وجهة نظر

هل يتجه حزب الدولة في المغرب لحل نفسه؟

يمر حزب الأصالة والمعاصرة بتطورات متسارعة يصعب أن تفهم في سياق ذاتي وبمعزل عن الأزمة التي تعاني منها الدولة منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية الماضية.
بدأت القصة بتقديم الأمين العام لهذا الحزب استقالته عقب خطاب العرش الذي وجه نقدا قاسيا للأحزاب بلغ حد الإعلان عن عدم الثقة فيها، وذلك بسبب حراك الريف الذي أسقط الوسائط السياسية والمدنية، وأدخل الملك في منطقة التماس المباشر مع الجمهور الغاضب.
استقالة كشفت بالملموس، أن الدولة لم تعد قادرة على المجازفة أكثر بهذا الحزب، بعد أن تصدر العدالة والتنمية نتائج الانتخابات الجماعية 2015 والانتخابات التشريعية 2016، بل ولم تعد الدولة تتحمل أن توضع في حرج البحث عن خيارات مباشرة لإضعاف حزب عبد الإله بنكيران، إذ اضطرت أن تستخدم التأويل الدستوري لإعفائه، وإنتاج واقع سياسي مخالف لنتائج الانتخابات، والرمي بأزمتها إلى العدالة والتنمية.
إلى الآن، لا تظهر بالتحديد نوايا الدولة بخصوص حزبها، الذي استثمرت فيه منذ الإعلان عن نتائج انتخابات 2007، إذ اضطرت أن تخرج أحد رجالاتها من الإدارة الترابية بعد أن كان المسؤول الأول عن إدارة الملف الانتخابي بوزارة الداخلية، ليقوم بتأسيس «حركة لكل الديمقراطيين، ثم حزب الأصالة والمعاصرة الذي خرج من عباءتها.
لاشك أن حراك 20 فبراير أيقظ الدولة، وأفهمها بضرورة إعطاء قدر من المسافة عن حزبها، فاضطرت أن تخرج فؤاد عالي الهمة من الحقل الحزبي وتعيده إلى مكانه الطبيعي، لتبدأ تجربة أخرى لهذا الحزب، بقيادة فعلية لشخص «مقرب»، وبواجهة سياسية شكلية، مع الأمناء العامين الثلاثة السابقين حسن بنعدي، وبيد الله، ومصطفى الباكوري، حتى دفعت استراتيجية العدالة والتنمية، هذا الحزب إلى ارتكاب خطأ تكتيكي بإخراج الأداة إلى واجهة الفعل السياسي، أي انتخاب إلياس العماري أمينا عاما وخروجه من منطقة الظل التي كانت تشكل نقطة قوته.
انتخابات السابع من أكتوبر، أعطت مؤشرات على تبخر الاستثمار الضخم للدولة في هذا الحزب بسبب أخطاء سياسية قاتلة ارتكبها أمينه العام، تسببت في تقويض شعبية هذا الحزب، واضطرار الإدارة الترابية للخروج عن قاعدة الحياد في الانتخابات والانخراط بقوة لمنع المحظور.
ثمة تباين حاد حول مستقبل هذا الحزب، يعبر عنه الصراع المحموم داخله: البعض يخوض حملة قوية للتخلص من أمينه العام وعصبته، والبعض يركب لغة السياسة في المواجهة، ويقدم عرضا سياسيا للدولة، مضمونه أنه بالإمكان إصلاح الحزب، وإعادة الاشتغال على فكرة الدولة التكتيكية (التحالف بين العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة)، فيما انخرط قسم ثالث في التصفية السياسية لهذه القيادة بتسريب ملفات الفساد المالي وخلق بؤر التوتر بينها وبين المؤسسة الملكية، فيما يترقب الآخرون آثار هذه الحملة، وسط أسئلة حول توقيتها والأدوات المستعملة فيها وما إذا كانت جهات في الدولة بمنأى عن ذلك.
السيناريوهات المطروحة محدودة، الأول أن يتم الاشتغال على إصلاح الحزب، بالتخلص من إلياس العماري وجناحه. لكن، مشكلة هذا السيناريو أن ما تبقى من مكونات الحزب، أكثرهم أعيان تمترسوا به لاعتقادهم بوجود مقرب إلى الملك يحمي مصالحهم ويدفع بهم نحو الثراء، وأنه يصعب إعادة بناء حزب استنزفت شعبيته بشخصيات يسارية محدودة لها مواقفها المشهودة في مقاومة الانحراف داخل الأصالة والمعاصرة، في الوقت الذي التف عدد من قيادات اليسار إلى جانب الأمين العام المستقيل.
أما السيناريو الثاني، وهو أن تكون الدولة بصدد التخلص من حزبها، وهذا يطرح إشكالات ثلاثة: الأول قانوني يرتبط بالعوائق التي يثيرها منع الترحال السياسي، خاصة وأن مقاعد هذا الحزب تتجاوز المائة في البرلمان، والثاني سياسي، يرتبط بمدى قدرة أحزاب الدولة (الأحزاب الإدارية) أن تصنع التوازن السياسي الذي تبحث عنه الدولة مع حزب العدالة والتنمية، ويرتبط أيضا بطبيعة المعارضة السياسية، بعد دخول حزب الاتحاد الاشتراكي إلى غرفة الإنعاش، ووجود تحالف سياسي على قاعدة الإصلاح الديمقراطي بين العدالة والتنمية وحزب التقدم والاشتراكية، وهيمنة حالة من الغموض على مستقبل حزب الاستقلال الذي تتدافع فيه ثلاثة تيارات (موال لأطروحة الدولة، ومواجه لها، وداع لخيار ثالث غير واضح القسمات السياسية إلا ما يرتبط بقضية الحفاظ على التماسك الداخلي للحزب) ويرتبط ثالثا بالصورة السياسية للدولة، التي يمكن أن تتهم بافتقاد الرؤية والكادر السياسي المشير الذي يمكن أن يجنبها حرج فشل رهان سياسي وضعت في سلته كل بيضها في الاقتراعين السابقين لسنة 2015 و 2016.
طبعا، هناك خيار ثالث، داخل السيناريو الثاني، وهو الإعلان عن حل هذا الحزب بشكل ذاتي، أي تحقيق وصفة بنكيران، والتخلص من إرث طالما استعمله العدالة والتنمية كمادة سياسية لتقوية مواقعه الانتخابية، لكن هذا السيناريو ذاته، بالإضافة إلى نفس الإكراهات القانونية والسياسية السابقة، يعترضه إكراه الحرج السياسي الذي يمكن أن تقع فيه الدولة بعد أن تختار النزول عند وصفة بنكيران الذي أبعدته عن مربع التسيير الحكومي.
الخلاصة، أن حزب الأصالة والمعاصرة لا يعيش اليوم ورطته لوحده، بل هذه الورطة نفسها هي تعبير عن ورطة أكبر تعانيها الدولة في تعاطيها مع الحقل الحزبي، إذ أثمر تدخلها غير العقلاني في هذا الحقل في بعثرة كل الأوراق، وحلحلة المواقع، فباستثناء حزب العدالة والتنمية وحزب التقدم والاشتراكية اللذين حددا موقعهما وتموقعهما في خط النضال والشراكة من أجل الديمقراطية، فإن الأحزاب الرئيسية الأخرى تعيش غموض الموقع، والتباس التموقع، وارتباك الخط السياسي، والصراع حول القيادة، أي أن الدولة فقدت كليا الخيارات العقلانية لبناء التوازن السياسي، ولم يعد لها إلا تفعيل الخيار الانقسامي للتحكم في كل الأحزاب، وصياغة الخريطة السياسية المقبلة موالاة ومعارضة بتكتيك التقسيم واجتداب الولاءات داخل الأحزاب، وهو الخيار الذي يصعب التنبؤ بإمكان نجاحه، فمؤتمر حزب الاستقلال الذي تعثر الأسبوع الماضي، يعطي صورة عن الممانعة التي يمكن أن تبديها الأحزاب لمثل هذه الخيارات غير العقلانية.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *