وجهة نظر

المجانية أو المغادرة.. إضاءات

أثارت تدوينة سابقة لنا تحت العنوان أعلاه موجة لابأس بها من ردود الأفعال و التعليقات ، تراوحت بين التفاعل الإيجابي، و التساؤل المشروع، و الاستهزاء، و الذهاب رأسا إلى “ماذا يقع داخل قيادة الحزب؟”، و لماذا هذه الصيحة في هذا الوقت ؟ ، و أيهما أسبق و أولى : المجانية أم المغادرة ؟ و ما إلى ذلك من الكلمات و المكالمات الكثيرة التي توصلت بها و ما زلت.

مهما يكن ، فإن التفاعل يظل إيجابيا ، بغض النظر عن”نوايا ” أصحابه، و لا يمكن أن نقابله إلا بأحسن منه .
و على هذا الأساس، و حتى لا تبقى تدوينتنا مجرد جمل جافة ، لا تسندها حجة و لا برهان ، سنخصص هذه التدوينة لإضاءات نرجو أن تلقي ما يكفي من الضوء على التدوينة الأصل:

– لم يكن القصد من التدوينة الأولى، أن نبحث عن سبق، أو تحقيق Buzz ، أو استفزاز أحد ، أو خروج عن “إجماع ” ، فنحن ما كنا كذلك و لن نكون .

– التدوينة في الأصل كانت ردة فعل فورية ،غاضبة على ما اعتبرته و ما زلت أعتبره استفزازا ورد في مشروع القانون الإطار 17.51 الخاص بالتربية و التكوين ….بخصوص مساهمة المجتمع في تمويل التعليم.

-استهللنا تدوينتنا الأصل بجملة شرطية “إذا صح ” للتدليل على لا قطعية رأينا ، و لم نكن بعد قد أكملنا دراسة مشروع القانون الإطار.
-بعد اطلاعنا المتعمق على مشروع القانون الإطار 17.51 ، بديباجته و أبوابه العشر (10) و مواده ال 57 ، انجلت بشكل نهائي شكوكنا ، و أيقنا بأن هذه الحكومة ذاهبة إلى القطع مع “مجانية التعليم” في التعليم العالي ثم الثانوي التأهيلي.

– تقول المادة 42 من مشروع القانون الإطار : ” تواصل الدولة مجهودها في تعبئة الموارد و توفير الوسائل اللازمة لتمويل منظومة التريية و التعليم و التكوين و البحث العلمي ، و تنويع مصادره ، و لا سيما تفعيل التضامن الوطني و القطاعي من خلال مساهمة جميع الأطراف و الشركاء المعنيين، و خصوصا منهم الأسر الميسورة والجماعات الترابية و المؤسسات و المقاولات العمومية و القطاع الخاص، مع مراعاة المبادئ و القواعد المنصوص عليها في هذا القانون الإطار “.

– تنص المادة 45 من نفس القانون الإطار على أن: ” تعمل الدولة طبقا لمبادئ تكافؤ الفرص على إقرار مبدإ المساهمة في تمويل التعليم العالي بصفة تدريجية ، من خلال إقرار رسوم التسجيل بمؤسسات التعليم العالي في مرحلة أولى ، و بمؤسسات التعليم الثانوي التأهيلي في مرحلة ثانية …مع الأخذ بعين الاعتبار مستوى الدخل و القدرة على الأداء”.

– يدخل القانون الإطار 17.51 في إطار الرؤية الاستراتيجية للتربية و التكوين 2015_2030 ، و قد سبق إعداده منذ 2015 ، و أحيل على المجلس الأعلى للتربية و التكوين ، و كان سببا في انسحاب النقابة الوطنية للتعليم العالي من هذا المجلس.
– لا يجادل أحد في كون كبرى معضلات مغرب اليوم و المستقبل هي قضايا التربية و التكوين و التعليم، كما لم يسبق أن وقع إجماع حول سؤال : أي تعليم ، أي مواطن، أي وطن ؟ و ظل هذا القطاع الحساس و الحيوي يراوح منطقة التجاذبات الإيديولوجية و السياسية و المصالحية ، كما ظل عرضة للتجريبية ( منذ المعمورة إلى الميثاق الوطني، و المخطط الاستعجالي….).

– لا يختلف إثنان بأن الإصلاح العميق للتعليم ، المندمج عموديا و أفقيا…وحده الكفيل على المستوى الإستراتيجي بالجواب على معضلات المغرب المستعصية( المواطنة، الديموقراطية، النموذج التنموي، الحداثة، وقف موجات التطرف و الغلو ، المشاركة السياسية المكثفة، …) .
– لم يسبق للتعليم بالمغرب أن كان كامل المجانية ، فقد عشنا زمن les frais de scolarité، و تغولت تكاليف “دروس الدعم و التقوية” ، و تضاعفت كلفة التلميذ الواحد أضعافا مضاعفة( مقررات، تطبيب، ملبس، نقل، مأكل، مستلزمات تقنية، ….).

– تقول أحدث دراسات و تقارير المندوبية السامية للتخطيط بأن الطبقات الغنية و الغنية نسبيا لا تتجاوز 3،2 % من الساكنة ، و بأن نسبة الطبقة الوسطى هي في حدود 55،8%،، منها 26،7% تنتمي للفئات الدنيا من هذه الطبقة، و أما الفئات الإجتماعية المتواضعة و الفقيرة فتصل نسبتها إلى 39،4% .

