وجهة نظر

حرب الوكالة بالمنطقة، السياق والأسباب

بعد حياة الصمود الحراكي الثوري وتجدد الانتفاضة في قلب فلسطين، وفشل الكيان الصهيوني في حصار غزة والمقاومة وطرس وطمس هوية القدس والمقدسيين، وأمام انتكاسة غباء خطط الأنظمة الانقلابية على الشرعية الشعبية، وبعد استمرار محاولات انعتاق الشعوب من قبضة الجلاد العربي، تكشفت عورة هذا القران والاصطفاف بين بعض الدول العربية والخليجية، والقوى المسيطرة التحالفية خصوصا الأمريكية والاسرائيلية، وبدت سوأته وزادت حدته بعد المؤامرة الأولى على الشعوب والانقلاب على ثوراتها، ثم تجلت معالم هذا الاصطفاف بعد فشل عملية الانقلاب على تركيا، ثم كشرت هذه القوى العربية الداعمة للكيان الصهيوني عن أنيابها الآن من خلال التكالب على دولة قطر .
و أظن مرد هذا الاصطفاف العربي الخليجي الصهيوني الأمريكي الغربي يعزى باختصار إلى ثلاث أسباب :

السبب الأول
الطمع في تغيير خارطة المنطقة : فالكل يعلم أن النظام الدولي الذي يريد تغيير خارطة المنطقة والعالم العربي من جديد بدأ بوضع اللبنة الأولى للتقسيم أثناء إصدار سايس بيكو في 1917 من أجل تقسيم الدولة العثمانية الكبرى، ثم قام بغرس الدولة العازل والكيان الصهيوني وسط الأمة للحفاظ على استقرار المنطقة ضد كل التحركات والتهديدات، بل ساهم الكيان الصهيوني في إنتاج أنظمة ديكتاتورية عربية تتحكم في شعوبها تجبرا وحصارا.
لكن هبوب ريح الثورات في 2011 بعثرت الأوراق وأحدثت تخلخلا في التوازن الدولي وهددت الكيان، وأفشلت خطة التقسيم، وبالتالي تم استدعاء خطة تقسيم المقسم بالشكل الطائفي والعرقي والديني لإضعاف الأمة بشكل أعمق وأقوى.
ومن أجل تحقيق هذا التقسيمالتفتيتي كان ولابد من الاستعانة بالحلفاء الأوائل من العرب، لماذا ؟
ليعملوا بالوكالة لضرب أي حراك أو جماعة أو دولة تناصر الحق والمظلومين، ولتنفيذ عملية أشد من تقسيم المقسم، وهي عملية ” إجهاض البواعث والمحركات” المحركة للشعوب والحركات والقضايا.
وهذا كان السبب الأول والرئيس في الاصطفاف الصهيوني الأمريكي والعربي الذي بدأ بتمويل الدول بعض العربية الخليجية للانقلابات على الشرعيات في دول الربيع العربي.

السبب الثاني
قوة الاستقطاب الدولي : فبعد الواقع المزري الذي أضحت تعيشه المنطقة من تمزق وفتن وتشتت خصوصا بعد التدخل الروسي في سوريا، تغيرت مجريات اللعبة العالمية بين العملاقين السابقين، وأمام ضعف الاتحاد الأوربي وبداية ملامح انقسامه تأججت واستعرت عملية الاستقطاب في المنطقة.
وهو استقطاب دخلت في مقاربته القوة الروسية لضرب الأحادية القطبية الاستقطابية الذي كانت تتزعمه أمريكا، وهو استقطاب صار فيه التنافس على أشده لاستهداف وتقريب الدول العربية الفاشلة والأنظمة الهشة بجنودها ومالها وإعلامها وسياستها لتعمل في صف هاتين الدولتين : الامريكية والروسية بالوكالة .
فتارة نلحظ نجاح استقطاب روسيا لبشار والحوثيين، ثم أضافت في كفتها السيسي وخليفة حفتر في ليبيا، فضلا عن الاستقطاب الروسي للأحزاب الأروبية اليمينية المتطرفة.

في المقابل يظهر العملاق الآخر الأمريكي بروح صهيونية الذي ثارت غريزته للعمل على استقطاب أكبر وأشمل من الاستقطاب الروسي، خصوصا وأن أمريكا كانت السباقة إلى تغيير خارطة المنطقة منذ حرب الخليج والحرب على العراق وأفغانستان، وكسرت جدار صدام للسماح للتمدد الطائفي خصوصا الشيعي الإيراني في المنطقة، وإنتاج مناقض له وهو تنظيم الدولة وإنعاش كل فصيل عرقي أو ديني أو اثني أراد التحرر والاستقلال، وفي الأخير خلق فوضى عارمة تأتي بعدها إصدار قرارات التقسيم كحل أممي قانوني بدل الفوضى المتناحرة.
دون أن ننسى أن الاستقطاب الأمريكي والروسي ليس هو محل نزاع عميق، بل باعثه المصلحة والتنافس وجامعهما بطبيعة الحال الفكر الصهيوني.

وأذكر هنا أن الاستقطاب الأمريكي تحرك جليا وواضحا خصوصا بعد تصريحات وخطابات ترامب، وبات جريئا في قراراته وزياراته للمنطقة مؤخرا والتنسيق مع دول خليجية التي صار مجلسها الخليجي مقسما وممزعا.
وبعد الزيارة الأمريكية المبطنة المضمون صارت بعض الأنظمة العربية والخليجية مستعدة كل الاستعدادمن أجل ضرب أي حراك أو جماعة أو دولة تقوم بمناصرة المظلومين وخصوصا التي تعمل على دعم القضية الفلسطينية والمقاومة المهددة لأمن الكيان الصهيوني.

وهذا ما حدث مع قطر والتكالب عليها بشكل تدريجي وتكتيكي مخطط له، وقبلها بطبيعة الحال تركيا عاشت نفس المؤامرة لشيطنتها واتهامها بالإرهاب، و انتهت المؤامرة بانقلاب فاشل، وتجاوزت تركيا المرحلة لولا المراجعة التركية والتنازل التكتيكي، لكنها مهددة في أي وقت .
وأعرض هنا المراحل والخطط الأربع التي تم توظيفها لحصار قطر والتكالب عليها :

– خطة البداية : ففي البداية تم توظيف مراكز ومؤسسات تابعة خصوصا للإمارات لعقد لقاءات في أمريكا لرفض التدخل القطري في الشؤون الداخلية للبلدان العربية، وتم شيطنة دولة قطر ومؤسساتهاوالدعوة إلى حصارها وعقابها بدعوى مساندتها للإرهاب.

– الخطة الثانية الاستخباراتية : ثم تكشفت الخطة الثانية وهي الخطة الاستخباراتية عبر اختراق الموقع الرسمي لحاكم قطر وبث تدوينات وتصريحات بلسانه مكذوبة وملفقة تم التبرؤ منها.

– الخطة الثالثة الإعلامية :ثم انتقلت المؤامرة إلى الخطة الثالثة الإعلامية وهي ترويج هذه التدوينات الملفقة من قبل الإعلام العربي المارق الفاسد، وكذا الإعلام الغربي فضلا عن الطابور الخامس خصوصا الإماراتي والسعودي .

– الخطة الرابعة الإجرائية : وتبع ذلك خطة رابعة وهي الخطة الإجرائية السياسية من قبل أنظمة دول الخليج ودول عربية للدعوة لقطع العلاقة مع قطر بل وحصارها جويا وبريا واقتصاديا ومعاقبتها.

السبب الثالث
دهاء الغرب وغفلة العرب : من بين الأسباب التي حققت الاصطفاف الخليجي والعربي الغربي خصوصا مع أمريكا و”إسرائيل”، هو الدهاء الذي يمارسه هذا التحالف الغربي على الدول الخليجية الجاهلة باللعبة، حين ينقل لها معلومات مغرضة عن خطورة تهديد ثورات الشعوب وتمدد الحركات الإسلامية والمقاومة، فضلا عن دولمناهضة ومحتضنة للمقاومة والحركات كقطر وتركيا.
فكل هذه البواعث والمحركات والحركات والحراكات تصورها الدول المتحالفة عناصر رعب وإرهاب وخطر مهدد لمستقبل المنطقة، ولمستقبل عروش الرؤساء والملوك العرب والخليجيين، فبات واجبا على هؤلاء الحكام تقبل المعلومة وبذل الغالي والنفيس ماديا وسياسيا للحفاظ على أمن دولهم وعروشهم.

فالمفتعل الأساس للأحداث والفوضى العارمة والمسبب لها في المنطقة، والصانع الأول للإرهاب هو الطرف الأمريكي الصهيوني الغربي، وهو في نفس الوقت يكشف نفسه كفارس منقذ ومحارب للإرهاب والتطرف و كحام ومحافظ على أمن المنطقة وعروش الحكام.

زد على ذلك التنبيهات والتقارير الأمريكية والصهيونية والدراسات المكذوبة والتي يثق بها الحكام العرب والخليجيون، التي تقول أن أكبر مهدد للمنطقة والفاعل في عملية الإرهاب وهي الحركات الإسلامية وتركيا وقطر، مما يدفع هذه الأنظمة إلى اتخاذ موقف سلبي اتجاه هذه الدول والتوجهات أرباب التوجه الوسطي .
علما أن حسب التقارير الدولية أن المسبب الأول في انتشار التطرف و المسبب للعداء والحقد هي ديكتاتورية هذه الدول العربية وطغيانها.

 

بل والأدهى والأمر هو مشاركة دول عربية وخليجية بالوكالة في تمويل الانقلابات على شعوب ومؤسسات شرعية واعتقال روادها وكوادرها، ووأد كل توجه يمكنه أن يجعل الشعوب تفكر وتتحرر وتتغير وتنهض، مما أدى إلى انتشار توجه و بديل آخر متطرف سمحت له الساحة الفارغة من التوجه الفكري المعتدل السليم الوسطي، باستقطاب الشباب تطرفياوتأجيج غضبهم ضد الحكام بل وضد الشعوب نفسها.

هذا الفعل التحريضي لأمريكا “وإسرائيل” والغرب ضد قطر وتركيا والتوجهات الثورية والإسلامية مرده وباعثه باختصار الدهاء الغربي الأمريكي الصهيوني، في مقابل غباء عربي لا زال يسقط في فخاخ التحالف الدولي.

ومن مزالق بعض الدول العربية الخليجية إقدام الإمارات والسعودية على تنفيذ هذا الفعل الشنيع ضد قطر لحصارها وقطع الرحلات الجوية والبرية والبحرية معها، وكان الأولى للإمارات ترجمة هذا الحصار وتنفيذ هذه العقوبات وإنهاء العلاقة الدبلوماسية على المهدد الأول والمحتل لجزرها وهي إيران.

وكان على السعودية بدل اتخاذ موقف غير مشرف اتجاه قطر ترجمة هذه المواقف السلبية ضد التمدد الإيراني في المنطقة و المهدد الأول لأمنها.

لكنه سوء التفكير والفهم حين يحكم، خصوصا وأن الفترة هي فترة رمضان و لم تحترم هذه الدول المقاطعة مناسبة الشهر وقداسته، بل والأدهى والأمر وأن زمن المقاطعة الخليجية القطرية تزامن مع نكبة 67 ، فكان الأولى من الدول العربية بعد مرور 50 سنة من النكبة مراجعة أخطاء الهزيمة مع قوة كيان صغير، وتشخيص الداء والأمراض التي تراكمت وتوارثت واستفحل صديدها وزاد حتى تحولت هذه الدول الهرمة المنهزمة في نكبة 67 إلى دول ترضى بالهزيمة، بل و تعمل بالوكالة عن قوة الأجنبية في مرحلة جديدة لتصبح هي المحارب و الفاعل والمحقق للهزيمة ضد الدول المناصرة و الشعوب المقاومة والمظلومة.

فأضحت هذه الدول قرينة “إسرائيل” وحليفة أمريكا وعوضا ونائبا عن التدخلات الأجنبية الأمريكية الصهيونية الغربية ضد تحركات أحرار الأمة.