وجهة نظر

من يطبق نظرية “الصدمة” على المغرب؟

ما تعيشه البلاد من أحداث وقرارات مؤسفة بمعايير الطامعين في تحقيق الأفضل للشعب، مقصودٌ ومُفكّرٌ فيه ومُدبّر، ويتم تنزيله بدقة على ما يبدو من معطيات ومؤشرات الإصرار على عدم التراجع عنه، رغم كلفتة السياسية والحقوقية على صورة البلاد.

كان ربما في الأجندة أن يتم الانتقال بالدولة، من مرحلة إلى أخرى بطريقة سلسة، خلال الولاية الحكومية السابقة، بعد أن تم إخراج حزب الاستقلال من الحكومة، وتعويضه بحزب التجمع الوطني للأحرار، سنة 2013، مع ما رافق العملية من دخان كثيف ونقاش عقيم، غطّى على التغيير الكبير الذي حدث في هيكلة الحكومة أساسا، بإسناد القطاعات الاقتصادية والانتاجية وقطاع الخارجية لحزب يعرف الجميع منطلقاته النظرية، وعلاقاته بالشركات وبقطاع المال والأعمال.

لكن مقاومة رئيس الحكومة الأستاذ عبد الإله بنكيران، ومحاولاته الوفاء للبسطاء والمحرومين والفقراء والمهمشين، على الرغم من كونه لم يُظهِر امتلاكه لنظرية قائمة في المقاومة، أربكت الحسابات، وأفشلت خطة “الطريقة السلسة”، لتأتي الانتخابات الجماعية لسنة 2015، والنيابية لسنة 2016 فتنسف الخطة بأكملها.

وبالمعطيات الجديدة التي أفرزتها الانتخابات الجماعية والنيابية، نفذ صبر المعنيين، فلم يبقى أمامهم، إلا اللجوء إلى تطبيق نظرية الطبيب النفساني الكندي “دونالد كاميرون” المعروفة باسم الصدمة، والتي لا يعني تطبيقها على الشعوب، سوى إفقاد المواطنين الذاكرة وإرباك وعيهم بالحاضر وتصوير الأفق مظلما أمامهم، وتشكيكهم في قدرتهم على الصمود.

وبدا هذا اللجوء الاضطراري، واضحا في عملية إعفاء بنكيران الممثل لكبرياء المواطنين، على حد تعبير المعطي منجب، من رئاسة الحكومة بعد “بلوكاج” مدروس، ساهم في إنجاحه سوء تقدير من قيادة العدالة والتنمية، وعجزها البيّن على التفاعل معه بما يقتضي من وفاء لتضحيات المواطنين الذي بوؤوا الحزب الرتبة الأولى في انتخابات 7 أكتوبر، واختيارها تدبير إعفاء الأمين العام للحزب وتعيين شخص ثان من الحزب رئيسا الحكومة، ببراغماتية سياسية في غير محلها، زادت من قوة “الصدمة” كما هيأ لها المعنيون بتطبيقها، لا كما وصفها الأستاذ محمد يتيم، أحد أعضاء اللجنة التي واكبت تشكيل حكومة “الصدمة”.
والواقع أن إعفاء الأستاذ بنكيران، شكّل لحظة بداية سلسلة صدمات أخرى، حيث تم الانتقال إلى عمليات “الصعق” بناء على النظرية نفسها، وذلك من خلال بث وتعميم أخبار متتالية من هنا وهناك، تُصوّر المواطنين مغلوبين على أمرهم، وازداد “الصعق” باستعمال العنف بشكل مفرط لمواجهة الاحتجاجات بالحسيمة وغيرها، وكثرة الاعتقالات وقساوة الأحكام الصادرة في حق المتابعين.

والراجح أن عمليات “الصعق” هاته لن تتوقف، إلا إذا تبث للمعنيين أن المغاربة أو أغلبهم باتوا أشبه بصفحة بيضاء، أوتكونت لديهم القابلية أو تعمقت لتقبّل ما يُفرض عليهم، دون أدنى مقاومة، وقد يكون من الصعق المنتظر، ارتفاع في الأسعار يخلق رجة اجتماعية، خاصة بعد اعتماد إجراء تحرير صرف الدرهم !
إن ما يعيشه المغرب ليس جديدا، وتكاد تكون الخطة المتبعة مع نخبه المجتمعية ومواطنيه، هي نفسها المعتمدة مع مجتمعات أخرى، في تجارب دولية في مناطق مختلفة من العالم، كان للمنطقة العربية النصيب الأوفر من الاعتماد خاصة بعد 11 شتنبر 2001.

وللتقليل من خسائر الأخطاء التي ارتُكِبت لحد الآن، فإن المطلوب الإبقاءُ على مستوى الوعي السياسي في درجة اليقظة، لفهم وتفكيك ما يحدث، وتجاوز النقاشات الموجّهة، والاستمرار في تغذية الذاكرة الجماعية، بمواقف ونضالات الصفّ الديمقراطي على امتداد سنوات الحلم بالانتقال وبالتوزيع العادل للثروة، والاستمرار كذلك في استحضار رموز المعارك التي خاضها الشعب المغربي، والاحتفاء بها وتمليكها للجميع، والاجتهاد في بناء جبهة شعبية بمعنى وفائها ودفاعها عن الشعب أمام جشع الشركات الزاحفة على الدولة وعلى المجتمع، قبل أن نجد أنفسنا جميعا ممددين على أريكة طبيب نفساني يطبق علينا نظريات “كاميرون” !!