وجهة نظر

الإفريقي تكتب: التهمة تليق بك

لا تدري نَفْسٌ متى تُعتقلُ غداً، ولا بأي تُهمةٍ تُحاكَم، وحدهم العليمون..نحن متأكدون فقط، من نزول القضاء ونسألهم اللطف فيه.

فقدرُنا مسطَّرٌ سلفا، ورقمُ زنزانتنا معروف، صورُنا من اليسار واليمين والأمام التقطتْها عدسةٌ خفية ورُتبت بعنايةٍ في ملف خاص، الكتيبة التي ستتكلف بالإشادة بالقبض علينا أخذت مستحقاتها مسبقا، والبلاغ الذي ستنشره وكالاتُ الأنباء شبهُ جاهز، ينقص فقط، نوعُ التهمة لينزل القضاء المقدر الذي ينعدم فيه اللطف.

إعداد التهمة المناسبة لمقاسك ولونِ عينيك ونبضِ قلمك، هو الإشكالُ الوحيد الذي قد يؤخر القضاء المنزل في دولة الحق والقانون، التهمة تحتاج ترتيبا دقيقا، وتفكيرا عميقا، وتخطيطا مسبقا، وسيناريو مشوق ومتماسك في حبكته الدرامية.. فبلد الإنصاف والمصالحة لا يقمع الحريات ولا يمنع الحق في الرأي ولا يضع معارضيه داخل الأكياس في الظلام الدامس ويخفيهم عن الأنظار في المعتقلات السرية، بلد إصلاح العدالة يفضل القبض عليهم في الصباح الباكر، يَطرق بابهم بأدب، يمنح لهم الوقت لأخذ حمامهم وفطورهم وتقبيل جبين من يحبون، ثم يأخذهم إلى الجحيم، بتهمة واضحة المعالم، ومعللة بالقرائن والأدلة وأدوات الجريمة، مع توفير كل الإكسسوارات الشكلية لتبدو المتابعة عادلة.

في بلد دستور الحريات، يمكنك النوم في أمان بعد أن تنشر على حائطك حكمة عن الحرية، ويمكنك السير مطمئنا في درب ضيق بعد عودتك من وقفة تطالب بفصل حقيقي للسلط، ويمكنك تأمل البحر بعد تحقيقك الصحفي عن التوزيع غير العادل لثروات البلد، كما يمكنك شرب قهوة مع صديق في شرفة مشمسة بعد أن تنشر مقالا عن الربيع ..ففي الوقت الذي تنشغل فيه بالحلم أو بكتابة قصيدة حب في الوطن، يكونون منشغلين بكتابة أخرى، كتابة السيناريو المحبك للتهمة.

التهمة.. مهمة صعبة، كلما علا شأنك في سلم الأخلاق والقيم، تعقدت مهمة حبكها..وكلما تشابكت علاقاتك، تأخرت العقدة الدرامية..وكلما اتسعت رقعة الأتباع والمريدين والمعجبين، تطلب الأمر تهمة حقيقية من صنع يديك، لهذا يربطون شرايينك بجهاز للرصد لضبطك متلبسا بخفقة قلب أو زلة لسان أولمسة زر أو رسالة طائشة أورعشة محرمة أو بسمة على شفتيك وأنت تشاهد فيديو.

لن تنال أبدا شرف التهمة النبيلة، تهمة عشق الوطن والهيام بالحرية..فالتهمة المناسبة للمطالبين بالكرامة يجب أن تكون مذلة ومنحطة ومقززة وكريهة الرائحة، ومن الأفضل أن تحمل أثر الدم أو رائحة الحشيش أو بقايا غبار حوافر خيول القاعدة أو بقعة أحمر شفاه بائعة هوى..

والتهمة يجب أن تكون صادمة وفضائحية ومتعددة الوظائف، لا يكفي أن تدين فقط المتهم البريء، بل من الأفضل أن تدمر الصورة الأخلاقية لمهنته النبيلة أوحركته الاحتجاجية أوحزبه السياسي أو هيأته الحقوقية.. تأملوا معي هذا «الكاطالوغ» المتنوع من التهم، وتأملوا وقعها الساحر على الرأي العام: تهمة الزنى لفنان من العدل والإحسان في بيت للدعارة، تهمة المتاجرة في الكوكايين لنقابي يدافع عن العمال الفقراء في شركة نافذة، تهمة بيع الحشيش لناشط في 20 فبراير، تهمة النصب لمدير نشر جريدة مزعجة، تهمة الضرب لحاقد على الوضع، وتهمة الإرهاب لصحفي يطالب بالديمقراطية…

تأملوا الذكاء في حبك التهم، رسالتها المشتركة هي: لا تصدقوهم، ولا تلتفتوا لهذيانهم، إنهم مجرد صعاليك وحشّاشين وإرهابيين وقُطَّاع طرق.

* نشر في جريدة أخبار اليوم سنة 2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • الكمال لله......( المغرب ماشي سويسرا او ماشي سوريا)
    منذ 6 سنوات

    .... اما فيما يخص انتقاد السياسة الحالية للبلد..... فاقول لك اخي لمريني نحن اجرينا انتخابات( مع انني لم اصوت ) حرة و نزيهة و بالتالي ممتلو الامة را فيهم البركة. هناك كفاات و اطر. يعني فرق الجوقة حتى تجي تاني الانتخابات ف يكون لنا راي انشاء الله. مع ان المغرب و الحمد لله لاباس به الى حد ما. فرغم محدوديت موارده و ضعف اقتصاده و و و و فراه كيسلك. و خطر الغوغاءية و الشعبوية كبير. ان لم ننتبه. فقد تعيدنا الى 100 سنة الى الوراء.............. المهم الهدرة كتيرة.....

  • المريني
    منذ 6 سنوات

    جوابي سيكون للأخ المتحدث عن الشعبوية فكرتك عن حق الدولة في تقرير من يعيش ومن يكتب يكاد يصرح بأنك واحد من تلك الاقلام الرائعة التي لا تقوم بانتقاد السياسة الحالية للبلد بل تعمل على المدح والتجميل في تلك الرسمة الباهتة غير المكتملة. التي ينقصها مجموعة من الألوان على شكل أقلام حرة تسلط الضوء على تلك الفوارق

  • كل ما زاد عن حده انقلب الى...........
    منذ 6 سنوات

    يا اخي محمد على الصحفي ان يكون صحفي. وان يكون نزيه. اما ان ينشر الاكاديب و التحليلات العوجاء و و و فلا يجوز......... ونحن نعرف ان جوء من شعبنا غير متقف و غير علمي و ميال الى تصديق كل ما يدغدغ عواطفه حتى ولو كانت اباطيل....... على كل حال انا لدي تقة في الدولة. و هي حتما س تنهي القضية وسيرجع بوعشرين الى جريدته. على ما اعتقد. انما تغليط الناس و تقديم تحليلات تسيء الى الدولة و و و و غير معقول......... على اي الله اطلق سراحو....... وكل شيء نسبي بما فيها الديمقراطية....... حتى السلفي المتطرف سيقول لك اريد حزب و كدا و كدا....... الدولة يجب ان نحميها و ندافع عنها ............. فهي امنا...

  • م صبيري
    منذ 6 سنوات

    هكذا في دولتنا الحبيبة يعامل اخيارها. .ارحمواعزيز قوم ذلك. .

  • محمد
    منذ 6 سنوات

    ربما صاحب المقال الذي ينتقض الصحيفة اكل شيئا زائد او يعيش في كوكب اخر هل الدولة تحمي نفسا بالاعتقال التعسفي واسكات الناس على التكلم عن حقهم

  • Majd ALAMI مجد العلمي
    منذ 6 سنوات

    لا حول و لا قوة إلا بالله

  • الوطني الغيور.....
    منذ 6 سنوات

    انا من اشد الناس احتراما لكي الاستادة الافريقي. ولكن دعيني اقول لكي انني معا الدولة حتى للعضم. و اقول ان الدولة من حقها و من واجبها ان تحمي نفسها من الدين ينشرون الغوغائية و الشعبوية و الاحباط و الاكاديب و التهيتير................ من حق الدولة ان تفبرك القضيا و الملفات...... بل من حقها ان تغتال ان لزم الامر............... فلا لشعبوية فلا لالهاء الناس و الدولة عن القضايا الحقيقية.........