خارج الحدود

كندا تستعد لإحياء ذكرى مجزرة مسجد كيبيك وسط جدل الإسلاموفوبيا

تستعد كندا لإحياء الذكرى السنوية الأولى للهجوم المسلح على المسجد الكبير في مدينة كيبيك، الذي يصادف يوم الاثنين 29 يناير الجاري، وسط جدل قوي حول الإسلاموفوبيا، لاسيما في مقاطعة كيبيك، بعد تباين المواقف في الجمعية الوطنية الكيبيكية من الرسالة التي وجهها المجلس الوطني للمسلمين الكنديين إلى رئيس الحكومة الكندية جوستان ترودو والتي يدعوه فيها إلى تخصيص 29 يناير يوما وطنيا ضد الإسلاموفوبيا.

وكان الحزب الكيبيكي وحزب التحالف من أجل مستقبل كيبيك، وهما على التوالي حزب المعارضة الرسمية وحزب المعارضة الثاني في الجمعية الوطنية الكيبيكية، قد أعلنا معارضتهما ليوم وطني ضد الإسلاموفوبيا، فيما دعم الفكرة حزب التضامن الكيبيكي اليساري التوجه.

وبعد عام على الاعتداء، لا تزال كندا تحت تأثير هذه الجريمة التي قام بها طالب يحمل أفكارا قومية متشددة، من المفترض ان تبدأ محاكمته الربيع المقبل، وساهم هذا الاعتداء الأول من نوعه، في إثارة قلق نحو مليون مسلم يعيشون في كندا، التي تشهد تناميا للهجمات التي تستهدف الأجانب.

وتعود الأحداث، عندما أقدم شاب ينحدر من كيبيك يدعى أليكساندر بيسونيت، بإطلاق النار على المصلين في المسجد موقعا ستة قتلى وتسعة عشر جريحا، ضمنهم ثلاثة مغاربة، أحدهم يدعى “سعيد أقجور” أحد الناجين من الاعتداء، والذي تحدث أواخر يناير من العام الماضي مع جريدة “العمق”، وكشف تفاصيل عن حياته وعن هذا الاعتداء الإرهابي.

سعيد، ابن قرية “ألميس مرموشة” الأمازيغية ببولمان يروي تفاصيل ما حدث تلك الليلة وكيف “ارتكب المجرم جريمته الشنعاء بمكان التعبد، ببرودة أعصاب وبتقاسيم لا معبرة، كأنه يلعب لعبة مدمرة على شاشة تلفاز”.

وقال أقجور الذي هاجر إلى كندا منذ سنة 2007، إنه في مساء 29 يناير 2017، كان ضمن الحاضرين بالمسجد الكبير بحي “سانت فوا” لأداء صلاة العشاء، وهو المسجد الذي يفضل أن يصلي فيه دائما بعد أن أسرته تلاوة إمام تونسي يدعى “نزار غالي” كان أيضا من المصابين.

وبعد أن انتهينا من صلاة العشاء، يقول سعيد، “أخذت مكاني خلف سارية في الجانب الأيسر للمسجد وبدأت أتلوا ما يتلوه الإمام جهرا من القرآن الكريم، وبعد لحظات سمعنا صوت طلقات نارية خارج المسجد، فقلنا أن الأمر مجرد مفرقعات وأن ذلك لا يدعو للقلق، غيرت مكاني واتجهت إلى السارية الموجود في الجهة اليمنى للمسجد”.

وفي الوقت الذي ظن فيه سعيد أن الطلقات التي سمعها مجرد مفرقعات، كان منفذ الاعتداء الإرهابي يفرغ مسدسه في عدد من المصلين الذين غادروا المسجد بعد الصلاة مباشرة، ليقرر الإرهابي الدخول للمسجد ليجهز على ما تبقى داخله والذين يبلغ عددهم خمسون مصليا من جنسيات مسلمة مختلفة.

ويضيف سعيد “بدأت أسمع الطلقات بالداخل، وقفت ولزمت مكاني خلف السارية، والتي لم يكن عرضها يكفي كي أختبئ خلفها بالكامل، والمجرم الذي عرفنا اسمه لاحقا وهو أليكسندر بيسونيه كان له متسع من الوقت ليستعمل مسدسه ويعبأه مرتين، لتكون قائمة الضحايا ست شهداء منهم مغربي، وخمسة جرحى بينهم مغربيان وأنا الثالث”.

ويحكي سعيد كيف أنه كان يقاوم من أجل أن يبقى على قيد الحياة، حيث تذكر ابنه الوحيد ذو السبع سنوات، ووالده ميمون المرموشي، “قلت في خلدي، الأب ما ينبغي له أن يعيش لوعة فقد الابن.. فهرعت للمنبر للاختباء من طلقات مسدس ذلك المجرم”.

ويسترسل كلامه قائلا: “الشرطة تدخلت بمهنية عالية، وحضرت إلى مكان الحادث بسرعة، هناك من قال أنهم تأخروا في التدخل وذلك مرده للزمن النفسي، فعناصر الشرطة كان ينتابها الخوف جدا لأنها لا تعرف من هو منفذ الاعتداء وكانت تظن أن الكل مسلح”.

وتابع حديثه لجريدة “العمق” أن الشرطة طلبت منه أن يرفع يديه، وبما أنه كان مصابا انبطح على الأرض، وبعد تأمين مسرح الجريمة سُمح لرجال الإسعاف بالدخول للمسجد لنقل المصابين إلى المستشفى، ويقول بهذا الصدد “الأخ نزار إمام المسجد كانت إصابته على مستوى البطن، وطلبت من عناصر الإسعاف أن يسعفوه هو الأول”.

سعيد كانت إصابته على مستوى الكتف الأيسر دون أن تُحدث ضرر بالعظم بحسب ما أخبره به الطبيب بعد عدة فحوصات ولم تمنعه الإصابة من أن يسأل عن حالة باقي المصلين، فهو يقول بأن أحد المغاربة الذين كانوا حاضرين بالمسجد ويدعى “محمد كبار” أصيب إصابتين على مستوى الفخذ والقدم.

وبعد أن أكد له الطبيب أنه أصيب برصاصة على مستوى الكتف وأنها لم تحدث ضررا بالعظم، أضاف أنه نقلوه للطابق الثاني بالمستشفى ليستعد لإخراج الرصاصة من كتفه، “وفي ذلك الوقت بالذات حضر شرطيان فدراليان، وتبادلوا الحديث معي بعض الشيء، غير أن الطبيب اقترح عليهم العودة في الصباح لأنني كنت تحت تأثير المسكنات”، مضيفا أن قنصل المغرب بمونتريال حبيبة الزموري زارته بالمستشفى إضافة إلى عدد غفير من الهيئات والجمعيات للاطمئنان عليه”.

بعد خروجه من المستشفى في اليوم الموالي للحادث الإرهابي، يوضح سعيد أقجور أن أول شيء فكر فيه هو كيف يخبر أهله بالمغرب عن ما حدث، حيث يقول “وجدت رسالة من أختي الصغرى تخبرني فيها بما وقع في مسجد بكيبيك، ورجتني أن أجيبها سريعا، وقالت على الظاهر أنك لم تكن بالمسجد”.

يضيف أقجور الذي يشتغل بدار للعجزة منذ 2008، “أجبتها أنا بالمنزل الآن، وأصبت برصاصة بكتفي وأنا بخير والحمد لله، ردت على الفور لأنها كانت على الخط بصوت كله خوف، وقالت بأن أبي نام نوما مزعجا، وأردفت لن أوقظه الآن سأخبره بالأمر في الصباح”.

وبعد أن تماثل للشفاء قليلا، قام بزيارة للمغرب لرؤية والده الذي كان يتمنى أن يزوره وهو في محنته، غير أن بطء الإجراءات حالت دون ذلك، خصوصا أن “والدي قضى شهرين حبسا لأنه تظاهر ضدا على الجور الذي لحقه بعد قرار إفراغ لمحله التجاري فما كانت من السلطات أن ألجمت صوته بالحبس بمعيّة أخ لي له أربعة أطفال”، يقول سعيد.

“والدي كان أول شخص يُقبل جرحي، كان شخصا قريبا إلي بشكل كبير وتذكرته أثناء إطلاق النار علينا داخل المسجد، فهو يذكرني بالسيدة الأم تغمدها الله برحمته الواسعة”، مضيفا أنه لما زار المغرب قام بجولة بعدد من المساجد بالدار البيضاء وفاس وتازة وجرسيف التي عاش فيها من 1976 إلى 2007 تاريخ مغادرته إلى كندا.

وأكد أن “الإرهاب لا وجه له ولا دين وجنس ولا عرق له، وقد حصل في لحظة اللاعقل وقمة الحقد، والتجرد من أبسط ما هو إنساني، فالإرهابي سادي مرضي، لا يدرك فظاعة سلوكه حتى يتحدث الجميع عن هول الدمار والخوف والترهيب الذي خلفه”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *