منوعات

مستعد يكتب : برلماني وأربع صحفيين

من سوء طالع مشروع قانون الحق في الحصول على المعلومات أنه تعرض لنكسة كبيرة في نفس الأسبوع الذي صودق عليه بمجلس المستشارين. سوء طالع مرده أن مجلس المستشارين نفسه هو من طالب القضاء بمتابعة المستشار البرلماني عبد الحق حيسان عن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بتهمة “إفشاء السر المهني والمشاركة في نشر معلومات” حول عمل لجنة تقصي الحقائق حول الصندوق المغربي للتقاعد التي كان عضوا فيها. كما طالب بمتابعة الصحافيين محمد أحداد، عبد الحق بلشكر، وكوثر زاكي، وعبد لإله ساخير بتهمة “نشر معلومات” تتعلق بنفس اللجنة. وهي تهم قد تؤدي إلى السجن لمدة 5 سنوات.

إن هذه المحاكمة تجسيد واضح للدور الذي صار يقوم به البرلمان والمفروض فيه أن يكون واجهة لحرية التعبير ولتوفير المعلومة للمواطنين ومنبرا للحوار الديمقراطي. محاكمة تؤكد أن النخبة السياسية المغربية غير متشبعة بقيم الديمقراطية ولا تهمها حرية الإعلام ولا الحق في المعلومة إلا عندما يخدم الإعلام أجندتها التواصلية الخاصة وليس أجندة تنمية البلاد. فباستثناء بعض البرلمانيين القليلين، لم ينتقد أي حزب رسميا قرار المحاكمة هذا.

أصل هذه القضية يعود إلى شكاية قدمها رئيس لجنة صندوق التقاعد في 2016 بعد كشف عدة صحف لما جرى في لقاء عقدته لجنة التقصي مع رئيس الحكومة السابق عبد الإله ابن كيران. وهكذا وعوض أن تكشف هذه اللجنة عن متهمين محتملين في ملفات التقاعد التي تشغل بال السياسيين والمغاربة بإفلاسها لسنوات وما تزال (كما يعكس ذلك النقاش اليوم حول ما يسمى “ريع” تقاعد البرلمانيين) فإنها تحولت إلى أداة لمحاكمة البرلمانيين والصحفيين. عبد الحق حيسان نفى أن يكون سرب أي معلومات واعتبر أن متابعته هي مجرد محاولة لإسكاته، وانتقام منه لقيامه مع فريق الكونفدرالية بمظاهرة ضد وزير الدفاع الإسرائيلي السابق خلال زيارته مؤخرا للبرلمان المغربي. في حين اعتبر الصحافي محمد أحداد أن متابعته هي “مهزلة” منتقدا محاكمة الصحفيين بالقانون الجنائي ووجود إرادة لتقييد حرية التعبير في البلاد.

من الواضح أن مشروع قانون الحق في الحصول على المعلومات ولد ميتا. وقد سبق لعدة جمعيات أن نبهت إلى أنه جاء ليقيد حقا دستوريا منصوصا عليه في الفصل 27. فهو مشروع ينص مثلا على “سرية مداولات اللجن البرلمانية” غير المنصوص عليها أصلا في هذا الفصل. مما يعني أن السرية لن تفرض فقط على اللجن التي تناقش قضايا الدفاع أو الأمن كما هو معمول به عبر دول العالم، ولكنها يمكن أن تفرض حتى على اللجن التي تناقش قضايا عادية ويومية مثل المالية أو السير في الطرقات أو غيرها. يمكن أن نتسائل: هل يمكن لمجلس النواب استدراك الأمر عندما سيصوت على هذا المشروع قريبا؟ الجواب هو أن الأمر شبه مستحيل أو خارج قدرات النواب وسلطتهم.

لقد جرت العادة في القوانين بالمغرب كما يرى عالم الاجتماع الكبير نجيب بودربالة أن “النظام القانوني الرسمي يبقى على مستوى الشكل جد متقدم على المجتمع الفعلي الذي يبقى من جهته لا متساويا وزبونيا وعشوائيا لدرجة يصبح فيها الجهاز القانوني غير فعال ومعطلا بشكل كبير”. لكن مشروع الحق في المعلومة لن يكون، بالتأكيد، متقدما على الواقع بل سيكون منسجما معه تمام الانسجام. هل هو الاستثناء الذي لا ينفي القاعدة؟ وهل هو نفس حال الدستور؟

إن واقع الممارسة الحالي بالمغرب يكشف لنا أن هناك في الحقيقة “منعا للوصول إلى المعلومة”، حسب وصف جمعية ترانسبرانسي لمحاربة الرشوة. وقد جاء هذا المشروع ليكرس ذلك عوض أن يحسن الواقع ويطوره كما هو مفروض في فلسفة وأهداف أي قانون جديد. وأكبر دليل على هذه الممارسة هو عدم انفتاح البرلمان على الإعلام، ومنع الإعلام العمومي من تغطية أخبار القرب اليومية مثل تظاهرات جرادة أو كل الأحداث الحيوية التي تمس الحياة اليومية للمواطنين بإيجابياتها ولكن بسلبياتها أيضا وذلك انطلاقا من مقاربة ضيقة الأفق لا يكلف المسئولون عنها حتى عناء توضيحها.

سيكون مثيرا للسياسة وللعدالة وللبرلمان في هذا الملف السابقة في تاريخ المغرب أن يقف المحامي والبرلماني عبد اللطيف وهبي، الذي سيتولى الدفاع عن الصحفيين الأربعة، أمام القاضي ليواجه دفاع زميله البرلماني عزيز بنعزوز الذي رفع هذه القضية بدعم من رئيس مجلس المستشارين حكيم بنشماش ووافقت على تحريكها النيابة العامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *