مجتمع

اعتداء حافلة البيضاء .. أسر كسيرة بين معاقات مغتصبات ومراهقين جانحين

لا شيء بحي مباركة بالبرنوصي، يوحي أنه كان مسرحا لاعتقالات متكررة طالت 6 يافعين انتزعهم الأمن من قلب بيوتهم للتحقيق معهم في قضية أحدثت رجَّة داخل المجتمع المغربي، بعد أن فَضح أمرها شريط فيديو ظل مستترا طيلة شهور قبل أن يخرج للعلن.

الفيديو الذي انتشر كالنار في الهشيم، مُظهرا شابة تصرخ فيما يشبه الأنين، تتلاقفها أيدي يافعين صغارا تُمرَّر على جسدها وتقطع ثوبها لتجعل منه أسمالا وتمتد إلى مناطق حساسة منه، ليختلط صراخها وطلبها القائل بـ “خليوني ندوز” بصيحات انتشاء وقهقات انتصار للمراهقين الذين لم يُثنهم تواجدهم على متن حافلة للنقل الحضري من العُدول عن فعلتهم.

هنا البرنوصي

غير بعيد عن منازل المراهقين ممن اكتوى آباؤهم وأقاربهم من تصرفاتهم وزادها الاعتقال مرارة، اصطف رجال داخل “مقهى بلجيكا”، يحتسون قهوة سوداء مرة، ولا حديث لهم سوى عن واقعة الفيديو التي أبانت لهم عن وجه آخر لـ “زْعامة ولاد الحومة” على حداثة سنهم، يضربون أخماسا بأسداس ويحاولون جاهدين تخمين الأسباب الكامنة وراء هذه التصرفات.

” هاد الدراري ولاد الحومة، وكابرين قدامنا، وعائلاتهم الله يعمرها دار، فيهم لي معندوش بّاه هارب عليهم وفيهم لي ميتة ليه مُّو، وكاين لي لاباس عليه وسط عائلتو موفرين ليه كولشي” يقول أحد الجيران لجريدة “العمق”، مستطردا ” لكن لا شيء يبرر ما قاموا به تجاه تلك الفتاة”.

ويلتقط آخر خيوط الكلام ويؤكد، ” الفتاة كانت معهم لأيام، كانت تُرافقهم ولعلها كانت تتعاطى معهم بعضا مما ينسيهم العالم ويُزيِّن لهم ما فعلوه، وإلا ما الذي كانت تفعله بالقرب منهم على آخر مقاعد الحافلة، لعلهم كانوا يتمازحون قبل أن ينقلب مزاحهم إلى ما شاهدناه على شريط الفيديو”، على حد قوله.

أُسر كسيرة

داخل حي مباركة وسط مدينة الدار البيضاء، الجميع يتطوع ليوصلك لمنازل المتابعين في قضية ما بات يعرف إعلاميا بـ” اعتداء فتاة الحافلة”، توجهت جريدة “العمق” صوب بيت المراهق المعروف بلقب “بوان”، لتستقبلنا شقيقته التي تكبره ببضع سنين، وما إن عرفت أننا منبر إعلامي حتى انفجرت غاضبة ” ما بال المغاربة يسبوننا ويشتمون عائلاتنا؟ ما ذنبي وذنب أمي وإخوتي وأخوالي فيما قام به أخي؟”.

وتابعت الشابة تساؤلاتها مرفوقة بغصة ودمعات بمُقلتيها، ” نحن عائلة محترمة، وهو ابن عائلة، حشومة المغاربة يعايرونا ويقولو عليه ” ولد الحرام”، ما رحموناش، حتى حد ما رحمنا”، ليتابع ابن خالتها الحديث ” أحزننا حجم التهكم والسب الذي طالنا، وهذا المراهق ضحية لظروف عائلية صعبة ويعاني مشاكل نفسية” على حد قوله.

وفي الوقت الذي قبل فيه أفراد عائلة “بوان” الحديث معنا، امتنعت أسرة رضى عن ذلك، مخاطبين إيّانا من نافذة البيت، معلنين رفضهم الحديث للصحافة أو تقديم أي تبرير أو دفاع عن ابنهم الذي وجد نفسه متورطا بين ليلة وضحاها، فيما أكد أحد زملائه في الدراسة للجريدة أن المدرسة فصلته بسبب الغياب المتكرر وعدم الانضباط.

إيمان..زينب

وحين كثر القيل والقال عن هوية الشابة ضحية الاعتداء، وتوجهت الأصابع نحو إيمان الشابة المعاقة ذهنيا والتي تتعرض يوميا للاغتصاب منذ حداثة سنها نجم عنه ولادة طفل لا يتعدى سنه أربع سنوات، كشفت جريدة ” العمق” أنها ليست الفتاة المقصودة الظاهرة ملامحها في الشريط وفق ما أكده مصدر أمني للجريدة وشدد عليه والدها وجارتها.

وبين ليلة وضحاها، توجهت الأنظار هذه المرة صوب مدينة سلا، إذ تبين أن الفتاة المقصودة تدعى زينب، بعد أن عملت شقيقتها الكبرى على إخبار الشرطة أن زينب هي المعنية بالشريط، وفق ما أكدته للجريدة، واضعة حدا لجلبة دامت أياما ما بين مشكك ومتيقن من هوية “فتاة الحافلة المعاقة”.

وتحكي ليلى عن ماض مشرق لشقيقتها التي تعاني من مرض عقلي، ذبُل معه جمالها الأخاذ وانطفأت بسببه جذوة ذكائها وصمت لسانها إلا من جمل متقطعة دون أي معنى، ” كانت جميلة جدا، أنيقة وبصحة جيدة، منفتحة على الحياة، ولعله “سحر أسود” أصابها في 18 من عمرها جعلها على هذه الحالة”.

وضعية دفعت الشباب الذين يقطنون بنفس حي زينب إلى استهجان ما تعرضت له الشابة المريضة، مستنكرين لجريدة “العمق” الاستغلال الجنسي البشع الذي مورس عليها من طرف أولئك القاصرين، مطالبين بإحقاق العدالة وإسقاط عقوبات قاسية على المتابعين الخمسة في حالة اعتقال.

وإن كان الأمن قد بادر سريعا إلى اعتقال القاصرين في أفق محاكمتهم وإيذاعهم السجن، تبقى زينب وكثيرات مثلها يقبعن بين جدران سجون بيوتهن ممارس عليهن حبسا قسريا اضطراريا في غياب أي تأطير طبي أو متابعة نفسية، ومخافة تعرضهن للاغتصاب والاستغلال عند أول خطوة خارج أسوار البيت.