وجهة نظر

بعد جرعة 20 فبراير .. المغرب إلى أين؟

كانت نار الربيع العربي الذي حل بالمنطقة بردا وسلاما على بلاد المغرب الأقصى حينما وجدت حاكما حكيما التقط الإشارات الضرورية للشباب المتظاهر يوم 20 فبراير2011 الذي رفع شعارات محاربة الفساد والاستبداد والداعي للعدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية. فكان خطاب 9 مارس الذي وصفته الدوائر السياسية المحلية والخارجية بالخطاب التاريخي، حيث وضع أسس الإصلاح الدستوري فكان دستور فاتح يوليوز 2011 الذي صوت عليه المغاربة بنسبة 98% وتم تنظيم الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها يوم 25 نونبر 2011 فاحتل فيها البيجيدي مركز الصدارة بإحرازه 107 نائب برلماني مقابل 102 لغريمه السياسي البام.

بطبيعة الحال سيشكل الحزب الفائز بحكم الدستور الحكومة وتم النداء على الأستاذ عبد الإله بنكيران ليعين رئيسا للحكومة انطلاقا من مدينة ميدلت التي كانت تحتضن زيارة ملكية ميمونة.

لقد تم الانقلاب على ثورة 25 يناير 2011 بمصر واعتقال الرئيس الشرعي المنتخب الدكتور محمد مرسي وصعود حكم العسكر بقيادة السفاح السيسي وسيادة الفتنة في البلاد التي عرفت ربيعا ديمقراطيا: ليبيا واليمن وسوريا أما تونس فقد تنازل حزب النهضة عن قيادة البلاد ليحكم في إطار حكومة وحدة وطنية تجمع ولا تفرق وتؤثر مصلحة الوطن العليا على المصلحة الحزبية الضيقة. مع مرور الوقت، هذه التطورات لم تزد نار بلدان الربيع إلا تأججا وإضراما فكان لابد بفعل الضغوط الدولية والمحلية لقوى النكوص والردة الديمقراطية أن تلقي بظلالها على بلدنا السعيد فأسند لحزب الاستقلال دور العصا في العجلة لحكومة الأستاذ بنكيران الذي كان يعارض بشراسة رغم تموقعه في الأغلبية الحكومية توج ذلك بالانسحاب من الحكومة بحر سنة 2013 لإحراج الحزب القائد لها وعرقلة الاستمرار في بعض الإصلاحات الوازنة نخص بالذكر استهداف الفئات الهشة بالدعم المباشر بعد الشروع في إصلاح صندوق المقاصة(1). لم تفلح هذه الخطوة من قوى النكوص في إسقاط الحكومة لتستمر بدخول حزب الحمامة. دور الانقلاب على نتائج صناديق الاقتراع ذاته لعبته الصحافة المأجورة التي شنت حربا ضروسا بنشرها الإشاعات وطبخ الأخبار المزيفة تستهدف أعضاء الحكومة ورئيسها والحزب القائد لها.

في شتاء 2014 وبالضبط يوم 7 دجنبر 2014 وفي نفس السياق سياق إعادة تشكيل المشهد السياسي في الاتجاه السلبي والتراجع عن المكتسبات يتم الإعلان عن مقتل الأستاذ عبد الله بها في حادث مأساوي فوق قضبان السكك الحديدية بوادي الشراط . وكيفما كانت تفسيرات الحادث وملابساته فإنه يصب في آخر المطاف في توجيه الضربة القاضية لرئيس الحكومة الذي كان الشهيد مستشاره المفضل وعلبة أسراره، لم يستسلم الأستاذ بنكيران ولا الحزب القائد للحكومة وتم امتصاص هذه الصدمات بالصبر الجميل والإيمان بأن طريق الإصلاح طويل وشاق وليس مفروشا بالرياحين والورود.

قبل الانتخابات الجماعية اشتدت الحرب الإعلامية على الحزب وتم اختلاق الأخبار وتشويه بعض الشخصيات الوازنة فيه إضافة إلى صنع الخرائط الانتخابية على المقاس، كل ذلك للتأثير على نتائج الانتخابات وتحجيم البيجيدي. وبرغم المؤامرات والدسائس أفرزت نتائج 4 شتنبر2015 تصدر البيجيدي وفوزه بأغلبية المدن الكبرى والمتوسطة بل وحتى بعض الجماعات الصغرى. إلا أن الفرحة لم تدم حيث تم التحكم في انتخابات الناخبين الكبار في مجالس الجهات ومجلس المستشارين فالبام الذي لم تكن فرصه مواتية بحكم الآلية الديمقراطية ولم يكن مؤهلا لإحراز 5 مناصب من أصل 12 من مجالس الجهات. كما أن رئاسة مجلس المستشارين لم تكن لتؤول للبام لولا التدخل السافر في العملية الانتخابية.

وفي أوج الحمى الانتخابية واشتداد السعار الانتخابي واقتراب الاستحقاقات التشريعية ل 7 أكتوبر2016 تم تنظيم المسيرة الشهيرة باسم مسيرة ولد زروال التي برأت وزارة الداخلية نفسها من الإشراف على تنظيمها في الوقت الذي صرح فيه المواطنون المشاركون فيها بأن المقدمين والشيوخ وبعض القياد هم من أوعزوا لهم بالمشاركة حتى سمعنا من أحدهم أنه يريد إخراج بنكيران من الصحراء وأنهم ضد أخونة الدولة وغير ذلك من أساليب التغرير بالمواطنين للتأثير على نتائج الانتخابات، فانقلب السحر على الساحر وأحرز الحزب على 125 مقعد من مقاعد البرلمان.

لكن فصولا جديدة من وسائل الارتداد عن النهج الديمقراطي تم فتحها، فبعد تعيين الأستاذ بنكيران على رأس الحكومة لتصدر حزبه نتائج التشريعيات 2016 ، تمت عرقلة تشكيل الحكومة وذلك باشتراط الأحزاب المتحالفة شروطا تعجيزية وخاصة حزب الحمامة ممثلا في أمينه العام الذي أهديت له الأمانة العامة للحزب على طبق من ذهب دون تاريخ نضالي أو مكابدة سياسية في حزب الأحرار، حيث اشترط دخول حزب الوردة رغم أن نتائج الانتخابات لم تسعفه ولم تبوئه موقع التسيير وهو الشيء الذي رفضه الأستاذ بنكيران رفضا قاطعا. طالت مدة البلوكاج الحكومي وتم التعذر بعدم قدرة رئيس الحكومة المعين على تشكيلها فتم إعفاؤه وتعيين الشخصية الثانية في الحزب الدكتور سعد الدين العثماني رئيس المجلس الوطني، رئيسا للحكومة ليشكلها فكانت السمة الغالبة عليها هي الابتعاد عن ترجمة نتائج الانتخابات وبروز التقنوقراط أو المقربون من حزب البام وإدخال حزب الوردة ضمن أعضائها.

إن وجود شخصية ناكفت حزب البيجيدي في العاصمة الرباط وتصدت لمشاريعه المحلية وأظهرت شدة وفظاظة في التعامل مع عمدة المدينة محمد صديقي ضمن أعضاء الحكومة ليعني الشيء الكثير..قد يعني تكريما للسيد عبد الوافي لفتيت الذي عرف بمعاداته للبيجيدي(2). كما أن تبادل المناصب بين وزير الطاقة والمعادن ووزير التجهيز والنقل ليعتبر في نظري نوعا من العبث السياسي خاصة وأن السيدين الوزيرين أظهرا كفاءة ونزاهة واقتدارا في مهامهما. كما أن استبدال الأستاذ مصطفى الرميد الذي قدم إنجازات مهمة حتى استحق وساما ملكيا لجهوده في إنجاح مشروع إصلاح العدالة بوزير من الأحرار وإسناده حقيبة وزارة حقوق الإنسان، دليل على الرغبة في إحداث القطيعة مع الحكومة السابقة. دون نسيان التصويت على الحبيب المالكي من حزب الوردة رئيسا لمجلس النواب في سابقة لا تتلاءم ودستور 2011، وفي تحد صارخ للقواعد الديمقراطية التي تمنح هذا المنصب لحزب آخر داخل التشكيلة الحكومية. إن علامات التقهقر السياسي والديمقراطي بادية للمتتبع للساحة السياسية الوطنية، في كون بعض الأحزاب السياسية لا تملك قرارها المستقل وتخضع للتعليمات. إضافة إلى ألوان من الصحافة المدفوعة الأجر التي تعمل جاهدة على تبخيس العمل السياسي، والطعن في الأحزاب السياسية ووصمها بكل نقيصة والتنويه بالمارد السياسي القابع في ردهات الدولة العميقة وتبرئته من الدسائس والمؤامرات التي يحيكها في الغرف المظلمة…

عبد الواحد رزاقي متصرف بجماعة ترابية

الهوامش:
1- مقال بجريدة اليوم24 بتاريخ 14/09/2017.
2- مقال للسيد عبد السلام الشامخ بتاريخ 27 فبراير2016 بموقع لكم2.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *