منوعات، وجهة نظر

بنعباد يكتب : الواعظ والإنسان الأخلاقي

يعد عمرو خالد النموذج الأبرز “للواعظ” الناجح؛ الذي استطاع بأسلوبه وطريقته أن يقنع آلاف الناس بنموذجه في التدين “اللطيف؛ البسيط؛ المحقق لعائد دنيوي..” (بغض النظر عن الموقف من إسلام السوق الذي يدعو إليه).

لقد تحول عمرو خالد رمزا عابرا للقارات ومحاضرا بارعا؛ تذوب لحلاوة منطقه القلوب؛ وتسيل من جمال حكيه الدموع؛ بل واخترق طبقات اجتماعية “نوعية” وأكسبها إلى حركة التدين والصحوة والدعوة.

رغم هذا النجاح الباهر في الدعوة والوعظ؛ سقط عمرو خالد من عيون كثيرين لأنه فشل في امتحان “الأخلاق” و”الإنسانية”.

الواعظ الأشهر في العالم العربي؛ فشل أن يطبق تلك المعاني والقصص التي يحفظها ويدعوا المؤمنين إليها. لقد فشل في امتثال تعاليمه ودروسه ومحاضراته ومواعظه؛ لم يلتزمها، وتهرب من أعبائها ساعة الحقيقة.

رسب الواعظ العالمي في امتحان الأخلاق والإنسانية؛ فالتزم الصمت تجاه الجريمة (مذابح الثورة المضادة)؛ وسكت عنها حتى لا يظهر ضد “الوحدة” الوطنية؛ ويقف ضد الجيش “أب” الدولة المصرية؛ ثم لم يلبث أن دافع عن الجريمة؛ وفي مرحلة ثالثة اتهم الضحية بارتكاب الجريمة.

حكاية عمرو خالد ببساطة حكاية كثيرين ينجحون في “الشفوي” بتميز؛ وينهارون في “التطبيق””، أمثال عمرو خالد كانوا في التاريخ الغابر؛ موجودون في الحاضر؛ وقادمون في المستقبل.

هذه النماذج تملك شعورا بأن دروسها للناس؛ ومواعظها موجهة للآخر، لأنها متعالية عن سفاسف حياة الناس، فهي فوق امتثال التوجيه والموعظة والنصيحة والنقد.
أمثال عمرو خالد درس حي في الفرق بين المتدين الذي يكون واعظا ناجحا ويكون إنسان أخلاقيا فاشلا.

في المقابل يقف الإنسان الأخلاقي، فهو إنسان أولا؛ وأخلاقي ثاني، إنسان لأنه يخطئ؛ ويصيب؛ ويعصي خالقه، وربما يكفر به؛ أو حتى يكون ملحدا؛ لكنه لا يختلط عليه الأمر في “الكليات” الأخلاقية، قد يعتبر الصواب خطأ أو الخطأ صوابا، لكنه أبدا لا يقبل أن يعتبر الحق باطلا أو الباطل حقا.

فضائل الإنسان الأخلاقي قد تكون منعدمة أو تكاد، لكن فضيلته الأساسية هي تفريقه “القيمة الأخلاقية” عن “العلائق” الاجتماعية، فلا يجعل أخوة عِرْق فوق حق؛ ولا أخوة دِينٍ فوق حق؛ ولا أخوة قَبِيلَة وفوق حق؛ ولا أخوة تنظيم فوق حق؛ ولا أخوة تنظيم فوق حق؛ ولا أخوة تنظيم فوق حق..

الفرق بين النموذجين أن الواعظ يقول ويحدث ويكلم، ولايستطيع أن ينقل كلامه من عالم القول إلى عالم الفعل أي إلى “حقائق” سلوكية، بل ويتبرم من “الحقيقة”، خوفا من كُلفة هذا الانتقال “العينية”.

قد يصبح المرء بالكد والجهد والتعلم والحفظ واعظا وداعية ناجحا؛ لكنه يفشل أن يكون إنسانا أخلاقيا. كما لا يجب أن يخفى علينا، أن كل إنسان أخلاقي واعظ وداعية بالضرورة، وليس كل داعية وواعظ كائن أخلاقي.

ــــــــــــــــ

كاتب وصحافي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *