وكيف لا تتراجع والمستشار الملكي الجيراري هو نفسه من اعترف بأنه تم تهميش المنطقة منذ عقود خلت، وأنه آن الأوان لإنصافها؟!

الخلاصة: الاحتجاج فعل نبيل، وطريق سالكة لنقل المطالب، وتنبيه المسؤولين لاختلالات الحاصلة، سيما في ظل تراجع المؤسسات السياسية الوسيطة، وانتشار الفساد في المرافق العمومية، وغياب المحاسبة، وانعدام ربط المسؤولية بالمحاسبة. لكن للأسف، لا يقدر من يهمهم الأمر ثقافة الاحتجاج ولا يستحسنونها، بل يتم الزج بالمتظاهرين في السجون، ويُعذبون، وتُهدد أسرهم، في مقابل رعاية الفساد والمفسدين.