مجتمع

نقابة ترصد اختلالات في التعليم العالي وتنتقد التعامل الأمني بالكليات

رسمت النقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي، صورة سوداء عن واقع التعليم العالي بالمغرب، مسجلة مجموعة من المؤشرات السلبية التي طبعت الدخول الجامعي الجديد، وانتقدت ما سمته “طغيان الهاجس الأمني” في تدبير مؤسسات التعليم العالي ذات الاستقطاب المفتوح، مطالبة الجهات الوصية بالتدخل لحل مختلف القضايا في هذا الصدد.

وأوضح المكتب الوطني للنقابة المذكورة في بيان له، توصلت جريدة” العمق” بنسخة منه، أن الدخول الجامعي الحالي، عرف “تدني نسب التأطير البيداغوجي والإداري، وتعثر فتح الأحياء الجامعية والتأخر في فتح المطاعم الجامعية، وضعف بنيات الاستقبال، ومشكل الاكتظاظ وتأخر تدبير المناصب، مع سوء وضعف التسيير والتدبير في كثير من المؤسسات التي تسير من طرف مسؤولين بالإنابة”.

واعتبرت أن هذه الملاحظات جاءت “رغم الاشتغال الحثيث لآليات الدعاية واستهدافها التسويق لدخول جامعي أريد له أن يكون استثنائيا بكساحه، في ظل منظومة لازالت تعاني أعطاب الماضي ومشاكل الحاضر وأسئلة المستقبل”، مدينة ما سمته بـ”المقاربة المغلقة التي يعتمدها وزير التربية الوطنية في التعاطي مع العمل النقابي، والمتسمة بالتضييق والتماطل والتلكؤ في الاستجابة للمطالب العادلة والملحة للأساتذة الباحثين”.

قرارات انفرادية

وأشار البلاغ إلى أن تأهيل وتطوير التعليم العالي “لن يتم باتخاذ إجراءات الترقيع وتدابير الواجهة والاستعجال وقرارات الفوق، بعيدا عن جوهر الإشكالات الحقيقية والقضايا الكبرى، وعلى رأسها سؤال وضعية الموارد البشرية التربوية والإدارية بالتعليم العالي، وتدبير ذلك بكفاءة واقتدار وتواصل تام وانفتاح ممأسس وغير مسيس على كل الفاعلين في المجال”.

واعتبرت النقابة أن “القرار الوزاري الانفرادي بإلغاء الترشيحات الخاصة بشغل مناصب رئاسة عدد من مؤسسات التعليم العالي، غير مؤسس قانونا، ويؤدي إلى تمديد المراحل الانتقالية في تسيير المؤسسات مع ما يواكب ذلك من ركود في أخذ مبادرات التطوير وارتباك في التسيير وضرب لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة واستخفاف بعمل اللجان وتبخيس لمقررات هياكلها”.

كما أدانت ما وصفتها بـ”الحملة الإعلامية الممنهجة التي تستهدف التعليم العمومي وتشويه سمعة أطره التربوية والإدارية والمسخرة فيها أقلام أشباه الصحفيين الذين يعملون تحت الطلب بالأجرة في محاولات بئيسة ومكشوفة تستهدف التعليم العمومي وتشويه سمعة أطره التربوية والإدارية بأفق التمكين للتعليم الخصوصي”.

وأكدت النقابة ذاتها، على أن “ربط المسؤولية بالمحاسبة” يقتضي استدعاء التاريخ لتحديد المسؤوليات، وإثارة موضوع ثمن صفقة إقرار النظام الأساسي الحالي للأساتذة الباحثين (نظام سنة 1997)، وعرقلة تسوية بعض الملفات المطلبية وما ترتب عنه من فئوية بغيضة وجمود في الوضعيات الإدارية لأعداد كبيرة من الأساتذة منذ سنين، وما استتبع ذلك من إقرار قانون المستخدمين، ثم الإصلاح البيداغوجي الفاشل، نتج عن ذلك تعثر وعرقلة تطور المسار المهني للأستاذ الباحث، حسب البلاغ.

ولفتت إلى أن مفتاح تأهيل القطاع للنهوض بأوضاعه، “يكمن برد الاعتبار للأستاذ الباحث وتصحيح وضعه الاعتباري داخل المجتمع بالتكفير عن أخطاء الماضي أخذا بعين الاعتبار تراجع ترتيب الأساتذة الباحثين في سلم الأجور إلى دركات دنيا، مقارنة مع بعض أطر الوظيفة العمومية التي يسهرون على تكوينها، وذلك بإقرار نظام أساسي جديد ومحفز يأخذ بعين الاعتبار المقترحات الجد متطورة التي بلورتها الأجهزة الجهوية والوطنية للنقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي”.

الملف المطلبي

إلى ذلك، طالب النقابة المغربية للتعليم العالي، بالرفع من الأجور المجمدة منذ عقدين وإعفاء البحث العلمي من الضريبة على الدخل، وتجويد نظام الترقية على قاعدة دفتر تحملات وشبكة مؤطرة واضحة وضابطة للعملية، والقطع مع نظام الكوطا، مع تسريع تعديل المرسوم رقم 542-13-2 والمتعلق بترقية الأساتذة الباحثين المعهود إليهم بمهام إدارية أو الذين هم في وضعية إلحاق من أجل تسوية وضعياتهم المجمدة منذ سنوات.

ودعت إلى الاستجابة الفورية والطي النهائي لجميع النقط العالقة في الملف المطلبي الوطني، على رأسها تفعيل الاتفاق المبرم بين النقابة ووزير التعليم العالي حول “رفع الاستثناء المجحف وغير القانوني على الأساتذة الباحثين حاملي الدكتوراه الفرنسية، وتمكين من ناقش منهم دكتوراه الدولة بعد 2004 من ثلاث سنوات اعتبارية إسوة بزملائهم، واسترجاع سنوات الخدمة المدنية، وملف الأساتذة المحاضرين الموظفين قبل نظام 1997”.

وشددت على ضورة إيجاد حل للأساتذة حاملي دكتوراه الدولة الموظفين بعد سنة 1997، وإحداث الدرجة دال الخاصة بأساتذة التعليم العالي والدرجة الاستثنائية كدرجة تحفيزية على المزيد من العطاء وتشجيعا للبحث العلمي، ودرجة إضافية بالنسبة لأساتذة التعليم العالي المساعدين أخذا بعين الاعتبار تمديد سن تقاعدهم إجباريا إلى 65 عاما عوض 60 عاما.

وبخصوص الحق في الحركة الانتقالية الوطنية على صعيد التعليم العالي، دعا البلاغ إلى تسوية حالات اجتماعية وصحية لبعض الأساتذة الباحثين كما هو معمول به في القطاعات الأخرى، مشددة على ضرورة مراجعة وتقييم المنظومة البيداغوجية بجميع مستوياتها، أخذا بعين الاعتبار ما يتعرض له الزمن الجامعي من الضياع والهدر المترتب عن طغيان مدة التقييم على حساب مدة التدريس.

ونبهت النقابة إلى “سلبية الاضطراب في الرؤية الوزارية في تدبير ملف المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، على مستوى المهام والوظائف والأهداف والهوية والإطار القانوني”، مطالبة بإضافة المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين إلى قائمة مؤسسات التعليم العالي ‏غير ‏التابعة للجامعات، وتحفيز الموارد البشرية العاملة بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين لاسيما الحاصلين على شهادات دكتوراه الدولة، والدكتوراه، ودبلوم الدراسات العليا، مع رصد الإمكانيات اللازمة لتطوير البحث العلمي الخاص بهذه المراكز.

وفي نفس السياق، رصد البلاغ “الخصاص الكبير في الموارد البشرية التربوية والإدارية بكليات الطب والمراكز الاستشفائية الجامعية”، داعيا إلى التعجيل بفتح مناصب كافية لأساتذة التعليم العالي المساعدين، ووضع حد للعراقيل التي تضعها وزارة الصحة في وجه الأطباء الراغبين في الالتحاق للعمل بكليات الطب بعد نجاحهم في مباريات أساتذة التعليم العالي المساعدين أو بمباريات المراكز الاستشفائية الجامعية، وفق تعبيره النقابة.

كما جددت مطلبها “بهيكلة التكوين المستمر وتحديد المستفيد منه على قاعدة الشفافية بأفق الحد من الفوضى المتواطئة في تدبير هذا الملف، مع ضرورة إصدار ترسانة قانونية ضابطة لهذا التكوين، حتى لا يزحف على مواقع التكوينات الأساسية بمؤسسات التعليم العالي العمومي”، مسجلة “غياب استراتيجية وطنية لتحديد الأولويات الوطنية للبحث العلمي، مما يفوت على الوطن مناصب شغل عديدة ومكاسب مالية ضخمة أمام الارتهان لمشاريع البحث الدولية التي تخدم أهداف واستراتيجية الدول الأجنبية”.

النقابة ذاتها، انتقدت ما سمته “طغيان الهاجس الأمني في تدبير مؤسسات التعليم العالي ذات الاستقطاب المفتوح، وانعدام توفير أية حماية للطلبة والإداريين والأساتذة الباحثين من موجات العنف التي تجتاح بعض الجامعات والمؤدية إلى الاستفزاز والتعنيف والاحتجاز والفوضى التي تهدف إلى تخريب التعليم العالي العمومي خدمة لأجندات مشبوهة”.

وسجلت “بأسف كبير غياب تخطيط وتنظيم مبادرات إرشاد الطلبة الجدد لمساعدتهم على حسن التوجيه لاختيار المسالك التي تناسب تكوينهم وطموحهم، مع انعدام الجسور بين مختلف المسالك بسبب الهندسة البيداغوجية المغلقة، الشيء الذي يؤدي إلى الارتفاع المخيف لنسب الهدر الجامعي مقارنة مع الدول المماثلة لنا”.

كما سجل البلاغ ما سماه “التعثر الذي تعرفه مختلف مشاريع البحث العلمي الممولة من مؤسسات وطنية أو دولية بسبب البطء الإداري والعراقيل التي تضعها وزارة المالية أمام المشاريع العلمية على مستوى تدبير وصرف الميزانية، الشيء الذي يعوق تقدم وتطور الأبحاث ومن تم تأخر الطلبة الباحثين في مناقشة أطاريحهم”، مطالبا برفع يد التجميد والركود على مراكز دراسات الدكتوراه، وإعادة النظر جذريا في تسمية ومحتويات تكوينات الدكتوراه.

بالموازاة مع ذلك، أعلنت النقابة عن تضامنها التام مع “جميع مناضلي النقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي الذين يتعرضون لبعض الاستفزازات والمضايقات في بعض المؤسسات”، محملة المسؤولية الكاملة لمسؤولي هذه المؤسسات في فرض احترام القوانين والضوابط البيداغوجية المؤطرة.

واستغربت “استمرار مؤسسة جامعية في الاشتغال بشعبة واحدة لمدة سنيين بمنطق الهيمنة، ورفض فتح شعب أخرى لباقي التخصصات التي تدرس بهذه المؤسسة، وهو ما يبين الفساد البيداغوجي والإداري المستشري في هذه المؤسسة وفي غيرها من المؤسسات”، مطالبة الوزارة الوصية بالعمل على تصحيح هذه الوضعية الغريبة وفتح تحقيق للوقوف على التجاوزات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *