سياسة، مجتمع

أحداث جرادة: هل يتكرر سيناريو الحسيمة ؟.. فاعلون يجيبون

أثار التعامل الأمني للسلطات مع الاحتجاجات التي تعرفها مدينة جرادة، ردود فعل متباينة، بين من تخوف من تكرار سيناريو أحداث الحسيمة في ظل تشابه عدد من المعطيات بين الملفين، وبين من اعتبر أن المحتجين لم يعطوا أي فرصة لتنزيل الالتزامات الحكومية على أرض الواقع، وهو ما استدعى تدخل الأمن.

فاعلون اعتبروا أن مؤشرات عديدة تكشف أن ما وقع في أحداث الريف قد يتكرر في جرادة بأسلوب مماثل، مشيرين إلى أن المطالب الأساسية التي أخرجت نشطاء الريف إلى الشارع، هي نفسها التي حركت ساكنة جرادة، وقبلها زاكورة ومناطق أخرى، وهي المطالبة بالتشغيل والتنمية والكرامة وبدائل اقتصادية حقيقية.

سماح السلطات لنشطاء جرادة بالتظاهر لعدة أسابيع، قبل أن تقرر منع الاحتجاج وفض المظاهرات واعتقال ومحاكمة بعضهم، يؤشر بدوره على أن سيناريو الحسيمة قد يتكرر، خاصة وأن الدولة تعاملت بنفس الصورة تقريبا مع ملف الريف، وهو ما جعل متتبعين يعتبرون أن هناك هوة كبيرة بين الخطاب الرسمي للدولة ومؤسساتها، والممارسة على أرض الواقع.

بالمقابل، تعتبر الحكومة أنها قامت بواجبها في ملف جرادة من خلال الالتزامات التي قطعتها على نفسها بعد زيارات وحوارات لوزراء ورئيس الحكومة للمنطقة، وتشدد على أنه من الواجب على المحتجين إعطاء الفرصة للسلطات من أجل الشروع في تنزيل تلك البرامج، خاصة وأن بعض الإجراءات قد تم تفعليها على أرض الواقع.

وفي هذا الصدد، ينفي مصطفى الخلفي، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني والناطق الرسمي باسم الحكومة، بأن تكون هناك أي مقارنة بين الأحداث التي تعرفها مدينة جرادة، وما وقع في الحسيمة، معتبرا أن هناك فروقا شاسعة وكبيرة بين الملفين، وبالتالي تصعب المقارنة، حسب قوله.

سيناريو يتكرر كل مرة

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، عبد الرحيم العلام، اعتبر أن سيناريو الحسيمة تكرر عشرات المرات وليس في جرادة فقط، قائلا: “نتذكر كيف حاولت الدولة تشويه صورة المناضلين في احتجاجات سيدي إفني، عبر اعتقالهم وإفشال حراكهم الداعي إلى معالجة قضايا اجتماعية محضة”، وفق تعبيره.

وأوضح المحلل السياسي في تصريح لجريدة “العمق”، أن الخطاب الرسمي للدولة في ملف الريف، أكد أن مطالب الساكنة كانت على حق، بدليل الزلزال السياسي الذي تسببت فيه تلك الأحداث، وهو ما يتكرر حاليا من خلال اعتراف الدولة بأن جرادة منطقة منسية ومهمشة، و طريقة تفاعل الحكومة مع الاحتجاجات عبر تنظيم زيارات وإقرار إجراءات، يؤكد هذا المعطى.

وأضاف المتحدث أن الدولة حاولت في البداية إبراز احتجاجات جرادة كبديل عن حراك الريف، من خلال التأكيد على مشروعية المطالب وتفاعل الحكومة مع المحتجين، خاصة وأن نشطاء جرادة كانوا يرفعون الأعلام الوطنية وصور الملك في مسيراتهم.

وتابع قوله في هذا الصدد: “لكن صبر الدولة لم يدم طويلا، لتظهر عينها الحمراء في الموضوع خوفا من انتقال عدوى احتجاجات جرادة إلى مناطق أخرى، وتفاديا لوصف المغرب في المحافل الدولية بأنه بلد الاحتجاجات”، معتبرا أن “الاحتجاجات في المغرب لا تخفت، وهذه هي الحقيقة”.

الدولة لا تستفيد من أخطائها

من جانبها، قالت الناشطة الحقوقية والرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، خديجة رياضي، إن “الدولة كما قامت بنفس السياسة القمعية والاعتداء على المتظاهرين السلميين في الحسيمة، ومنع كل تظاهر وتحرك وتعبير عن غضب واحتجاج، تكرر تعاملها هذا في جرادة”.

واعتبرت في حديث لجريدة “العمق”، أن الدولة لا تستفيد من أخطائها وفشلها في التجارب السابقة، فهي ستعيد نفس السيناريو في جرادة وكل الاحتجاجات التي انطلقت وستنطلق، كما حدث في حراك الحسيمة وزاكورة وتندرارة وغيرهم، وفق تعبيرها.

وأشارت إلى أن “إعادة نفس السياسة الفاشلة لن يوقف الحراك، كما لم توقف الاعتقالات والمحاكمة الجائرة في الريف احتجاجات أخرى انطلقت، ومنها حراك جرادة”، مضيفة أن “كل ما تتوفر عليه الدولة لتقديمه للمطالبين بالحقوق وإقرار العدالة الاجتماعية، هي القمع والمقاربة القمعية، وهذه هي الأساليب التي تجيب بها الدولة على السكان والاحتجاجات السلمية”.

وتابعت قولها: “كان هناك حوار واقتراحات من طرف المسؤولين، لكن لا يجب فرض قرارات فوقية على الساكنة وإلا لن يسمى ذلك حوارا، ويجب الاستمرار في الإنصات لممثلي السكان، والبحث عن أجوبة حقيقية لرفع التهميش والمشاكل التي أضرت بالناس ودفعتهم للخروج إلى الشارع”.

وحملت الحقوقية، مسؤولية الأوضاع في جرادة إلى النظام السياسي الذي اعترف بنفسه في مختلف المناسبات، بفشل النموذج التنموي والإدارة والتعليم وكل المجالات، حسب قولها، مشيرة إلى أن الحل الوحيد لمثل هذه الملفات هو “الحوار والإرادة السياسية الحقيقية، ووقف كل أشكال القمع والاعتداء، ومعاقبة المتورطين في قمع المواطنين والاعتداء على حقوقهم الدستورية في الاحتجاج السلمي والتعبير عن غضبهم من السياسات الرسمية التي أفقرت المدينة وجعلتها من أكثر المدن تهميشا وفقرا”.

الحل في الإنصات

الناشط الإعلامي من منطقة الشرق، محمد شلاي، أشار في حديثه لجريدة “العمق”، إلى أنه لا يتمنى تكرار سيناريو الحسيمة في جرادة، “لكن للأسف الشديد كل المؤشرات تشير إلى إمكانية تكرار هذا الأمر، في ظل الإنزال الأمني الرهيب الذي حوَّل المدينة إلى ثكنة كبيرة، وموجة الاعتقالات التي طالت بعض شباب الحراك، وغياب الحلول الناجعة والآنية والملموسة على أرض الواقع”.

واعتبر المتحدث أن المسؤولية تتحملها الدولة “التي أخلت بالتزاماتها منذ 1998 بإغلاق شركة مفاحم المغرب، والتي كانت تشكل المورد المعيشي لمئات أسر جرادة، ولم توفر بديل اقتصادي لهم، وكذا المجالس الترابية المتعاقبة على تسيير المدينة والإقليم والجهة، وأيضا الأحزاب السياسية والهيئات النقابية وممثلي المدينة على كافة الأصعدة بتخليهم طوعا عن إيصال هموم ومشاكل مواطني جرادة”.

وأشار شلاي إلى أن “المقاربة الأنجع لحل مشكل جرادة وكل المشاكل المماثلة، هي كل المقاربات ما عدا المقاربة الأمنية التي أثبتت فشلها في العديد من المناطق، من سيدي إفني إلى الحسيمة وزاكورة، خاصة أن الاحتجاجات استمرت لمدة 4 أشهر بشكل سلمي وحضاري، وشهد بذلك وزراء ورئيس الحكومة ومسؤولون، بالرغم من بعض الانفلاتات المعدودة”.

وأضاف بالقول: “الحل يكمن في الاستماع والإنصات الجيد لمطالب الساكنة التي صبرت على التهميش والفقر والحكرة لمدة 20 سنة، وإقرار حلول مستعجلة بعيدة عن منطق البرامج والاستراتيجيات، ومحاسبة المسؤولين عن استغلال ثروات المدينة وعرق عمال آبار الفحم الحجري بعيدا عن منطق فتح تحقيقات لا يُرى أثرها ونتائجها إطلاقا”، على حد قوله.

حفظ النظام العام

بالمقابل، تؤكد الحكومة، أن “القوات المعنية بحفظ الأمن والنظام العامين، لها الحق في التدخل لإقرار القانون مع احترام المقتضيات القانونية التي تنظم اللجوء إلى ذلك”، معتبرة أن “الحق في التظاهر مكفول، لكن في إطار القانون واحترامه، وأن الحق في التظاهر السلمي لا يمنح الحق لأي كان بالرشق بالحجارة أو إحراق السيارات أو القيام بأعمال تتنافى بشكل كلي مع ما هو سلمي وأن الواجب هو احترام القانون”.

واعتبرت الحكومة في بلاغ لمجلسها الأسبوعي، أول أمس الخميس، أنها تتحمل مسؤوليتها بطريقة جماعية في مواكبة هذا الموضوع منذ البداية، وفي اتخاذ القرارات اللازمة طبقا لما ينص عليه القانون، مستنكرة في الوقت ذاته، “ترويج صور مفبركة من دول أخرى، التي بمجرد البحث في الأنترنت يتم اكتشاف أنها قديمة”.

وأكدت الحكومة على “وفائها لمختلف المطالب المعقولة والتزاماتها التي سبق الإعلان عنها، والمتعلقة بما يهم سحب الرخص وفتح تحقيق في عملية تصفية شركة مفاحم المغرب، وجدولة المتأخرات على مستوى فواتير الكهرباء وإلغاء الغرامات واعتماد الفوترة الشهرية، والسعي إلى تقديم مساعدة للأشخاص مرضى السيليكوز الذين يحتاجون لمولدات كهربائية، وكذا توزيع مصابيح اقتصادية، مع اعتبار مجانية الكهرباء مطلب غير معقول ولا يمكن قبوله”.

“البديل التنموي الذي قدمته الحكومة لفائدة المنطقة، والذي تم الإعلان عنه وتمت أجرأة العديد من خطواته، يحتم توفير الأمن والنظام العام لتنزيله، ودعوة الجميع لاحترام القانون”، يضيف البلاغ الحكومي، وهو ما يجعل من الضروري إتاحة الفرصة لتنزيل هذه البرامج، حسب ما أكد مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة.

لا مقارنة مع الحسيمة

الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، اعتبر أنه لا يمكن مقارنة الأحداث التي تعرفها مدينة جرادة، مع ما وقع في الحسيمة، قائلا في هذا الصدد: “لا أعتقد أن هناك مقارنة، لأن هناك فروقا شاسعة وكبيرة بين الملفين، وبالتالي تصعب المقارنة”.

وأوضح الخلفي خلال ندوة صحافية، أول أمس الخميس، أن قوات الأمن “اشتغلت بمستوى عال من ضبط النفس والتحفظ مع أحداث العنف التي جرت أمس، وكانت هناك مشاهد فيديو في الموضوع، وستخرج صور أخرى تظهر الصورة الكاملة لما حدث”، مشيرا إلى أن وزير الداخلية سينشر هذه مشاهد وصورا “لتكون الصورة واضحة على المستوى الإعلامي”.

وأشار الوزير إلى أن “الذي حصل أن 5 أشخاص اعتصموا داخل “السندريات” قبل أن تخرجهم الوقاية المدنية، وتم توقيف 9 أشخاص هم بيد القضاء للبث في مآلهم ومصيرهم، وعدد الإصابات البليغة بلغت 10 تم نقلها إلى المركز الاستشفائي الجامعي بوجدة، منها 8 حالات من قوات الأمن، وحالتين من المتظاهرين، لافتا إلى أن “هناك صور مفبكرة تعود لدول بعيدة عن المغرب، تم استعمالها ضد بلدنا، وقد التجأنا للقضاء في هذا المجال”.

وتابع قوله: “وزارة الداخلية أصدرت بلاغا تقيد نفسها بالقانون بأنه لا يمكن التدخل لفضل تظاهرة إلا في إطار أحكام القانون، وهذه الأمور تحتاج إلى الدقة”، موجها نداء إلى احترام القانون، و”الحكومة التزمت على الاشتغال على بديل اقتصادي ووضعت عناصره والتزمت بحل القضايا الاستعجالية وأعلنت عنها وانخطرت فيها، حيث كان لزاما أن يقع التفاعل إيجابا بضرورة إعطاء فرصة لتطبيق هذه التزامات الحكومة”.

المتحدث قال إن منهجية الحكومة قائمة على الإنصات والحوار وتفهم المطالب المشروعة وإعلان الالتزمات والتقدم بالإجراءات، ومن نتائج ذلك مواقف هيئات مدنية وسياسية وحزبية ومنتخبة بجرادة للتعبير عن الارتياح لهذه المقاربة، ولما طُرج الأمر في البرلمان سارعنا لمناقشته وجاء وزير الطاقة والمعادن إلى البرلمان بغرفتيه لشرح الأمر، فمن مسؤوليتنا إقرار احترام القانون وتوفير الشروط لتطبيق الإجراءات المعلنة من أجل بديل اقتصادي وحل المشكلات الاجتماعية، وفق تعبيره.

وأردف بالقول: “هل المواطنون غير قابلون بإجراءاتنا؟ لا نعتقد ذلك، والبعض كان لا يتصور أننا سنتخذ، بعد اللقاءات مع الوزراء، قرار سحب الرخص التي وصلت إلى 7 رخص استغلال و17 رخصة بحث، وإغلاق المحطات الحرارية 1 و2 و3، لكن تم الإعلان عنه والالتزام به، ولم يكن يعتقد البعض أننا سنفتح تحقيقا في تصفية مفاحم المغرب، وأعلن عن القرار”.

يُشار إلى أن مدينة جرادة عرفت، الأربعاء المنصرم، مواجهات عنيفة بين قوات الأمن والمتظاهرين، أسفرت عن سقوط جرحى في صفوف الطرفين، وذلك بعد تدخل قوات الأمن لفض اعتصام نظمه مئات المحتجين بمنطقة الآبار “السندريات” ردا على قرار وزارة الداخلية منع التظاهر بالشارع العام، حيث طالبوا بإيفاد لجنة “للتأكد فعلا إن كانت هناك مشاريع قد تم تنفيذها على أرض الواقع بجرادة، بدل إغراق المدينة بمختلف الأجهزة الأمنية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *