وجهة نظر

ألف درهم لكل مغربي ومغربية شهريا

تكاد تكون نادرة، تلك التقارير الرسمية والصحافية التي استطاعت بصيغة محتشمة أن تفتحص شؤون المكتب الشريف للفوسفاط وتنقل لنا صورة مختصرة عن إدارة شؤون هذه المؤسسة المكلفة بالمتاجرة في خيرات البلاد الباطنية.

ما تؤكده نقرة واحدة في محركات البحث على الأنترنيت، هو أن مداخيل هذه المؤسسة “المقدسة”، والتي وضع على مسافة منها خط أحمر لا يمكن لأي كان الاقتراب منه، كفيلة بضمان “السترة” لفقراء المغرب.

فهذه المؤسسة المحمية بقرار رسمي غير معلن، تعد من أكثر شركات الدولة تكديسا للعملة، وموظفوها (الكبار أقصد) يتقاضون أجورا وعلاوات تصل في بعض الأحيان إلى 500 ألف درهم شهريا، ناهيك عن الامتيازات التي لا تعد ولا تحصى..

طبعا، إن الرقم الذي ذكرته يبدو مهولا وصادما لكن إدارة المكتب لم تكلف نفسها يوما عناء تكذيب أو تصحيح هذه المعلومة التي تم تداولها على أوسع نطاق بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.

ثم إنه مع ما يلف موضوع مداخيل المكتب من غموض، وبالنظر إلى القيمة التي تحظى بها مادة الفوسفاط عالميا فمن البديهي أن يخصص كبار المكتب لأنفسهم هذه المبالغ فيها.

ولكي نستوعب هذه الحقيقة الصادمة علينا أن ننقب من جهتنا عن قيمة الفوسفاط بين دول العالم ليتأكد لنا أن شركة المغاربة تجني سنويا الأموال الباهضة مقابل تصديره.
و للاضطلاع على أهمية المنتوج الذي تنقب عليه ال (ocp) تعالو معي في هذه الجولة المختصرة جدا لنتعرف على قيمته وعلى ما يكمن أن يضمنه للمغرب من أمن غذائي واستقرار نفسي وتموقع ديبلوماسي ضاغط على المستوى الدولي.

فالمغرب هو أول مُنتِجٍ للفوسفاط، وثالث دولة مُصدّرة في العالم، متبوعا بالصّين.
ومن الفوسفاط، تستخرج أسمِدة الفوسفور الأساسية في التّغذية العالمية..

يقول الأستاذ محمد إفزارن في مقال نشر بالموقع الالكتروني “هيسبريس” إنه بدون فوسفور، لا فلاحة، ولا زراعة، ولا بشر، ولا حياة فالفُوسفور، المشتقُّ من الفُوسفاط، ضروري لنموّ الكائنات، منها النباتاتُ والحيوانات والإنسان..

ويؤكد ذات المصدر أنه تم مؤخرا عقد مؤتمر عالمي حول أسمدةِ الفوسفور،أو ما سمي بإكسير الحياة لتوعية السياسيين، والرأي العام، بأهمّية هذه المادة الضروريةِ للحياة، وتمّ التأكيد على أن هذه الأسمدة يتزايدُ الطلبُ عليها في الأسواق العالمية، وأنّ العالمَ مُهدّدٌ بمجاعةٍ كُبرى ما بين 2030 و2040 القادمة، إذا استمرّ التّبذيرُ الحالي في التوزيعِ العالمي لهذه الأسمدة الأساسية الفُوسفُورية.

معنى هذا أن هذه الثرورة المغربية رغم مانتلقاه من تطمينات رسمية تسير في اتجاه الاستنزاف دون أن ينعم المغاربة بعائدتها.

وبالإضافة إلى ما يحتويه الفوسفاط من مكون الفوسفور تؤكد تقارير علمية في هذا الشأن أن الفوسفاط المغربي يضم في مكوناته معدن اليورانيوم، المادة الثمينة التي تستغل في الصناعة النووية، غير أن المغرب يصدِّر موارده الفوسفاطية في معظمها كمادة خام إلى الخارج، حيث يعاد تدويرها ومعالجتها، ما يقلل من استفادته من تلك الثروة.

وبالعودة إلى صلب الموضوع والذي يتعلق بمداخيل “المؤسسة الشريفة” فإن الأرقام المتضاربة التي تتوارد علينا من حين لآخر تبرز حقيقة ساطعة مفادها أن هذا الشعب “محكور” في ثرواته وأن مداخيل المكتب الشريف للفوسفاط كفيلة بسد حاجيات المغرب في مجال البنيات التحتية وقادرة على سد رمق كل مغربي أنهكته الفاقة (على الأقل).

فالمكتب الشريف للفوسفاط الباحث عن هذه الموارد، في كل من مدينة خريبكة وبنجرير واليوسفية وفوس بوكرع.. يحصل، حسب معطيات وتقارير صحفية مغربية، على ما يقارب 14,49 مليار دولار سنويا.

بل إن جريدةُ «نورثيرن مينر» الأمريكية المتخصّصة، كتبت السنة الماضية أن مداخيل المغرب من الفوسفاط، فقط في 6 أشهر، تفُوقُ 2,5 مليار دولار، و ما تُقدّمهُ الإدارةُ من معلوماتٍ للمغاربة عن أرباحِها قد يكونُ غيرَ صحيح، بسببِ تهرُّبِ المسؤولين المغاربة من إدراج «الشركة الشريفة للفوسفاط» بالبورصة، لتبقى الأرقامُ سرّية.

ولم يكن موضوع الفوسفاط المغربي حديث الجريدة الأمريكية فقط بل تساءل بعدها “ماثيو كيفيل”، وهو باحث في جامعة “لورونتان” الكندية، في مقال نشرته اسبوعية اقتصادية كندية _تساءل_ مستغربا من التناقض بين مداخيل الفوسفاط ومعاناة المغاربة من الفقر، “بل الأدهى والأمر أن الفلاحين المغاربة لا يستطيعون اقتناء الفوسفاط لأراضيهم” !!!

إن ما يزيد من ارتياب المغاربة حول مدخرات المكتب الشريف للفوسفاط هو تهرب إدارته من البوح بمداخيلها ونشرها علنا.. واقتصارها في مجمل خرجاتها على الخوض في نقاشات تتعلق بعمليات التعدين والابتكار التكنولوجي والزراعة المستدامة.

وإذا صحت تقديرات جريدةُ «نورثيرن مينر»، وأصررنا على استعمال الآلة الحاسبة فإن حق كل مغربي من مرجوعات ثرواتهم قد يقارب 40 درهم يوميا لكل مغربي، أي حوالي 1100 درهم شهريا.

في مقابل ذلك أظهرت أرقام رسمية، ارتفاع الدين العمومي المغربي بنسبة 4.8 في المائة، ليبلغ 827 مليار درهم، منها 312 مليار درهم كديون خارجية، ما يعني أن كل مغربي مدين خارجيا بأكثر من 9700 درهم إلى المؤسسات المالية والدول الأجنبية.

على مكتب الفوسفاط المغربي أن يتملك الشجاعة الكافية ويكشف عن عائداته من إنتاج هذه المادة الحيوية، ويساهم بقدر من الوطنية في القضاء على البطالة بالمناطق التي ينقب فيها ويشغل كل المعطلين الذين جفت حناجرهم بالمطالب.

وإلا فإن ما يروج ويروج حول التلاعب والتدليس يكون قد أخذ منبتا له بين تلك الحقائق التي اندلعت في رؤوسنا كالطحالب حتى غطت عقولنا التي لا تقبل الاستبلاد.