وجهة نظر

اسمع أيها الرئيس الصغير (ح1)

الفقيه اللي نتسناو براكتو دخل للجامع ببلغتو
صورة مصغرة عن تجربتي داخل الولاية الحالية للمكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب
(من 7 شتنبر 2012 إلى 17 شتنبر 2017)

سأحدثكم عن علاقتي بالولاية الحالية لاتحاد كتاب المغرب، (والتي طالت أكثر من اللازم) وعن دوري فيها والمواقف التي اتخذتها رفقة قلة من أعضاء المكتب التنفيذي، إن لم أقل شخصا واحدا قبل أن ينسحب، هو الآخر، من اللعبة. هذه المواقف التي لم تجد لها آذانا صاغية داخل المكتب، كما سأحدثكم عن باقي الحيثيات التي أحاطت بعمل المكتب.

طبيعة مشاركتي في المؤتمر الثامن عشر للاتحاد:
ذهبت إلى المؤتمر الثامن عشر لاتحاد كتاب المغرب وكلي أمل في تحسن وضع الاتحاد وخروجه من الأزمة التي كان يتخبط فيها بعد “الانقلاب” الذي جرى على الرئيس السابق عبد الحميد عقار. وكنت قد حاولت التدخل في إبَّانه مع الأستاذ عقار لرأب الصدع وتجاوز الوضع لكن محاولاتي باءت بالفشل.

لن تصدقوا ما سأقول الآن، ولا يهمني أن تصدقوا، لأنني أنا نفسي لا أصدق ذلك، لكن بصراحة، عندما حضرت المؤتمر، لم تكن لديَّ أدنى رغبة أو تطلع للصعود إلى المكتب التنفيذي. فقد ذهبت للمشاركة كمؤتمرة قاعدية لا غير وكان لمجريات الأمور أن فعلت فعلها ووجدتني مرشحة لرئاسة الاتحاد ثم عضوة في مكتبه التنفيذي. ولن تصدقوا أيضا أنني، في تجربتي الأولى في المكتب المركزي في ولاية محمد الأشعري لم أذهب إلى المؤتمر الذي انعقد في المحمدية بنية الصعود إلى المكتب، ولم أرشح نفسي إلا بدافع غيرة مبتذلة لعاشقة تحاول بيأس الحيلولة دون حبيبها وإحدى عشيقاته بعد ترشح الاثنين للمكتب؛ بل أكثر من ذلك، حتى عندما شغلت كاتبة عامة لفرع الرباط، لم أكن قد حضرت اجتماع تجديد الفرع لأرشح نفسي. وبمجرد ما أن استقر كتاب الفرع في أماكنهم في مقر الاتحاد حتى مر قمري البشير بورقة يسجل فيها من يرغب في الترشح، وعندما سألني أجبت بالنفي، لكن بمجرد أن سمعت التقرير الهزيل الذي قدمه محمود عبد الغني مبررا عدم اشتغاله بخلافه مع حسن نجمي، حتى قررت الترشح ورفع التحدي وإظهار أن المرأة الكاتبة يمكن أن تقدم تقريرا أوفر وأنضج مما قد يقدمه الكُتَّاب، وقد حصلت على المرتبة الأولى في الانتخابات ونجحت في أداء مهمتي ككاتبة عامة للفرع بامتياز، وبتنويه من الرئيس الحالي لاتحاد كتاب المغرب نفسه.

كان المؤتمر في يومه الأول بعد الانتهاء من الجلسة الافتتاحية شبيها بالمؤتمر السادس عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب أو بمؤتمر الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين. كان مؤتمرا ساخنا مشتعلا، تميز بغياب رئيس الاتحاد عبد الحميد عقار وأعضاء من مكتبه التنفيذي المنسحبين، على رأسهم الكاتب عبد الفتاح الحجمري، كما تميز بتبادل التهم بين نفس الأعضاء الحاضرين منه، ثم بينهم وبين المؤتمرين. جاء الجميع إلى المؤتمر لتصفية حسابات متعددة ومتشابكة، وكان الرئيس الحالي للاتحاد يتلقى الضربات من جميع الجهات بقوة خارقة أذهلت الجميع.

كانت مشاركتي المتواضعة في المؤتمر تنطلق من حدود معرفتي بالساحة الثقافية المغربية ودور المثقف فيها ودور المنظمات التي تمثل الكتاب (اتحاد كتاب المغرب في حالتنا) كما تنطلق من تجربتي الكبيرة في منظمات المجتمع المدني داخل المغرب وخارجه، وبصفة خاصة من تجربتي كفاعلة نسائية شاركت في تأسيس الحركة النسائية المغربية. كنت من داخل الاتحاد أناضل من أجل “تأنيث” هذا الأخير، ووصول الكاتبات إلى مراكز القرار به. وقد عملت على ذلك من خلال مسألتين اثنتين: الأولى ترشحي لرئاسة الاتحاد مع علمي المسبق باستحالة صعودي رئيسة بحكم معرفتي المسبقة باللوبيات السياسية الذكورية المحيطة بي وبالاتحاد، وبحكم رهبتي أيضا من المسؤولية التي تنتظرني في حالة وقوع معجزة وإبانة الاتحاد عن بعض النضج الوجودي وتصويت أغلبية الكتاب عليّ. والثانية الدفاع عن المناصفة للكاتبات داخل الهيئات التنفيذية والتقريرية للاتحاد.

ما الذي حدا بي إلى اتخاذ هاذين الموقفين؟
أول ما حدث هو أن جميع المرشحين للرئاسة كانوا ذكورا. استفزني الأمر، فرفعت أصبعي بكامل الوعي وترشحت للرئاسة. هذا كل ما في الأمر. بكل هذه البساطة. قد يلاحظ بعضكم أنني أشتغل وفق ردود أفعال وليس وفق أفعال مخطط لها سلفا، قد يكون هذا صحيحا في بعض المواقف. وقد سعدت لأنني جئت الثالثة في الترتيب عند فرز النتائج، رغم هزالة الأصوات التي حصلت عليها (12 من مجموع 204)، وقد أسررت لنفسي أن هذا مؤشر على بدء التغيير اتجاه الكاتبات من داخل الاتحاد، ذلك أنه كان هناك كاتبان ترشحا للرئاسة وحصلا على عدد أقل. ربما كان هذا في حد ذاته تقدما، خاصة إذا أخذنا بالاعتبار أنني لم أعلن عن ترشيحي مسبقا ولم أقم بأية حملة في هذا الشأن، ولم أتخذ قرار الترشح سوى في آخر لحظة لأختبر ذكورية اتحاد لم ينجح، مع الأسف، في الاختبار. غير أن الشباب كان أيضا ضحية للاتحاد، ذلك أن عضوين شابين ترشحا فحصلا على آخر النتائج (عبد الناصر لقاح حصل على ثلاثة أصوات وبوسلهام الضعيف على صوتين) وهذا دليل على كون الاتحاد ما يزال عاجزا على وضع الثقة في فئة الشباب من أجل تسييره وضخ دماء جديدة فيه. الاتحاد لم ينجح إذن في رفع التحدي الخاص بالفئات الهشة داخل المجتمع ألا وهي فئتي النساء والشباب.

لقد كنت أدافع باستمرار على ضرورة وصول النساء إلى مراكز القرار داخل اتحاد كتاب المغرب كما دافعت على وصولهن لرئاسة الاتحاد منذ المؤتمر السادس عشر، عندما لم يكن هناك أي اتحاد عربي يضم امرأة كرئيسة. طالبت بأن يسجل الاتحاد سبقا في الموضوع هو الذي يتألف من كتاب مثقفين، عليه أن يكون طليعيا في تبنى قضية المرأة الكاتبة والدفاع عنها. وهكذا وجدت نفسي كمن يخبط في الماء. بعدها بقليل سبقنا كل من اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بالتصويت على الشاعرة هدى أبلان على رأس الاتحاد ثم اتحاد الكتاب التونسيين بالتصويت على الشاعرة جميلة الماجري كرئيسة، فيما ظل اتحاد كتاب المغرب سجين عقليته الذكورية. بل أكثر من ذلك، ففي المؤتمر السابع عشر، لم تصعد أية امرأة كاتبة إلى المكتب التنفيذي الذي تقلص عدده من 11 عضوا إلى تسعة. ويوجد من الظرفاء من اعتبر غياب العنصر النسوي في المكتب هو الذي عجل بالصراعات و”بالانقلاب” على رئيس الاتحاد آنذاك الأستاذ عبد الحميد عقار.

حاولت في المؤتمر الأخير استخدام كل طاقتي من أجل الدفاع عن مبدأ المناصفة للكاتبات داخل الاتحاد. كنت كمن يطلق صرخة في واد، لكن مساندة الكاتب حسن نجمي لي ولمواقفي جعلتني أحقق بعض النصر. لقد أثارني عدم تدخل أية كاتبة من أجل نصرتي، وذلك إما بسبب جبنهن أو عدم استيعابهن للموضوع، أو انتهازيتهن ورغبتهن في انتظار ما يسفر عنه نضالي من مكاسب للاستفادة منها، أو بسبب إعطاء بعضهن الأولوية للمواقف السياسية على القضية النسائية. وقد صدمت لموقف رشيدة بنمسعود التي لم تحرك ساكنا عندما بدأت أتحدث عن المناصفة؛ هي التي كانت قد اتصلت بي في السابق وحدثتني في موضوع عدم وجود أية رئيسة للاتحاد. وأذكر أنني مرة طرحت في اجتماع للمجلس الإداري لاتحاد كتاب المغرب، حضرته بصفتي كاتبة عامة لفرع الرباط، مسألة الكوطا بالنسبة للنساء، وعندما هممنا بالمغاردة التحقت بي رشيدة بنمسعود وحاولت أن تفهمني أن مسألة الكوطا لا يمكن طرحها داخل الاتحاد، ذلك أنه -عكس عدد من المنظمات الأخرى-يعمل في كل مؤتمر على فسح المجال لتواجد عدد من الكاتبات ضمن مكتبه التنفيذي. وقد أقنعتني بذلك إلى أن اكتشفت بشيء من المرارة تسبيقها القضايا السياسية على المواقف النسائية.

لقد وجدت صعوبة جمة في إقناع رئاسة المؤتمر وأعضاء الاتحاد بضرورة تطبيق المناصفة كما جاء بها الدستور المغربي، ولن أرض بغير المناصفة بديلا. فانبثق صوت في مقدمة القاعة لم يكن سوى صوت أنور المرتجي قائلا بكل تبجح: سنعطيكم نسبة 20 في المائة من المقاعد، مدعيا أن النساء قد لا يرغبن في الترشح وأنه سيخلق مشكلة إذا كان القانون الأساسي ينص على المناصفة ولم يكن هناك من النساء من يرغبن في الترشح، وغير ذلك من تلك الأسطوانة المشروخة التي يثيرها الذكور في وجه النساء لإثباط عزيمتهن. من أنتم لتفاوضوننا حول نسبة المشاركة؟ ماذا ستعطوننا؟ من أنتم سوى شرذمة من الكتاب البؤساء. حاولت ضبط النفس، وأخذت الكلمة مرة أخرى، وقلت فلينص القانون الأساسي على المناصفة إذا رغبت الكاتبات في الترشح، وإذا لم ترغبن في ذلك يعوضهن الكتاب الذكور. ظلت المزايدات على النسبة كأننا في سوق خضار يتفاوض الزبون مع البائع عن سعر السلع إلى أن استقر الثمن على نسبة 30 في المائة في مشهد غاية في البؤس.

انتهى المؤتمر الثامن عشر بنتائج إيجابية عموما (على الأقل في تصوري آنذاك). كان ما يعضد هذا التصور هو كون الاتحاد حقق بعض المنجزات لأول مرة في تاريخه، منها حصول الكاتبات على كوطا 30 بالمائة في المكاتب التقريرية والتنفيذية، وصعود أربعة منهن للمكتب التنفيذي من ضمن 11 عضوا، فضلا عن تشبيب المكتب التنفيذي وضح دماء جديدة في جسد الاتحاد، وتنوع المناطق الجغرافية التي ينتمي لها أعضاء المكتب حيث تحققت لأول مرة تمثيلية الجهات الشرقية والشمالية والوسط، رغم غياب تمثيلية الجنوب والصحراء التي اعتبرتها ملحوقة في مؤتمرات لاحقة.

أدركت مرة أخرى كم كنت غرة عندما آمنت بقدرات عبد الرحيم العلام وتحدثت عنه بشكل إيجابي في الصحافة ولدى معارفي من الكتاب والمثقفين. فقد تصورت أن حصوله على الرئاسة كان بشكل مستحق بعد صموده في تلقي الضربات، واستبشرت خيرا بالنظر إلى كل ما أسلفت من إيجابيات، وأذكر أن الاجتماعات الأولى كانت مطبوعة بكثير من الحماس الذي دفع كلا منا إلى التفكير وابتداع أشكال لتطوير العمل داخل الاتحاد ولَمِّ الصدع بين الكتاب وتقديم أفكار جديدة وأشكال ملموسة لحل العديد من المشاكل وسد عدد من الثغرات. لم أفكر أبدا أن عبد الرحيم العلام لن يغفر لي كوني ترشحت للرئاسة، وكم كنت ساذجة عندما تصورت أنه يمكن أن يتعامل مع المسألة بروح رياضية تماما كما تعامل مبارك أوباما مع هيلاري كلينتون عندما حصل الأول على الرئاسة وعين الثانية وزيرة للخارجية. لكن هناك فرق شاسع بين طز والحمد لله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *