أخبار الساعة، سياسة

تقرير: انتخابات 2016 عبرت عن أزمة ثقة وحالة استثنائية في تاريخ المغرب

اعتبر التقرير الإستراتيجي المغربي (2014 – 2018) الصادر عن مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية التابع لجامعة محمد الخامس، أن انتخابات 2015 و2016 كشفت أن “القوة الانتخابية العددية لا تمنح بالضرورة القوة السياسية والمؤسساتية والتنظيمية وخصوصا في الديمقراطيات الناشئة أو المتعثرة أو المترددة أو ذات طبيعة سياسية هجينة لا هي بالديمقراطية ولا هي بالمستبدة”.

وسجل التقرير، الصادر في 700 صفحة هذا الأسبوع والذي حصلت جريدة “العمق” على نسخة منه، أن المغرب عرف تعثرات كثيرة خلال تشكيل وعمل الحكومتين السابقة والحالية مما يطرح، حسب التقرير، أسئلة عديدة حول البلقنة الحزبية والنظام الانتخابي وكذا حول وجود “تفاوت على مستوى استقلال القرار الحزبي”.

ورغم ذلك، يرى التقرير أن “الديمقراطية المغربية بإيجابياتها وعلاتها متميزة مقارنة مع ما تعيشه المنطقة العربية والجوار من أزمات وعدم استقرار”.

الانتخابات التشريعية 2016، يضيف التقرير، هي “تعبير واضح عن أزمة ثقة وحالة استثنائية في التاريخ السياسي المغربي”، لأنها أدت بالحزب الفائز إلى “نسج تحالفات هجينة مع أحزاب أخرى مما قد يؤدي في الواقع إلى بلقنة المشهد السياسي وتزايد العزوف السياسي مستقبلا”، وإلى “انعدام الثقة وغياب الفاعلية والجاذبية للعمل السياسي”.

الصحراء، الأحزاب، الإسلام السياسي، الجمعيات، السياسات العمومية (التعليم والصحة…)، هي أبرز المواضيع التي تناولها التقرير بالتشخيص والدراسة خلال الفترة الممتدة من 2014 إلى 2018 وهو ينقسم إلى قسمين: الأول يتناول المغرب وعلاقاته الدولية (مع القوى الكبرى والمنظمات الدولية وبلدان الجوار ودوائر التضامن العربي الإسلامي، وكذا المكانة المتزايدة لإفريقيا…)، ويدرس في جزئه الثاني الأبعاد المختلفة للوضعية الداخلية للبلاد (الفاعلون المؤسساتيون، والديناميات، والسياسات العمومية…).

وفي ما يخص الصحراء، يرى التقرير أن هذا “الصراع هو بين النظامين المغربي والجزائري بالأساس وذلك من أجل تزعم إقليمي مفترض، وليست البوليساريو إلا أداة يستعملها النظام الجزائري لتحقيق أجندته”.

وفي استشرافه للمستقبل، يضع التقرير أربع سيناريوهات ممكنة ويبقى الحكم الذاتي هو “الحل القابل للتحقق” إلا أنه يرى أن فشل المفاوضات حتى الآن بسبب “تصلب مواقف الطرفين (…) يفرض على الجميع إيجاد صيغة جديدة للتفاوض للحد من تفاقم الوضع أو العدول عن الحل السياسي وتبني الحل القانوني”.

وفي المجال الاقتصادي، اعتبر التقرير أن الحكومات المتعاقبة منذ 2011 استطاعت تحقيق “حصيلة اقتصادية تاريخية وتحرير حقيقي للاقتصاد الوطني”. حيث سجل أن حكومة عبد الإله ابن كيران تولت السلطة في ظل “وضعية اقتصادية صعبة” عرفت ارتفاع عجز الميزانية وتراجع احتياطي العملة الصعبة وتفاقم المديونية. وقد اتخذت الحكومة عدة إجراءات سمحت بالتحكم في المديونية وفي التضخم وتطوير الاستثمار الأجنبي وهو ما أعاد الثقة إلى الاقتصاد الوطني”.

وعكس الحصيلة الاقتصادية الإيجابية، سجل التقرير تراجعات في مجال الإعلام مثلا رغم المقتضيات الدستورية التي تنص على حق ممارسة الصحافة والحق في الولوج إلى المعلومة. حيث أوضح أنه، وبعد مرور سنة على دخول قانون الصحافة الجديد حيز التطبيق، فإن “حرية الإعلام والحق فيه مازالا يراوحان مكانهما خاصة وأن اللجوء إلى تطبيق القانون الجنائي على قضايا تدخل في صلب الإعلام ما زال قائما بالإضافة إلى العراقيل الجديدة التي تقيد حرية الإعلام الالكتروني بالأساس”.

التقرير الإستراتيجي هو أقدم تقرير من نوعه يصدر في المغرب منذ 1995 عن مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية التابع لجامعة محمد الخامس تحت إشراف عبد الله ساعف. وهو أول مركز للتفكير في المغرب وشمال إفريقيا حسب الترتيب السنوي لمراكز التفكير الذي تصدره جامعة بنسلفانيا الأمريكية.

ويساهم في إعداد التقرير فريق يضم حوالي 40 من “الباحثين المتطوعين الذين يعملون، بدون مقابل معتمدين على مواردهم الخاصة” يوضح التقرير. وهو يعمل على توثيق ووصف الوقائع الخام ومحاولة “استيعاب المعالم والاتجاهات، ومتابعة التسلسل الزمني للأحداث، وإحصاء الآليات التقليدية ومتابعة وضعية المبادلات التجارية، ووضعية التسلح…” كما يقدم السيناريوهات الممكنة لتطور الأوضاع في المستقبل.

ورغم وجود بعض الثغرات في ما يخص اختيار المواضيع ومواكبة جميع الأحداث والسنوات التي شملها الرصد، فإن التقرير يسعى إلى أن يكون مرجعا “يضع بين أيدي الأكاديميين والباحثين من مختلف الآفاق والتخصصات والمراقبين والمحللين، أداة للعمل موثوقا بها قدر الإمكان (…) عبر أخذ مسافة من الفاعلين، ومن النظام في شموليته ومن نظمه الفرعية، بالاعتماد فقط على المعلومات المنشورة بدون أي قرب خاص من أي مصدر كان”.

وسيعمل المركز لاحقا على القيام بقراءة تركيبية أوسع لمجموع هذه المعطيات التي رصدها في كتاب جماعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *