منوعات

هل حسم العلم والدين النقاش.. الأرض كروية أم مسطحة أم ليس بعد؟

يصر بعض أبناء الألفية الثالثة على العودة بنا إلى عصور ما قبل الميلاد التي أقر فيها شعراء ومؤرخون وفلاسفة بأن الأرض مسطحة عائمة على محيط من الماء.

وفي حين اكتست النقاشات السابقة طابعا علميا لا يخلو من إيمان بـ”المؤامرة”، عادت هذه المرة لترتدي طابعا دينيا يصر أصحابها على أن “الأرض المسطحة” أمر مفروغ منه دينيا ومنصوص عليه بالقرآن الكريم.

وبين مؤيد ومعارض عادت القضية لتثير جدلا على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، وفي حين يشدد الأغلب على أن الأمر محسوم بكروية الأرض، وأن النقاش فيها ضرب من الجنون، يطلب الطرف الآخر منهم احترام “عقولهم” والسماح لهم بـ”الاختلاف”.

وتعود فكرة “الأرض المسطحة” إلى عام 1849 عندما قام الكاتب الإنجليزي، صامويل روبوثام، بعمل تجارب في حفر كبيرة لإثبات عدم صحة ما يقوله الفلك من كروية الأرض، وزاد على ذلك بأن القول في كروية الأرض يخالف الإنجيل.

وتابع علماء ومفكرون وفلاسفة مشوار روبوثام إلى يومنا هذا وأسست جمعيات مختلفة تضم أعضاء كثر يؤمنون جميعا بأن أغلب الناس على سطح الأرض مغيبون ولا يعلمون أن أطراف الأرض تمتد إلى أبعد مما نظن وأن لا أحد وصل لأطرافها ولا خرج منها إلى الفضاء.

وأبرز ما يؤمن به أصحاب النظرية هو أن الأرض تسير نحو الأعلى بسرعة ثابتة وهو ما ينتج عنه الجاذبية الأرضية التي تشدنا إلى أسفل، وأن القطب الجنوبي ما هو إلى جدار ثلجي يحيط باليابسة، لم يوفق أحد بالوصول إليه حتى الآن، وأن وكالات الفضاء تخفي كل ذلك لأسباب مادية بحته، وأن الطائرات التي نظن أنها تطير بنا حول الأرض عندما نسافر تطير في حلقات لإيهام الناس لأسباب مادية أيضا.

الفلكي عماد مجاهد قال لـ”عربي21” مستغربا إعادة النقاش في موضوع أثبت منذ مئات السنين حين كان يراقب الناس السفن وهي تختفي تدريجيا في البحار، وظل الأرض المنعكس على القمر بشكل منحنٍ وليس مستقيما.

أما المصيبة بحسب مجاهد فهو أن نكذب أعيينا في عصر الأقمار الصناعية ورواد الفضاء، معتبرا الأمر محسوما ولا مجال فيه للنقاش.

ولفت عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، إلى أن الأرض ليست الكوكب الوحيد الكروي في الفضاء، بل إن كل الأجرام والكواكب والأقمار من حولنا كروية الشكل وهو ما تقتضيه قوانين الطبيعية والحركة والدوران.

وأكد مجاهد إلى أن من ينادي بأن الأرض مسطحة مرضى ومرضهم اسمه “الجهل”، وإن أي نقاش معهم هو نقاش مع إنسان مريض.

وختم مجاهد بحديثه مع “عربي21” بأن كل ما يثير هذه المواضيع هم من الباحثين عن الشهرة، وبعضهم أصبح بالفعل من المشاهير.

ولأصحاب نظرية الأرض المسطحة تفسير لكل شيء تقريبا وإن كانت لا ترقى هذه التفسيرات لأسس علمية، بل تكون مبنية في كثير من الأحيان على فرضيات غير مثبته، كتعاقب الليل والنهار، وتعاقب الفصول، والسفر إلى الفضاء، وللأسئلة التي لا تجد إجابات تكون نظرية المؤامرة حاضرة والتي تشترك فيها وكالات الفضاء مع بعض الحكومات والدول.

وإلى جانب الطابع العلمي للنقاش، يصر آخرون على إدخال الدين إلى ساحة النقاش، وإثبات سطحية الأرض بدلائل دينية قد تكون أكثر قبولا عند البعض من الدليل العلمي.

وكما احتج روبوثام بأن القول بكروية الأرض يخالف الإنجيل، يصر مسلمون على أن القرآن الكريم فند كروية الأرض، وأثبت أنها مسطحة، اعتمادا على تفسير آيات قرآنية خارج سياقها، بحسب مختصين.

أستاذ الحديث النبوي وعلومه في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية، الدكتور شرف القضاة، قال لـ”عربي21” إننا نعاني من نوعين من التطرف؛ الأول فيه مبالغة في التوفيق بين الآيات والاكتشافات العلمية لإثبات الإعجاز العلمي في القرآن، والثاني في معارضة حقائق علمية بفهم مغلوط لبعض الآيات والأحاديث النبوية.

وبين العلم والشرع، أضاف القضاة أن هنالك حقائق علمية ونظريات، كما أن هنالك حقائق شرعية قطعية، وأخرى لها تفسيرات وأفهام مختلفة، مؤكدا أنه لا تتعارض بحال من الأحوال حقيقة علمية بحقيقة شرعية، أما النظريات فربما تتعارض لأنها تخضع للفهم.

وعن دور الجهل، قال إن المصرين على الاستدلال بالقرآن على أن الأرض مسطحة ربما درسوا الشرع واللغة لكنهم بحال من الأحوال لم يدرسوا العلوم وليس لهم آراء علمية.

وختم أستاذ الحديث النبوي وعلومه بأن الآيات القرآنية خاطبت البشر بما تراه أعينهم، وليس بالحقائق العلمية التي وراءها، عندما تحدثت عن الشمس والقمر، فالحقيقة أن الأرض تدور لكن ما تراه أعيننا هو أن الشمس طلعت.

والعلم كذلك أيضا يخاطب الناس بما يرونه فيقول العلماء أشرق الشمس وغربت بناء على ما تراه أعيينا، بحسب تعبيره.

ولا يبدو أن جماعة “الأرض المسطحة” يبحثون عن الدليل بقدر ما يحاولن إثبات صحة أدلتهم، فيما لن يتراجع العلماء عن ما رأوه في أعينهم، كما لن يتوقف مفسرو الآيات عن البحث عن آيات أخرى ولي عنق النصوص لإعطاء نظرياتهم “قدسية” تدفع الناس للإيمان بها.