-و يقول التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات بأن النسبة العالية من الهدر المدرسي، و المغادرة “القسرية” لمقاعد الدراسة بعد سنوات التعليم الابتدائي و الإعدادي على أبعد الحدود ،تمس بالخصوص المعدمين و الفقراء بهوامش الحواضر و بالقرى ، أي أن الفقراء لا يصلون إلا لماما للثانوي و الجامعي .

– و تقول كل المعطيات المادية بأن غالبية أبناء 3،2 من الفئات الغنية و الغنية نسبيا ، لا يعرفون شيئا اسمه المدرسة العمومية ، بل و حتى الخصوصية المغربية.
– هذا يعني شيئا واحدا و هو أن الذين عليهم “المساهمة ” قي تمويل التعليم هم الفئات الوسطى و الدنيا منها و الفقراء، الذين قد يصل أبناؤهم للثانوي و الجامعي
– يطرح القانون الإطار فكرة التضامن الوطني ، و يدمج بالدرجة الأولى الميسورين ثم الجماعات الترابية و القطاع الخاص،، لا ضير في ذلك ، و لكن إذا كان الميسورون غيرمعنيين أصلا بمؤسسات التعليم العمومي ، فكيف لهم أن يساهموا ؟ و إذا كانت تقريبا كل الجماعات الترابية تعيش على إعانات و مساعدات الدولة فكيف لها أن تساهم ؟ ، و إذا كان الجزء الأعظم من قطاعنا الخاص يعيش على الهمزة و التهرب الضريبي، و يضرب بالمسؤولية الاجتماعية للمقاولة ، فكيف له أن يتحول إلى قطاع خاص مواطن و يساهم ؟، و هنا سنجد أنفسنا أمام أمر واقع مفاده أن المواطن وحده من سيؤدي غصبا عنه لأنه لا خيار له ، و إلا ضاع في فلذة كبده/ أمله.

– ثم ما هي يا ترى المعايير التي ستعتمد لتحديد من هم الميسورون الذين تحدث عنهم القانون الإطار 17.51 ؟ هل هي نفسها التي اعتمدت في وضع قوائم المستفيدين من المنحة الشحيحة للتعليم الجامعي (3000 درهم كمدخول شهري لولي الامر٢) ؟ ، أم هي نفس المعايير التي اعتمدت في وضع لوائح المستفيدين من نظام Ramed ( من يملك حمار و جزء من هكتار فلا حق له في ذلك )؟ ، أم أن للسيد العثماني وصفة لم يكشفها بعد ؟.

– عندما اعتبرنا في تدوينة سابقة بأن بلاغ المجلس الحكومي الأخير هو عذر أفدح من الزلة ، فقد كنا نعني ما كتبناه لأن رئيس الحكومة الذي “نبه إلى ما يروجه البعض من إشاعات حول مشروع القانون الإطار….الذي يتحدث عن رسوم تسجيل..” ، أخفى حقيقة القانون الإطار الذي يتحث صراحة عن المساهة في التمويل و الذي ينطلق برسوم التسجيل.

– ليست لنا أوهام بخصوص المجانية المطلقة أو الدائمة، و لكن التشخيص الحالي للوضع الاجتماعي و الاقتصادي للسواد الأعظم من المغاربة يقول بأن هذه الخيارات الليبرالية المطلقة في قطاعات اجتماعية حساسة هي خيارات مدمرة و قد تعصف بسلمنا الاجتماعي الهش أصلا.

– لقد جعل الملك في خطابيه القويين الأخيرين من قضية التفكير في وضع نموذج تنموي جديد أولوية وطنية مستعجلة ، لأنه وحده الكفيل بالجواب على المعضلة الاجتماعية : الاستثمار (الصناعي خصوصا) ، التشغيل، خلق الثروة ثم إعادة توزيعها ، العدالة الاجتماعية و المجالية ،، و كل ذلك بغاية تأهيل و رفع قدرات و مقدرات المواطن…و بعدها سيكون من المعقول أن تطلب الدولة من مواطنيها أن يساهموا كل حسب مقدراته…أما الآن فإن (المواطن ) فاقد الشيء لا يعطيه.

– هكذا بدا لي الأمر بكل موضوعية، و قلت بأن حزبا من طينة و معدن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، و بهويته الاجتماعية العميقة و المتأصلة . لا يمكن تحت أية ذريعة أن يتنكر لماضيه العريق العميق في الدفاع عن المدرسة العمومية و “مجانية” التعليم …على الأقل إلى حين ردم الفوارق الصارخة، و توسيع وعاء الطبقة الوسطى، و توزيع الثروة بديموقراطية،.

– لقد انبرت هيئات و شخصيات للتصدي لهذا المشروع ( فدرالية جمعيات الآباء، نقابات تعليمية، جامعيون ) ، و ضمن هذا الإطار أدعو كل من تفاعل أو سيتفاعل مع هذه الإضاءات ،، لا أقل و لا أكثر.

– جاء في بلاغ المجلس الحكومي الأخير بأن مشروع القانون الإطار بعد إجازته في المجلس الوزاري، سيكون موضوع مشاورات و نقاشات ….سنظل نراهن على القيادة الحزبية متضامنة متماسكة، و علىفريقنا الحكومي ، و على الفريقين الاشتراكيين بغرفتي البرلمان، و على الأطر الاتحادية المنشغلة بالقضية الاجتماعية و في صلبها قضية التعليم .من أجل تقويم ما يمكن تقويمه و تصحيح ما يمكن تصحيحه..

و في حال كان الإصرار على الحفاظ على المشروع ، فسيكون من المشروع أن نرفع صوتنا :#المجانيةأوالمغادرة.

جواد شفيق: عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *