وجهة نظر

“جيل Z” بين مطالب الشباب والعقد الاجتماعي: حين يتحول الصمت إلى خطر على المستقبل

لم يكن يوم السبت ولا الأحد عاديين في المغرب. فقد خرجت أعداد غفيرة من الشباب والشابات، في مشهد حضاري راقٍ وسلمي، للتعبير عن إحباطهم العميق من الشعارات الحكومية الجوفاء، ولإيصال رسالة جماعية واضحة: أن الأجيال الجديدة، وخاصة جيل Z، لم تعد تثق في الخطابات الرسمية، ولا في الوسائط التقليدية من أحزاب ونقابات وجمعيات وصحافة، التي تحولت في نظرهم إلى هياكل متحجرة أو منابر صامتة.

ابتسامة في مواجهة القمع

لقد جسّد الشباب في ذلك الخروج الجماعي نموذجاً فريداً من الوعي والمسؤولية؛ مظاهرات سلمية، منظمة، وجماعية، تُترجم شعوراً واسعاً بالتذمر من غياب العدالة الاجتماعية، وانسداد الأفق في التعليم والصحة والشغل ومحاربة الفساد. لكن المؤسف أن الرد الرسمي لم يكن في مستوى هذا الوعي، إذ اختارت السلطات منطق الاعتقالات والمطاردات، في مشهد يعيد إلى الأذهان صفحات أليمة من تاريخنا، بدءاً من أحداث 23 مارس 1965 وصولاً إلى ما بعد حركة 20 فبراير.

المفارقة التي تبعث على الفخر والألم معاً، هي أن من شاهد الشباب يُساقون إلى المخافر بوجه مبتسم ولباس أنيق، أحس بالاعتزاز بوعي هذا الجيل، لكنه في الوقت نفسه شعر بالغبن والحسرة على بلد يضيّق صدره لسماع أصوات صادقة، غير متملقة ولا منافقة.

أسئلة محرجة للدولة والنخب

هذه الدينامية الشبابية تطرح أسئلة جوهرية:
– لماذا يُصرّ صناع القرار على مواجهة الشباب بالقوة والتبخيس بدل الإنصات والتفاعل؟
– أليس هؤلاء الشباب رأسمالاً وطنياً يجب الاستثمار فيه بدل معاملتهم كتهديد؟
– كيف يمكن بناء ثقة في المؤسسات إذا كان التعبير السلمي يُجابَه بالقمع والتخوين، بينما تُترك الساحة لصحافة صفراء تروج الأكاذيب وتُسخّف الحراك؟

الحاجة إلى عقد اجتماعي جديد

إن استمرار هذا النهج لن يؤدي إلا إلى تعميق فقدان الثقة بين الدولة والمجتمع. التجربة التاريخية واضحة: القمع لا يلغي الاحتجاج، بل يجعله أكثر تعقيداً. من هنا الحاجة إلى عقد اجتماعي جديد، يرتكز على:
– إشراك الشباب في صياغة القرار ومناقشة السياسات العمومية.
– إدراك أن التنمية لا تنفصل عن محاربة الفوارق الاجتماعية والمجالية.
– ربط أي مشروع إصلاحي بضمان الحقوق الأساسية: التعليم الجيد، الصحة للجميع، الشغل الكريم، والحرية الكاملة في التعبير والصحافة.

مسؤولية النخب والوسائط

لقد أثبت الحراك الأخير غياب الوسائط الاجتماعية التقليدية. فالأحزاب صامتة أو متواطئة، النقابات غارقة في الحسابات، الجمعيات منكمشة، والإعلام الرسمي جامد. هذا الفراغ خطير، لأنه يترك الشباب وجهاً لوجه مع الدولة، في غياب قنوات مؤسساتية وسيطة. لذلك، على النخب أن تعيد النظر في أدوارها، وأن تنخرط بجدية في بناء الجسور بين الدولة والمجتمع.

مخاطر الصمت والقمع

إن الاستمرار في منطق القمع سيؤدي إلى نتائج وخيمة:
– الاحتقان الاجتماعي سيتصاعد إذا استمر إنكار المطالب المشروعة.
– الشباب سيبحثون عن منافذ أخرى، قد تكون أخطر، للتعبير عن أصواتهم.
– الاستقرار الحقيقي لا يبنى على الصمت، بل على الحوار والثقة المتبادلة.

نحو حلول عملية

المطلوب اليوم ليس خطابات جديدة، بل إجراءات ملموسة:
1. فتح نقاش عمومي حقيقي يضم الأحزاب، النقابات، الإعلام والمجتمع المدني حول أولويات الشباب.
2. الاعتراف بالمطالب المشروعة والتخلي عن مقاربة التخوين والقمع.
3. حماية الشباب باعتبارهم شركاء في صياغة السياسات لا خصوماً.

خاتمة ورسالة أخيرة

حب الوطن لا يقتصر على التغني بالاستقرار أو التبشير بالإنجازات، بل يشمل النقد البناء والإصلاح الجاد. ومغرب الغد لن يُبنى على صمت الشباب، بل على صوتهم. هذا الصوت الصادق هو الضمانة الوحيدة لعقد اجتماعي متين، يربط بين التنمية واحترام الحقوق الأساسية، ويجعل من جيل Z شريكاً أساسياً في صياغة مستقبل الوطن بدل أن يُنظر إليه كخطر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *