منوعات، وجهة نظر

الهيلالي يناقش أبو حفص: بين الاغتصاب الزوجي والاغتصاب القيمي

مرة أخرى يخطو الصديق أبو حفص خطوة أخرى على طريق الجرأة في المراجعة الفكرية. فبعد دعوته إلى مراجعة أحكام الإرث والتعامل مع نصوصه القطعية أسوة بما تم مع نصوص القتال المحكمة، ينتقل اليوم إلى تكسير طابو جديد إنه الاغتصاب الزوجي باسم “الشرع” والذي يتم بتحريض من مرويات حديثية. فيغضب أصدقاء الأمس ويصفق خصوم الأمس.

إلى هنا لا إشكال فالنقاش مشروع للظواهر الاجتماعية المختلفة انطلاقا من تحيزات معرفية مقتنع بها.

غير المنطقي هو الاستدعاء غير الموفق للدين في نوازل سوسيولوجية آنية لتوفير الشرعية الدينية ودمغ دعاوى أيديلوحية جارية بخاتم المراجعات الدينية أيا كانت تقليدية أو اجتهادية. وبالتالي توفير تأصيل مجتهد ومنفتح لهذه الدعاوى التي تشكل جزءا في أجندة دولية للتدافع القيمي بين اتجاهين إباحي وقيمي، وبين منظور لتنميط العالم حول نظرة أحادية هي آخر ما وصلت إليه الرأسمالية وجيوب مقاومة مازالت ترى أن الكونية قيميا أوسع وأشمل وأكثر تنوعا وتعددا وانفتاحا من مخلفات قانون المنتصر في الحرب وتقاليد الغالب.

ولذلك لا أظنه يغيب على السيد أبو حفص المحترم أن الإغتصاب الزوجي والتحرش الجنسي والإجهاض والحرية الجنسية بين الراشدين خارج الزواج والشدود الجنسي، أضف إليها كذلك حرية المعتقد وحرية الضمير والهوية الثالثة، لا أعتقد ذلك يشمل مشكلا بين تفسيرين دينيين أحدهما متشدد متعصب منغلق حرفي نصوصي جامد ورجعي والآخر منفتح مجتهد معاصر تقدمي وحداثي.

إنه ياسيدي جزء من مستلزمات الحداثة السائلة الساعية إلى التحرر من أسر كل ما هو غيب ودين وتقاليد و…

الإغتصاب في فراش الزوجية لا يمكن أن ينتمي إلى الدين مهما كانت تبريراته لأنه لا يمكن أن ينتسب إلى السكن والمودة والرحمة والفضل والمعاشرة بالمعروف واللباس المتبادل والخصب والمتعة وزينة الحياة الدنيا، ولا يمكن أن ينسب إلا الإعلان الكوني المدوي “لا يكرمهن إلا كريم ولا يهينهن اإا لئيم” فهذه القيم الدينية السامقة وهذا الإعلان الإنساني غير المسبوق بريئة من الإغتصاب داخل فرش الزوجية أو خارجها، لكن أيضا يصعب فك الإرتباط بين هذه الإشكاليات الطارئة على محتمع النساء فيه شقائق الرجال والمومنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، مجتمع للنساء فيه مثل الذي عليهن سواء لا يزيد اإا بالفضل ولا ينقص إلا بالتطوع والممارمة.

إن الإغتصاب وزواج القاصرات والإجهاض وغيرها هي بدون شك مشاكل واقعية حقيقية يتعين مواجهتها، لكن المنظور الذي يجري تسويقه لهذه المعالجة وهو منظور نسواني قام على تمركز الأنثى على ذاتها وبعد ذلك على جسدها، ثم لاحقا على أنوثتها وفصل ذلك عن كل قيم وكل غاية وكل ما هو إنسي وإنساني وهي مقاربات أصبحت تعيش أزمتها وينادي أصحابها بتجاوزها وبما بعدها.

إنني بالقدر الذي أعتز فيه بجانب التحرر الفكري والقدرة على المراجعة والتحرر من المسبقات بقدر ما يؤلمني أن يؤدي ذلك إلى خلاف المقصود منه بل وإلى نقيضه.

فالمراجعات الفكرية دون بصيرة استراتيجية قد تسقط في مفعول كاسحات الألغام التي تستخدم لمهمة ظرفية صغيرة في مشوار أكبر.

مراجعة التراث والتجديد والاجتهاد المعاصرين حاجة منهجية وضرورة ملحة لكنها أبعد ما تكون من العمل السجالي أو فعل للجلد الذاتي.

ومع ذلك كل التقدير والاحترام.