مجتمع

سعيد الريحاني: الصحافة ركن من أركان الوطن .. وهكذا بدأت رحلتي فيها

نقرأ لهم دون أن نعرف تقاسيم وجوههم ولا ملامحهم، يكتبون لنا وعنا وقائع وملاحم، يخوضون “في عمق” المجتمع، في ثنايا الذات وفي قعر الذاكرة، يرسمون واقعنا ووعينا ولاوعينا بأقلامهم، بالألم حينًا وبالأمل حينا آخر. هم حملة الأقلام الذين امتهنوا المتاعب عن طواعية وقدر محتوم، هم الذين انصهروا في رحاب صاحبة الجلالة حد الذوبان.

التقيناهم بعيدا عن مكاتبهم .. قريبا من القارئ، حيث تم قلب الأدوار والوضعيات وتجريب مواجهة السؤال الذي هو زاد الصحافي. وفي خضم البحث عن الجواب تحدثنا عن الطفولة وتفاصيل الحياة الشخصية في بوح صريح.

ضيف هذه الحلقة الجديدة مع ابن مدينة وادي سعيد الريحاني الصحافي بجريدة الأسبوع الصحفي؟

ما الذي تتذكره من طفولتك؟

لازلت أتذكر طفولتي، المشاغبة في بلدة “وادي زم” المهمشة، غير أنه وبحكم مهنة والدي، العسكري، والحامل لبطاقة محارب قديم، كنا قد اضطررنا لترك البلدة الصغيرة، وأقمنا مدة ليست بالهينة، أيام طفولتي طبعا، في العيون والداخلة وبوجدور.

أتذكر أننا كنا نتوفر في بيتنا شأن عدة بيوت من بيوت المحاربين، بعض قذائف المدافع الفارغة، التي أطلقت في اتجاه العدو، والمصنوعة من النحاس. كنا نحتفظ بها إلى جانب الأواني ونداوم على تنظيفها وصيانتها.

أتذكر، بتأثر كبير، تلك الصداقة المتينة بين أسرتنا الصغيرة كأسرة قادمة من العروبية، وأسرة صديق والدنا الذي كان بدوره عسكريا واسمه المعطي وزوجته فاطمة، هذا الأخير كان أمازيغيا قحا وزوجته أمازيغية قحة، وكنا نتناول، وجباتنا البسيطة، يوميا بشكل مشترك، مثل عائلة واحدة، واستمرت العلاقة بيننا على امتداد سنوات، وكنا كأبناء إخوة، وملاذا لبعضنا البعض.. أتذكر حرص أمي القنوعة بطبعها، على اصطحاب صديقتها زوجة المعطي في كل خرجاتها، لدرجة أنهما لا يفترقان.

كيف جاء التحاقك بالصحافة؟

كنت في البداية مولعا بكتابة الشعر، والقصة القصيرة. وبحكم الحالة المادية الصعبة للأسرة، قررت ذات يوم في الجامعة، أن أحرق كل قصائدي وقصصي الصغيرة، التي كنت أواظب على كتابتها في دفاتري المدرسية، بخلاف الدروس، وقتها قررت أن أتفرغ بشكل كامل لمحاربة فقري والتفرغ للإجابة على أسئلة وجودية، ليس بالمعنى الفلسفي ولكن بالمعنى المعيشي. غير أن القدر كان يخبئ لي مساء نفس اليوم مكالمة هاتفية، لهاتف المنزل، وصاحبها شخص عزيز على قلبي. اتصل بوالدي وقال له أخبر إبنك، أن بإمكانه الآن إجراء التدريب في جريدتنا. فانطلقت رحلتي في الصحافة، مفعمة بالتحديات.

هل كنت تتوقع يوما أن تصير صحافيا؟

دائما أحمد الله أنني أمارس المهنة التي أحب، وأمارسها عن قناعة واختيار، فقد كنت المشرف على السبورة الحائطية في الثانوية، وكنت المسؤول عن توضيب مشاركة التلاميذ فيها (لازلت أحتفظ ببعض المشاركات إلى حدود اليوم) وكنت أستمتع بتقديم حفلات نهاية السنة، حيث كنت أستعرض أولى كتاباتي التي أقرأها على الحاضرين.

كنت دائما أكتب، وملهمي في ذلك هو والدي الذي كان يفضل شراء 5 جرائد في اليوم، على حساب قفة الأسرة، وفي غالب الأحيان كان مصروف الجرائد يتفوق على مصروف “الكاميلة”، رغم أن والدي عسكري يفترض فيه أن يكون بعيدا عن السياسة.

