وجهة نظر

في زمن تقديس المرأة وتجريم الرجل

الرجولة منبع الجريمة و الرجل مُجرِم بطبيعته، لِأنَّ الإرهابي رجل و الديكتاتوري رجل، و جنرال الجيش و بارون المخدرات و المغتصب و السكير و السارق و المرتشي كلهم رجال. لا يجب أن تحتضنهم مجتمعاتنا الإنسانية الحديثة التي تحترم الحريات و حقوق الإنسان. ماذا نفعل بهم إذن ؟ نُعدِمهم أو نسجنهم؟. قد يكون هذا الحل الأمثل لِكي نَنْعَم بالسلام و الأمن في هذا العالم. و من أراد منهم أن يستمر في العيش بيننا فيجب عليه أن يتشبع بقيم الأنوثة السمحة و يتخلص من رجولته الهمجية.

أعتذر عن عبارة ” الهمجية “. فرغم ذلك، لا يجب أَنْ نُحَمِّلَ رجال اليوم كل هذه المسؤوليات في تَطبُّعِهم بهذه الطِباع الحيوانية، لأن المجتمع يظل في الحقيقة هو المسئول الأول عن فسادهم، فهو الذي لَقَّنَهم قيم الرجولة و جعل منهم رجالا مع الأسف. كنتُ قد قرأت ذلك في إحدى كُتبِ العالِمَة الجليلة و الزعيمة الروحية للثورة النسائية في القرن العشرين “simone de beauvoir”. ففي نظرها، لا يُخلَق الرجل و المرأة كذلك، أي أن الفطرة لا دخل لها في سلوكهما الجنسي، و إِنَّما التنشئة الاجتماعية هي المحدد الوحيد لأدوارهما في المجتمع. و أكدت ذلك في مقولتها الشهيرة : ” On ne naît pas femme on le devient “. إنها جملة خالدة تحفظها كل النسوانيات المناضلات ” Les féministes “و تُلَخِّص كذلك “نظرية النوع الاجتماعي” العظيمة التي تُعتبر المرجع الفكري و الإيديولوجي لكل المواثيق الدولية حول المرأة، و التي صادقت عليها بلادنا -الحمد لله- كلها و بدون تحفظ. سأشرح أكثر هذه النظرية الرائعة، فمثلا لو رَبَّينا الرجال منذ صغرهم على اللعب بالدُمى و أواني المطبخ ، بدل اللَّعِب بالمسدسات وتقليد المطاردات البوليسية، لَتعَلَّمُوا من الدُمى قِيَم الحب و الجمال و التسامح، و ابتعدوا عن قيم الاندفاع و المخاطرة و التنافس، التي تتسبب لهم في اضطرابات نفسية و سلوكية، كالعنف و كراهية الآخر، ستدفع بهم لا محال لارتكاب جرائم بشعة ضد الجنس الأضعف. إنها فعلا نظرية القرن، و يجب أن تُدرَّس في مقرراتنا الدراسية على غرار فرنسا و النرويج و باقي البلدان المتحضرة، و ذلك لكي يفهم الطفل منذ الصغر أنه بإمكانه أن يختار النوع الاجتماعي الذي يناسبه، كما بإمكانه أن يغيره في أي وقت، كأن يُمْسِيَ رجلا في المساء، و يُصبح امرأة في الصباح يَضَعُ مساحيق مبيضة على بشرته. أجل!. ما المانع من ذلك؟ و بماذا سوف يُؤْدِي هذا المجتمع إن عبَّر عن حريته في الاختيار؟. إنه واهم من يظن أن للجينات و الهرمونات أي دور في سلوكياتنا، لا بالعكس فنحن أسياد أنفسنا.

أعتذر عن عبارة “أسياد”، لم أقصد بتاتا استعمال كلمة رجولية تنتمي للقرون الوسطى. لاحظوا كيف أصبحت حتى لغتنا المتداولة للأسف ذكورية، تُكَرِّسُ العبودية و السلطوية و الأبوية، فاللعنة على هذه الرجولة التي تلاحقنا حتى في اللاشعور. يتبين أنَّ الطريق مازالت طويلة أمامنا لكي نصلح ما أفسدته السنوات و القرون، بل و الحقب الغابرة من الزمن. فمنذ أن نشأ الإنسان على الأرض و المرأة تعاني من ظلم الرجل لها، و لا يمكن بالطبع لبضعة عقود من الزمن أن تُصْلِح أخطاء البشرية منذ نشأتها. لكن يجب أن نتفاءل خيرا مع هذه الصحوة النسائية المجيدة التي تشهدها بلادنا هذا العام، فقد تَمَّ سَنُّ قوانين تَحْفَظ للمرأة قداستها، حيث يُعاقب كل من أمعن النظر في امرأة بدون سبب. نعم.. و حتى من أرسل لها رسالة قصيرة تَحمِل بعض عبارات الغزل. و كدليل على نجاح هذه القوانين، هو ما نتابعه يوميا من اعتقالات لأكبر الشخصيات في الفن و السياسة و الصحافة و الذين استغلوا مناصبهم لإهانة المرأة بدعوى أنها تثير غرائزهم الفطرية بلباسها القصير و الشفاف. نُذَكِّرُ هؤلاء أن بلادنا مستعدة للتضحية بكل علمائها و مثقفيها و أبطالها و زعمائها من أجل كرامة امرأة و لو كانت عاهرة، و من لا يتحكم في غرائزه لا يمكن أن يقارن إلا مع الحيوان.

أعتذر عن عبارة “الحيوان”، فلم أقصد بها توصيف كل الرجال، لأن هناك من إخوتنا الرجال من يعاملون المرأة باحترام فتحية إكبار و إجلال لكل النساء، و خصوصا اللواتي يعشن ظروف لا إنسانية و يعانون في صمت، كتلك المومس المسكينة التي تبيع لحمها لتعيل أمها و إخوتها. و الأمهات العازبات ضحايا أكاذيب و احتيال الرجال. لا يمكن لأي امرأة، كيف ما كان الحال، أن تجسد الشر لأن القيم الأنثوية كلها خير. و القيم الرجولية هي المسببة لِآلام العالم.

أعتذر هذه المرة عن تناولي لهذا الموضوع المهم بأسلوب السخرية، ما وجدت بديلا عن هذا الأسلوب للرد على هذه الحملة الشنيعة التي يتعرض لها الرجل و قيم الرجولة، و التي يغذيها ذلك الخطاب الديماغوجي الذي يدوس بحوافره على أبسط أبجديات المنطق، و الذي تتبناه مع الأسف كل المؤسسات من حكومة و أحزاب و جمعيات و وسائل الإعلام، في تواطؤ خطير ضد هوية و إرادة شعب بأكمله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *