الرأسمال الفكري

أمر غريب أن نجد أنفسنا على هذا النسق من التفاوت والانقسامات التي لا مناص منها مع بقية بلدان العالم، بل انه أمر يبعثك بالخوف من حتميته في العلاقات الدولية. فانا لا أؤمن بتلك الفوارق مهما اختلفت أشكالها وغاياتها طالما نتشارك السمات والمذاهب الاقتصادية أو الاجتماعية ذاتها وان اختلفت.

فليس من شأن الاختلاف أن يجعل منا مجالات وعوالم منفصلة عن بعضها البعض ، وحتى تلك المعايير الاقتصادية والتنموية ليست كفيلة أن تمنح لكل بلد مجال يتربع داخله . حقا فكل هذه المقومات فهي مقنعة أن تجعل من بلد ما بلد مثالي ونموذجا يحتذى به في العلاقات الدولية لكن وفي كل الأحوال ليست كافية حتى وان اتفق الكثير عن تأثيرها على البلد ومكانته التي يكتسبها من خلالها. والرأي عندي أن ما يجدر أن نوليه اهتماما بالغا وتقديسا عاليا هو ذلك العنصر الذي لا تبرم عليه اتفاقيات أو توقع عليه عقود ليتم تبنيه من طرف أي بلد ضمن سياساته الداخلية كانت أو الخارجية وهذا العنصر هو ما يمكن أن ندعوه بالرأسمال الفكري.

فليس من السهل أن تعمل أي دولة على بناء بلدها والصعود بالقدرات الفكرية لمجتمعاتها وتقوية هشاشتها الفكرية لكن فهي قادرة على العمل والاجتهاد لتقديم كل ما عندها من قدرات لدعم العنصر الذي أطلقنا عليه سابقا الرأسمال الفكري، فهذا الأخير لا يختلف كثيرا عن الرأسمال المادي كل منهما وسيلتان ناجعتان لمستقبل زاهر. لكن يحز في النفس أن تجد بلدا ينقب بمختلف الطرائق عن طرق ممهدة للتفوق والتقدم دو أن يولي أي اهتمام للبنى التحتية العقلية، وهذا أمر لا يستوعبه عقل أي من كان. لكن السؤال المطروح هل يعقل أن تكون الجهات المسؤولة لأي بلد يسعى نحو التغيير حقا يجهل هذا السر الثمين من أسرار التقدم ؟ من البديهي سيكون لا حيث أن فئة عريضة من فئات من المدنيين في مجتمعاتنا تعي قوة وتأثير التفكير الايجابي والوعي والمعرفة ونجاعة ذلك في السير قدما.

لن يتغير شيء في مجتمعاتنا حتى يتغير ما تحمله عقولنا بما هو أفضل ، هكذا سنستوي جميعا وسنبحث على امتلاك هذه الوسائل المجانية ذات الأهمية البالغة التي نعوز إليها ، ثم ستندثر فكرة الانقسامات المجالية من عقولنا ، وسنبدأ في التطلع والاهتمام بمؤشرات التعليم والوعي والنتاج الفكري الفردي ، ومن ثم سنجد كل الطرق ممهدة لأي هدف أنشدناه في السابق كما أن تطلعاتنا ستكبر وستصبح لنا تطلعات وآفاق خاصة بنا ومن براءة انجازنا ولن نقوم بعد ذلك بانتهاج أي نهج تم العمل به من قبل ولن نكون في حاجة إلى ذلك مادام الرأسمال الفكري في خزائن عقولنا.