مجتمع

“الشيباني” قصة 800 عامل مغاربي ظلمتهم “سكك الحديد” الباريسية

يتكأ الحج سعدي، البالغ من العمر 74 عاماً، على مقعد قصي في ساحة “سانت جورج” في تولوز. ينظر بعينين ساهيتين إلى الشبان الذين يلتهون بمزاحهم. لا يعنيه من الوقت سوى استمتاعه البطيء بشمس تشرينية خجولة. “الوقت لا متعة فيه”، يقول الرجل الذي قضى جزءاً كبيراً من حياته عامل صيانة في “مترو الأنفاق”، فيما يمضي حالياً أيامه الرتيبة، مع زوجته في شقة صغيرة في الجنوب الفرنسي.

يقضي جل وقته متسكعاً. جالساً يراقب المارة، أو مستمتعاً بأحاديث عابرة مع رجال من عمره، يطلق عليهم اسم «شيباني». وهم دفعات من الرجال المغاربة خدموا لسنوات طويلة في شركة سكك الحديد الفرنسية “اس ان سي أف” ويواجهون قضية استئناف لتحديد تعويضات أقرتها لهم المحكمة الفرنسية ويبلغ عددهم 800 شخص، ولكل واحد منهم تعويض يصل إلى 400 ألف يورو.

يقول الحج سعدي لـ”القدس العربي”: “ما زلت أذهب إلى باريس للوقوف على حقي وحق أولادي. لقد خدمت هذه الشركة سنوات طويلة وتأجل سن تقاعدي إلى 68 عاماً، ولم أحظ بأي تعويض، ويريدوننا ان نتخلى عن حقنا الطبيعي”، موضحاً: “بعد سنوات طويلة من دعاوى قدمناها للمحكمة أقر لنا التعويض. وفي العام 2015، صدر القرار ولكن إلى اليوم ترفض الشركة الدفع وطالبت بالاستئناف”.

حكاية الحج سعدي، يعاني منها كثيرون من زملاء عمل، ما زالوا يعيشون في فرنسا بإقامات عمل عادية، وبعضهم حاز على الجنسيات وبعضهم رفض التقديم عليها والمطالبة بها، رغم ان كثيرا منهم يعيشون منذ السبعينيات في فرنسا، ويعملون في سكك الحديد ولكنهم لم ينالوا أي أجر أو حق مثل الأوروبيين أو الشباب الأقل سناً، وعانوا من “التمييز” الذي بسببه قالت المحكمة انهم يستحقون التعويض من أجله بعد سنوات عاشوها في أدنى الظروف الوظيفية.

يقول محمد مهدي، البالغ من العمر 69 عاماً، “انه عمل مع الشركة 50 عاماً، منذ كان في التاسعة عشرة من عمره ولم يحظ بأي تعويض، مؤكدين انه خاضع لعقود خاصة ولا يحق من خلالها ان يسترجع حقه، لكن بعد قرار المحكمة يأمل في ان يسترد حقه ولو بعد أجل، لقد أضعت كل عمري في هذه الشركة، يحق لي ان أستعيد بعضاً من كرامتي”، يقول متحسراً.

يرشف محمد مهدي من فنجان “اسبرسو” صغير رشفات قليلة، ويتطلع إلى الجالسين حوله في المقهى، ويقول: “لو يعرف معظم هؤلاء ماذا عانينا؟ لقد عملنا ساعات طويلة في الشتاء والعواصف والحر الشديد وبظروف صعبة وبعضها خطيرة ومميتة، من أجل ان يمر الجميع بسلام في القطارات أو داخل مترو الانفاق، واليوم لا أحد يدعم قضيتنا. لقد ضحينا بعمرنا من أجل سلامة الناس وخاطرنا، ولم يبق لنا من العمر سوى سنوات قليلة. كل ما نريده تعويضنا الذي هو حق لنا كي نكمل حياتنا في المغرب. في وطننا حيث قلوبنا”، على ما يقول دامعاً.

والحال، ان محكمة باريس تستأنف منذ أشهر في جلسات منفصلة قضية هؤلاء العمال، “الشيباني” (نسبة إلى الشيب) وبلغت قيمة التعويضات التي قدرت أمام مجلس تسوية النزاعات بين العاملين والشركات في باريس بـ170 مليون يورو، لكن الشركة استأنفت الحكم.

وكانت الشركة الوطنية الفرنسية لسكك الحديد وظفت حوالي ألفي مغربي في سبعينيات القرن الماضي، بموجب اتفاقية وقعت بين فرنسا والمغرب، لضمان “المساواة في الحقوق والمعاملة” مع الفرنسيين.

وتنفي الشركة العامة أي تمييز وتقول إن عمال سكك الحديد الخاضعين لصندوق تقاعدي محدد أفادوا من قواعد هذا الصندوق، وكذلك المواطنين الأوروبيين الذين تقل أعمارهم عن ثلاثين عاما عند توظيفهم. أما الآخرون الذين يسمون في بعض الأحيان «السكان الأصليين لسكك الحديد» فكانوا عمالا تعاقديين أي موظفين بعقد خاص ولم يستفيدوا من ذلك.

عن القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *