وجهة نظر

فكر التجزئة وحالة التعبئة في أفق التهدئة

قرار الشرك بالمشاركة هو تعبير عن منظومة ثقافية بسيطة تسعى جاهدة إلى إختزال الازمة الجامعية بشكل خطير في طبيعة النظام البيداغوجي مع تحييد و وتغييب كل الأبعاد التي تشكل جوهر السياسة العمومية في التعليم مع إزاحة مساءلة النموذج التربوي/التعليمي الذي ارتهن اليه القطاع لعقود من الزمن الإنساني في غياب تام لمشروع مجتمعي منصف عادل وديمقراطي لتبقى ظاهرة الهدر الإنساني الناتجة عن هذا الفراغ المصطنع في المجال مسألة لا تغتفر بمنطق دولة المجتمع.

فالحديث هنا عن الأزمة المعقدة و المتشابكة التي تتعدى حدود قراءة أو كتابة حروف المشاركة من عدمها فالعيب في أسلوب الفهم والفكر وكل العيب في أداة العقل المنظر والمنظم والذي “قدر فهدى”  إلى اختزال الأزمة الجامعية في الصيحة/التعبئة بهدف تحقيق حالة من التهدئة تحت عنوان إجرائي/تصعيدي عِوَض حراك فكري/استراتيجي لإصلاح شمولي في الهياكل والنظم والموارد : بما يعني تقييم الوضعية، تقويم المسار وإقامة الأبنية  والأوعية والنظم.

وإن شاؤوا مساءلتنا عن طبيعة النماذج في المجال فسوف نحيلهم إلى هندسة البرامج وصياغة المناهج إنه الرأي الصائب و الأمثل في مسلك البناء الإنساني “إنسان عقول”: إنسان ذو عقل وقلب وصاحب وجه ولسان حق.

إن عنوان التعبئة من أجل التهدئة نهج غير واقعي يتم على حساب تحريك القدرات وصناعة الوعي و ضرورته التاريخية و الذكاء الجماعي والفعل التراكمي لفهم الواقع الجامعي و تحليله و تغييره. و هذا لا يتم الا عبر تملك ادوات العمل المهني من جهة وتفعيل الأداة النقابية بشكل صادق من جهة أخرى مع اجتراح آليات التفكير و الربط و الاستنتاج و الاستنباط بغية إسناد الفعل النضالي الخالص.

فبقدر ما المجتمع معاق بالريع و الفساد والجامعة لم تستفق بعد من الضربات الإعلامية الخاصة واللكمات السياسية العامة بشتى  أشكالها يبقى الأمل في الكتلة الحرجة والنخبة المناضلة من أجل المرافعة والدفاع عن القضية الجامعية بعيدا عن بلاغات المزايدة وإشارات المصلحة من لدن العقل المكلس و الجامد بصناعات الغباء و الجهل (Agnotologie) و ضرورة حصر التفكير في إشباع الغريزة الذاتية والمصلحة الشخصية.

للاسف الشديد هذا واقع المجتمع والجامعة التي يراد تأبيد و ضعيتها بمخطط خاص مهيكل و مؤطر استراتيجيا و اعلاميا و ثقافيا و سياسيا وإفساديا من طرف أنصاف الرجال ممن يدعون النضال ووو.فاليوم قبل البارحة  نحن بحاجة ملحة الى رباعية قيم تبدأ بحرف “ص”: (صراحة-صدق-صبر-صمود) لتفكيك  منظومة الجهل و التخلف و الفساد والبداية من الذات لأن الموضوع فيه “إن ّ” !!

هل تعرفون ماذا تعني قصة إنّ ؟؟!!مِنْ ذكاء العرب ونباهتهم !دائمًا يُقال « الموضوع فيه إن!!«

كان في مدينةِ حلَب أميرٌ ذكيٌّ فطِنٌ ومناضل ليس بالضرورة حامل لصفة نقابي اسمه (علي بن مُنقِذ )، وكان تابعًا للملك (محمود بن مرداس)
حدثَ خلافٌ بين الملكِ والأميرِ حول موضوع المشاركة من عدمها في فعاليات إحدى الاستحقاقات، وفطِن الأمير إلى أنّ الملكَ سيقتله لرأيه وموقفه وسيضع حدا لحياته، فهرَبَ أو بالأحرى هاجر مِن حلَبَ إلى بلدة دمشق .

طلب الملكُ مِنْ كاتبِه الخاص أن يكتبَ رسالةً وليس بلاغا إلى الأمير عليِّ بنِ مُنقذ ليطمئنُهُ فيها ويستدعيه للرجوعِ إلى حلَب.
وكان من دهاء الملوك أن يجعلوا على رأس وظيفةَ الكاتبِ الخاص رجل  ذكي ومحنك، حتى يُحسِنَ صياغةَ الرسائلِ التي تُرسَلُ للملوك، بل وكان أحيانًا يصيرُ الكاتبُ ملِكًا إذا إلتحق الملك بالرفيق الأعلى.

شعَرَ الكاتبُ الخاص بأنّ الملِكَ منعدم الضمير ينوي الغدر بالأمير، فكتب له رسالةً عاديةً جدًا لكنها مشفرة حيث كتبَ في نهايتها :” إنَّ شاء اللهُ تعالى “، بتشديد النون ! لما قرأ الأمير مضمون الرسالة، وقف متعجبًا عند الخطأ اللغوي في نهايتها، فهو يعرف حذاقة الكاتب الخاص ومهارته في البلاغة وليس كحماقة المقرر من بنو مرين في الصياغة، لكنّه أدرك فورًا أنّ الكاتبَ الخاص يُحذِّرُه من شئ ما حينما شدّدَ على حرف النون وما يسطرون! ولمْ يلبث أنْ فطِنَ إلى قولِه تعالى :
( إنّ الملأَ يأتمرون بك ليقتلوك )

ثم بعث الأمير رده برسالة عاديّةٍ يشكرُ للملكَ أفضالَه النضالية ويطمئنُه على ثقتِهِ الشديدةِ به، وختمها بعبارة :

« إنّا الخادمُ المُقِرُّ بالإنعام »بتشديد حرف النون !  فلما قرأها الكاتبُ فطِن إلى أنّ الأمير يبلغه أنه قد تنبّه إلى تحذيره المبطن، وأنه يرُدّ عليه بقولِه تعالى :
(إنّا لن ندخلَها أبدًا ما داموا فيها)

واطمئن إلى أنّ الأمير ابنَ مُنقِذٍ لن يعودَ إلى حلَبَ ما دام أهل الزبد والحليب صاروا من دعاة الفكر المنير في ظلِّ وجودِ ذلك الملكِ الغادر القاهر والماكر.
ومنذ هذه الحادثةِ، صارَ الجيلُ بعدَ الجيلِ يقولونَ للموضوعِ إذا كان فيه شكٌّ أو ريب وغموض مثل بلاغ الشرك بالشراكة وعدم المشاركة :  « الموضوع فيه إنّ » !

ـــــ

أستاذ جامعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *