أخبار الساعة

الخصائص الثلاث للرسالة الملكية الموجهة للمنتدى البرلماني الدولي الثالث للعدالة الاجتماعية

منذ اعتلائه عرش أسلافه المنعمين سنة 1999، فإن جلالة الملك محمد السادس ما فتئ في خطبه و رسائله السامية، يولي اهتمامه و رعايته للقضايا المتعلقة بالعدالة الاجتماعية، وفق مبادئ و أحكام الدستور، على اعتبار أن العدالة بين الفئات والجهات تشكل دائما جوهر التوجهات السياسية والاقتصادية و الاجتماعية، التي تهدف إلى تحسين عيش المواطنين و الكرامة الإنسانية في ظل مبادئ العدل والإنصاف و المساواة و تكافئ الفرص… .

و يأتي هذا المنتدى البرلماني الثالث للعدالة الاجتماعية و المجالية و مقومات النموذج التنموي الجديد للغرفة الثانية، في إطار تنفيذ التوجه الملكي السامي، و ذلك قصد متابعة مسار البناء التشاركي للنموذج المغربي للعدالة الاجتماعية تنفيذا للتوصية الصادرة عن الدورة التأسيسية للمنتدى البرلماني بتاريخ 20 فبراير 2016 الرامية إلى تنظيمه على نحو منتظم، حيث إن موضوع العدالة الاجتماعية هو مبتغى بنيوي يعتمد في تحقيقه على التراكم الإيجابي والتقييم المستمر وكذلك استمراره لاحتضان الحوار العمومي و المؤسساتي والنقاش المجتمعي و التعددي والتشاركي بخصوص القضايا ذات الصلة بإعمال الدستور، وضمان التمتع بالحقوق الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية و البيئية وفق استراتيجية عمل.

وبناء عليه فإن الرسالة الملكية السامية تحمل بين طياتها ثلاث خصائص أساسية:

الخاصية الأولى : وضع حد للسياسات التنموية الترقيعية
عبر صاحب الجلالة الملك محمد السادس في نص الرسالة السامية على ضرورة مواكبة النموذج التنموي للتحولات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية، على نحو يحقق الأهداف المرجوة من هذا النموذج التنموي وفق مبادئ و أحكام الدستور، من توفير عيش كريم و المساواة بين الفئات و الجهات و العدل و الإنصاف…

يستشف مما سبق أن الرسالة الملكية تجاوزت مرحلة التشخيص إلى إعطاء الحلول أو مداخيله، على اعتبار أن النموذج التنموي لم يعد قادرا على تحقيق الغايات المتوخاة منه، كما يلاحظ كذلك أنه دعا إلى اتخاذ نموذج متكامل الأبعاد (اقتصادي، سياسي، اجتماعي…)، ورغم أن المغرب خلال الخمسة عشر سنة السابقة كانت له منجزات اقتصادية، إلا أن ذلك لم يكن كافيا للحد من الفوارق الإجتماعية، ما جعل النموذج التنموي بحاجة إلى مزيد من الدعامات القوية لاسيما في الشق الاجتماعي حيث يتضح جليا غياب استراتيجية محلية جهوية وطنية متناسقة، بل كل ما في الأمر سياسات تنموية ترقيعية غير كفيلة بمسايرة التحولات الجيواقتصادية والاجتماعية التي عرفتها المملكة في السنوات الفارطة.

الخاصية الثانية: الشباب كقاطرة للتنمية
وعيا منه بالدور المهم الذي يلعبه الشباب في تحريك عجلة التنمية، دعا الملك محمد السادس في الرسالة السامية مختلف الفاعلين إلى إيلاء الاهتمام بمسألة الشباب وجعله في صلب النموذج التنموي المنشود.

ولعل الاهتمام الملكي بهذه الفئة التي تشكل نسبة مهمة من المجتمع المغربي، يجد مرجعيته في الدين الإسلامي، وفي هذا الصدد نستحضر قول الرسول عليه الصلاة و السلام “أوصيكم بالشباب خيرا، فإني لما بعثت حالفني الشباب و خالفني الشيوخ…”، كما يجد سنده في أسمى وثيقة قانونية حيث ينص الفصل 33 من الدستور على إحداث المجلس الاستشاري للشباب و العمل الجمعوي، وذلك بغية توسيع و تعميم المشاركة في التنمية الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية والثقافية.

ينبغي على مختلف الفاعلين السياسيين و الاجتماعيين، وضع ثقتهم بالشباب من خلال تسهيل انخراطهم في الدينامية التي يشهدها المغرب، سواء بتسهيل استفادتهم من الخدمات الاجتماعية، أو تحفيزهم لروح المبادرة والإندماج في المشهد السياسي والجمعوي…إلخ تحقيقا للإصلاح التنموي المأمول في انتظار خروج المجلس الاستشاري للشباب و العمل الجمعوي إلى حيز الوجود.

الخاصية الثالثة: إصلاح الإدارة المغربية رهين بتغيير العقليات.
عبر العاهل المغربي في أكثر من مناسبة، عن عدم رضاه لمستوى الإدارة المغربية (خطاب العرش بمناسبة الذكرى 18، وخطاب الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرة)، حيث أكد من خلالهما على ضعف الإدارة المغربية بمختلف تلاوينها سواء من حيث الحكامة أو النجاعة في أداء الخدمات، إذ لا يمكن الحديث عن إصلاح تنموي شامل بمعزل عن الإدارة التي تلعب أدوارا مهمة في تدبير الشأن العام.

وحسب مضمون الرسالة السامية، فإن أي نجاح في بناء صرح التنمية، يبقى رهينا بضرورة تغيير العقليات، باعتبارها السبيل الوحيد و الأوحد ليس فقط لمجرد مواكبة التطور و التحولات التي يعرفها المغرب في مختلف المجالات، بل بالأساس ترسيخ ثقافة المبادرة و الاعتماد على النفس وتنمية روح الابتكار، مع ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة.

إن واقع الممارسة العملية للإدارة المغربية، يبين إلى حد ما أنه لازال هناك ارتباط كبير بالمركز سواء على مستوى اتخاذ القرارات أو على مستوى الارتقاء الاجتماعي، حيث إن بعض العقليات لم تستوعب بعد تطور الإدارة المغربية إن على مستوى التسيير أو التدبير، ثم في علاقتها بالمرتفقين، وهو ما يستدعي الإسراع في إخراج ميثاق اللاتمركز الإداري إلى حيز الوجود، الذي سيضع مما لا شك فيه اللبنات الأولى لإدارة مغربية واعية و مسؤولة.

– الطالب الباحث بسلك الدكتوراه: جمال الصادق، كلية الحقوق طنجة
– الطالب الباحث بسلك الدكتوراه: سعيد المصدياني، كلية الحقوق طنجة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • كريم
    منذ 6 سنوات

    مقال جد رائع

  • غير معروف
    منذ 6 سنوات

    مقال جد رائع