منوعات

22 سنة من السينما في الرباط

في عصر الانترنيت ونيتفليكس، ما زالت السينما قادرة على جذب الجمهور بشكل مثير للبهجة الممزوجة بعنف الاحتجاج. المهرجان الدولي للرباط لسينما المؤلف، الذي سبق مهرجان موزاين قبل 22 سنة، نجح في هذه المعادلة وحضرت لافتتاحه جماهير كبيرة قبل أيام. شباب وكهول مغاربة وأجانب ملئوا مسرح محمد الخامس عن آخره تقريبا. وخلقوا دينامية خاصة أشعت في أمسية أبانت عن قدرة قاعة السينما على خلق تلك اللحمة الاجتماعية والفرجة الخاصة التي لا تعطيها مشاهدة الفيلم على الهاتف المحمول أو في التلفزة.

داخل القاعة وقبل الافتتاح يمكنك أن تشاهد نساء يضعن أرجلا عارية فوق الكراسي بدون أن ينزعج أحد من الرائحة، وتشاهد شبابا وكهولا لا يتوقفون عن تصوير أنفسهم وعن تصوير الآخرين بالهاتف النقال. عصر الصحفي المواطن غزا كل مكان.

لكن بمجرد الافتتاح تراجعت بعض مظاهر الفوضى وظهر تفاعل فرح للجمهور مع الممثلة المصرية الشهيرة المحتفى بها رجاء الجداوي التي تكلمت ببعض كلمات فرنسية راقية وبدموع. كما تفاعل الجمهور كثيرا مع عريس الحفل فوزي بنسعيدي أحد أبرز مخرجي السنوات الأخيرة في المغرب الذي تحدث بالفرنسية وبثقة زائدة في النفس عن تجربته وعن فيلمه الجديد “وليلي”.

لكن فجأة وبسرعة تحول الحفل بمناخاته وموسيقاه الصاخبة إلى صراخ واحتجاج. فبمجرد ما بدأ بث فيلم “وليلي”، صرخ المخرج وسط القاعة في مشهد مثير وطالب بتوقيف البث لأن صوت الفيلم كان غير مسموع. ثم ذهب ليعالج المشكل.

فأعيد بث الفيلم لكن الصوت بقي مقطوعا. وعندها اهتزت القاعة بالاحتجاجات. فكانت هناك امرأة تصرخ وتقول:”لماذا وقع مشكل الصوت؟ لماذا تريدون أن تخربوا عمل هذا المخرج الذي يعرض فيلمه لأول مرة في المغرب؟” فردت عليها امرأة أخرى: “لا داعي للاحتجاج. هذه مشاكل تقع”. ثم تعالت الأصوات والتعاليق منها من يقول: “ما هذا يا وزارة الثقافة”؟ وآخر يقول: “عار أن يكون هذا مهرجان دولي”.هذا هو المغرب اليوم: مظاهر الاحتجاج السريعة انتشرت في جميع الفضاءات. وهو مؤشر أكيد على تحول اجتماعي. بعد مرور حوالي ربع ساعة تم حل مشكل الصوت وانطلق الحفل. شريط “وليلي” تكثيف لأفكار كثيرة ومعبرة حول تحولات المجتمع المغربي كما هي عادة فوزي بنسعيدي ولكن على حساب القصة والسيناريو هذه المرة.

في الفيلم اشتغال على السلطة وحبها وعلى قدرتها على طحن الإنسان المنتمي إلى أسفل الطبقات الاجتماعية وذلك من خلال قصة حب شاب وشابة. في الفيلم أيضا معالجة لتيمة الحريات والصراع مع الأفكار المحافظة. إلا أن ذلك كله تم على حساب تسلسل قصصي بدا مفككا وحبكة ظهرت متكررة ولم تتناول قضية الصراع الطبقي بجدية كافية بحيث يمكن حذف الكثير من مشاهد الفيلم دون أي تأثير.

وتبقى بصمة المخرج وطريقته الخاصة واضحة في تأطير جمالية الصورة واللقطات والمشاهد الطويلة والإعتماد على الصمت مع مشاهد غرائبية وسياحية قد يكون فرضها المنتج. حتى تكون بهجة السينما مستمرة ومنتجة خلال المهرجانات وخارجها على وزارة الثقافة أن تفكر بجد في فتح قاعات سينمائية كثيرة في الرباط وفي غيرها من المدن. لأن الطلب موجود وكبير ولأن ما قدمه نور الدين الصايل من دينامية للإنتاج السينمائي بالمغرب سيظل ناقصا بدون شبكة من القاعات تقدم عروضا دائمة ومتنوعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *