وجهة نظر

تأملات في واقع العطلة الصيفية

يمكن القول، بأن العطلة أضحت منتوجا وسلعة رائجة في زماننا، فهي قرينة السفر، ولصيقة بالاستجمام، والبحث عن أماكن لقضاء أوقات ممتعة، وتقاسم الصور مع الأصدقاء عبر فضاءات التواصل الاجتماعي، لعلها تضمن للفرد مكانا في هذا العالم.

لم تعد العطلة، فترة راحة لمشوار سنة من العمل، بل صارت موضة، يتسابق حتى العاطلون عن العمل، للنيل من طقوسها، وإجبار أقربائهم على تمويلها، فيحملون أمتعتهم ويتوجهون لوجهاتهم السياحية المفضلة.

العطل وخاصة منها الصيفية، هي بمثابة اقتصاد قائم بذاته، تتحرك معه جموع الشركات، لتقطف نصيبها من كعكة تسويق منتجاتها للمستهلكين، فهذه الفنادق بمختلف أصنافها، تتزين لاستقبال زبائنها من كل حدب وصوب، وتلك المحلات والأسواق التجارية، تترقب موسمها الذهبي، لبيع منتجاتها، في حين تتهيأ وسائل النقل البرية والجوية والبحرية لنقل المسافرين، والقفز بوثيرة الأثمنة نحو الصعود، استغلالا لفترة يكثر فيه الطلب على وجهة المطارات والموانئ والمحطات الطرقية.

زمن تنقل الصورة والمعلومة في كل الأمكنة، جعل العيون تكتشف وتندهش من مشاهد ممتعة ومغرية لطبيعة الكرة الأرضية، فأصبح في المتناول، الاطلاع على عادات الشعوب وثقافاتها، ونمط عيش بلدانها، خصوصا مع تنامي دور الأفلام الوثائقية السينمائية، التي استطاعت نقل مكنونات الطبيعة والخليقة، حتى غدت كل أماكن الأرض أمكنة مغرية، يمكن أن تطأها أقدام الانسان للاستمتاع بمشاهدتها، بل حتى أدغال أفريقيا، أضحت وجهة مفضلة، للاقتراب من معاينة حدائقها المستضيفة للكائنات والحيوانات النادرة، وكذا ثلوج سيبيريا وقطبي الكرة الأرضية، التي صارت ملامسة برودتها ولون بياض ثلوجها سياحة قائمة بذاتها.

قد لا نفاجئ إذا ما تقرر في المستقبل القريب، إضافة الحق في الترفيه والاستجمام، كحق من حقوق الانسان الأساسية، بالنظر إلى تنامي مكانة اهتمام الناس بالترفيه، وخاصة مع إعطاء مكانة أكبر لوسائل الاعلام لهذا المجال، وبالتالي فمن الملاحظ أن البرامج والقنوات الترفيهة، أصبحت تلقى إقبالا كبيرا.

لم نكن نعتقد يوما ما، أنه حتى المملكة العربية السعودية، التي تصنف في خانة الدول أكثر تشددا في مجال الحريات، ستشكل هيئة للترفيه، في سعيها لتبني مشاريع جديدة لبناء مدن ترفيهية، حيث يبدو أن اقتصاد الترفيه، أصبح قطاعا واعدا ومربحا، ومن باب الأولى أن تستفيد المملكة العربية السعودية من عائداته، بدل ترك عدد كبير من السعوديين يلجئون إلى السياحة الترفيهية في الخارج.

اقتصاد الترفيه، فرض نفسه حتى في عالم التجارة، حيث ظهر جيل جديد من الأسواق التجارية (المولات) تخصص في أروقتها، أجنحة خاصة بالترفيه والسياحة، من خلال توفير الملاهي للأطفال، وقاعات السينما، والمكتبات، والمتاحف، وكل ما من شأنه جلب الناس للاستجمام والترفيه.

من الواضح، أن موجة الترفيه الاحتفالي، التي تغزو مجموعة كبيرة من وسائل الإعلام في برامجها، مما دفع الفنانين والنجوم والمشاهير ورجال الأعمال، إلى التنافس الشديد في التباهي وعرض صورهم في الأماكن السياحية الفاخرة التي يرتادونها، الشيء الذي يولد لدى المتتبع العادي، نوع من الحرمان، وبالتالي يسعى إلى محاولة تبني وتقليد نفس النمط، والبحث عن إمكانية التمتع بأوقات الفراغ والعطل في أماكن سياحية معروفة.

لا بد أن العطلة الصيفية، تكشف لنا وجه العالم المتناقض، فهناك من تتاح له فرصة السفر والاستجمام، وهناك من يجلس قابعا في منزله ومكانه، متفرجا على العالم، فضعف دخل الأسر، ومرارة الفقر، تجعل الانسان في كثير من الأحيان، عاجزا عن مجاراة حياة الترفيه والتسلية المكلفة، والاكتفاء في أحسن الأحوال، بشد الرحال إلى أحواز البوادي، أو طلب اللجوء العائلي، عند دويه في مدن وأمكنة أخرى.

من جهة أخرى، تبرز مظاهر الطبقية وتجلياتها حتى في الاستفادة من العطل الصيفية، حيث تحاول كل الوزارات والمؤسسات العمومية والخاصة، توفير مصايف ومراكز اصطياف لموظفيها ومستخدميها، تختلف باختلاف وضع و قيمة المؤسسة في السلم الاجتماعي، وبالتالي إنشاء نواد ومراكز مغلقة بالأسوار، لا يلج عمقها إلا المحظوظين من أسرهم ودويهم.

هناك من يتسع مجاله الجغرافي للتنقل بحرية عبر ربوع العالم، فيضمن له جواز سفره، المنقوش على ظهره، اسم بلده المحظوظ بانضمامه، إلى خانة الدول الغنية والمتقدمة، فتتاح له إمكانية استغلال عطلته، للتوجه لأية وجهة يختارها على ظهر كوكب الأرض، في حين تسجن باقي الشعوب الفقيرة والمسحوقة، في رقعة جغرافية محدودة، فتنصب لها الحواجز من الأسلاك الشائكة، ويتخندق حرس الحدود ببنادقهم الرشاشة، لتوجيه رصاصهم إلى من تخطت قدماه بلدانهم.

العطلة الصيفية أصبحت هما متزايدا عند الكثيرين، وركنا جديدا، ينضاف إلى جانب إكراهات الحياة الحديثة، حيث تسعى الأسر ما أمكن للادخار، طلبا في توفير ميزانية مناسبة، تسمح لها بالسفر والاستجمام، لكن واقع الحال، في غالب الأحيان عند شريحة واسعة من المواطنين، يصطدم بهموم، مناسبات الدخول المدرسي، الذي اصبح يكلف الآباء أموالا إضافية، لكون التعليم النافع تحول بالتدريج إلى تعليم مؤدى عنه، فضلا عن الأعياد الدينية، التي تصادف هذه السنة، إطلالة عيد الأضحى، مما يشكل لدى الناس البسطاء هاجسا أكثر أهمية من العطلة الصيفية.