بعيدا عن الصحافة، ماهي اهتماماتك الأخرى؟

لدي اهتمام كبير بالسينما، وأنا حريص على الوفاء لموعدي الأسبوعي بمشاهدة فيلم سينمائي، داخل قاعة السينما، حيث أعتقد أنني لابد وأن أكتب في يوم من الأيام، سيناريوهات أفلام.

ما هي المدينة الأقرب إلى قلبك؟

أحب مدينة الرباط بشكل كبير، يمكن القول إن هذه المدينة تسكنني، ولو أنها تشغلني عن مدينتي الصغيرة وادي زم الموشومة في ذاكرتي، كمدينة مهمشة، خذلها أبنائها وتكالب عليها الزمن ولم تنل حظها من التنمية والاهتمام إلى حدود اليوم.

ألا تشعر بالندم لأنك لم تختر طريقا آخر غير الصحافة؟

نهائيا..

ألا تظن أن دور الصحفي أو السياسي ليس هو دور الكاتب؟

الصحافي يمارس المواطنة من خلال كتاباته، ولا يمكن أن نتحدث عن صحافة سلبية لا طعم لها ولا لون، بدعوى الحياد في نقل المعلومات. بل إن الصحافي هو الذي يتوفر على إمتياز يمكنه من الحديث في السياسة والطب والثقافة والرياضة والأدب. غير أن هذه المهمة تفرض عليه بالمقابل حد أدنى من المستوى المعرفي، ومن التكوين والتدريب، حتى لا يتحول إلى ظاهرة عشوائية تسيء للمهنة، وإلى المجتمع الذي ينتمي إليه. باختصار، أعتقد أن الصحافة ركن من أركان الوطن، ولا يمكن لأي وطن أن يستمر بدون صحافة.

هل تفضل أن يصفك الناس صحافيا أم كاتبا؟

أن تمارس الصحافة، من وجهة نظري معناه أنك تمارس المواطنة، يعني أنك لا تمارس في الحقيقة، إلا ما يمارسه باقي المواطنين، ولكنك تتفوق مع الوقت من خلال تخصيصك لوقت كامل لهذه المهمة، ومن خلال ضبطك للقواعد المهنية.. وهو ما يعطيك في النهاية الاعتراف بأنك صحافي، وإذا نلت هذا الشرف من طرف القراء فهذا فضل كبير. ينبغي المحافظة عليه، بمزيد من الكد والعمل حتى تكون في مستوى الثقة.

هل أنت منتظم في أوقات الكتابة؟

الإنتظام مفروغ منه، فالصحافة تعني الالتزام بتوقيت النشر، غير أن كل صحافي يحاول بطريقته سرقة ما يلزم من الوقت، من عائلته، ومن صحته، ليكون عمله إبداعيا، وليس مجرد تبرير للكتابة.

كيف تنظر إلى واقع الصحافة اليوم بالمغرب؟

الصحافة هي آخر حصون الوطن، والقلم بمثابة سلاح، يمكن أن يفي بالغرض شريطة إتقان إستعماله طبق القواعد المهنية، وشريطة جعله مواكبا لتطورات العصر. فالأسلحة البدائية مكانها هو المتاحف، وكذلك الشأن بالنسبة للصحافة غير الذكية. ومعلوم أن طريقة توظيف المعلومة اليوم هي ما يخلق الفارق بين الشعوب، ولعل باب الجمارك الذي ينبغي أن تمر منه المعلومات هو الصحافة الحقيقية الجادة التي تحارب الفساد الإداري والسياسي دون أن تسقط في فخ العمالة.

ما رأيك في هؤلاء؟

مصطفى العلوي: أن تشتغل مع قيدو الصحافيين مصطفى العلوي بكل علاقاته الكبيرة وتاريخ المتفرد عن باقي التجارب الإعلامية، فمعناه أنك محظوظ لترى في هذا العالم أشياء لا يراها الآخرون، بمعنى أن الصحافة بمنظار الأستاذ العلوي تبدأ عندما ينتهي الآخرون.

الجابري: من الكبار الذين كانوا يفضلون الاشتغال في صمت .. سواء اتفقنا أو اختلفنا معه في “نقد العربي” فما أحوجنا لأمثال هؤلاء الرجال في أحزاب اليوم، وفي الحياة اليومية للمجتمع، لصناعة “المواقف”.

فاطمة الافريقي: التقيتها مرة واحدة في معهد الصحافة، تخفي وراء ابتسامتها أفكار هادئة، عن نبل المهنة.

تعليقات الزوار

  • مصطفى
    منذ 7 سنوات

    بتوفق ان شاء لله ونجاح