وجهة نظر

الرحلات المنظمة وثقافة المواسم بالمغرب

مع حلول الصيف عادة ما يبدأ تفكير الأسر خاصة من الفئات المتوسطة والمرفهة في السفر وقضاء عطلها الإدارية في أماكن مختلفة سواء داخل المملكة أو خارجها . فتتحرك الأسر بشكل جماعي لتنتقل إلى المكان المختار سواء كان مدينة أو قرية منتجعا جبليا أو شاطئا بحريا عادة ما يتم بشكل يذكر بما كانت تقوم به الاسر القروية المغربية في الماضي ، عندما كانت تسافر للمشاركة في مواسم بعض الأولياء ، حيث تستقر لبضعة أيام أو أسابيع في الخيام المنصوبة والاحتفال الجماعي بهذه المواسم لتعود أدراجها بعد انفضاض هذه المواسم.

والغريب أن هذا السلوك هو الذي ما زال يحرك أغلب الأسر المغربية في أسفارها لقضاء العطل السنوية أو بعض العطل الدورية أو نصف السنوية . فتجد أن هذه الأسر على الرغم من التغير الذي طال بنية التركيبة الاسرية والعائلية في المدن المغربية ، بتحول غالبيتها من أسر بدوية أو قروية تقطن المداشر والدواوير إلى أسر تسكن شققا ومنازل في إقامات عصرية أو أحياء شعبية ، فإن سلوكها في السفر ما زال مطبوعا بسلوك المواسم والتنقل الجماعي . فإطلالة سريعة على الطرقات والمنتجعات وأماكن الاصطياف ، تؤكد بالملموس هذا المعطى . فجولة سريعة في مدن الشمال كطنجة ، وتطوان ، و المضيق ، ومارتيل ، أو بمدن بوسط المملكة كالجديدة ، والوليدية ، أو بجنوب المغرب كمراكش ، والصويرة وأكادير …تكرس الانطباع بأن هاته الاسر المنحدرة من مدن كبرى كالدارالبيضاء والرباط وفاس ومكناس …هي بصدد المشاركة في زيارة لمواسم سياحية أكثر من القيام بقضاء عطل سياحية . ولعل ما يقوي هذا الانطباع هو الاكتظاظ ، والصخب ، وانعدام النظام ، والصراخ ، والسرعة في السياقة مع إطلاق كل أنواع الموسيقى الشعبية الصاخبة ، حيث يزداد ويتضاعف هذا الصخب بانضمام مئات من مهاجري الجالية المغربية بالخارج التي تختار هذا التوقيت لقضاء عطلها السنوية . إلى جانب ذلك ، عادة ما تساهم بعض شركات الاتصال في هذا الصخب السياحي بتنظيمها لسهرات موسيقية صاخبة ببعض الشواطئ الشيء الذي يحول هذه المدن طيلة هذه الفترة الصيفية إلى مواسم سياحية جماعية بكل صخبها وضوضائها ، في الوقت الذي من المفروض أن هذه الأسر التي تجشمت عناء التنقل ووعثاء السفر ، والانتقال من مدنها الصاخبة ، هي تبحث قبل كل شيء على نوع من الهدوء ، وبعض من السكون لتهدئة أعصابها ، وإراحة آذانها من هدير المحركات ، و أبواق السيارات ، وضجيج الأصوات ، والابتعاد عن أماكن الاكتظاظ ، وتجنب بؤر الازدحام .

ولعل هذا السلوك ليعكس بشكل جلي العقلية السياحية التقليدية التي ما زال تحرك تنقل المغاربة في أسفارهم السياحية بما فيها تلك السفريات التي تنظمها بعض وكالات الأسفار المغربية سواء داخل المغرب أو خارجه . فرغم أن هذه الرحلات المنظمة التي عادة ما تشارك فيها فئات شابة ينتمي أغلبها إلى الطبقات المتوسطة من أجراء وموظفين خاصة من النساء التي عادة ما تشكل غالبية هذه الشرائح ، إلا أن السلوك السائد عادة ما يغلب عليه طابع المواسم ، حيث عادة ما يغيب الانضباط ، ويكثر الصخب ، وتنفجر الطاقة الداخلية من القهقهة المجلجلة ، والتدافع العضوي ، والتسابق على الأمكنة ، والانقضاض على اطعمة البيفيه بمختلف الفنادق بدون حسيب ولا رقيب ، حيث يفضل المشاركون وخاصة المشاركات تكسير نظام البفيه المعمول به في مختلف فنادق العالم ، الذي يقوم على تناول مأكولات كل وجبة وفق العرف العالمي المألوف من خلال البدء بالسلاطات أو الحساء كمدخل ، وانعطافا بالطبق الرئيسي وانتهاء بالديسير من حلويات وفواكه أو مثلجات ، بمراكمة مختلف هذه الأطباق وهذه المأكولات وتناولها في سرعة قياسية حتى التخمة . ولعل مما يكرس هذا السلوك ، هو أن هذه الوكالات التي تكون في غالبتها صغيرة الحجم و في ملكية أشخاص معينين ، والتي يكون هدفها الأساسي تجاري محض ، عادة ما تكتفي بتنظيم إجراءات الرحلة أكثر من تنظيم المشاركين والمشاركات ، حيث قليلا بل نادرا ما يتضمن برنامجها السياحي التنصيص على أية ضوابط تساهم في خلق جو الاحترام المتبادل ، والسهر على المشاركة في وضع نظام داخلي يضمن الانضباط ، واحترام التوقيت ، وتغليب الروح الجماعية داخل الرحلة . وبالتالي ن فالكثير من المشاركين أو المشاركات عادة ما ينضم إلى رحلة سياحية منظمة انطلاقا من السعر المحدد للرحلة ، وما يتضمنه برنامجها من زيارات وخدمات ن دون أن استيعاب بأن رخص السعر هو مرتبط بالأساس بعدد المشاركين والمشاركات معه في الرحلة . فمشاركته ومشاركتهم بشكل جماعي هي التي سهلت له الحصول على الرحلة المنظمة و ما توفره من خدمات وزيارات بسعر أرخص من ذلك السعر الذي من المفروض أن يؤدى لو سافر المشارك بمفرده أو مع بعض أفراد عائلته أو بعض معارفه أو أصدقائه . لكن بدل أن يستوعب المشاركون أو المشاركات في هذه الرحلات المنظمة هذا المعطى ، تجدهم يتصرفون بعقلية السائح الفرد والحر من كل التزام ، حيث يرفض تنبيهه أو تنبيهها إلى أن أي تأخر أو عدم الانضباط في الوقت سيكون على حساب باقي المشاركين والمشاركات . ولعل مرد هذا السلوك هو افتقاد أغلب المشاركين في هذه الرحلات المنظمة لثقافة السفر الجماعي غير العائلي وغياب أي تربية على التخييم والسفر الجماعي ، إذ أنه على الرغم من إشراف الدولة منذ بداية الاستقلال على قطاع التخييم من خلال وزارة الشبيبة والرياضة ، و دعم العديد من الجمعيات للقيام بهذه المامورية ، فإن ذلك لم يساهم بشكل كبير في تربية جل الشباب على ثقافة سياحية جماعية سليمة وصحية ، نظرا للعدد الضئيل الذي يشارك بشكل موسمي في هذه المخيمات الصيفية ، والتي عادة ما ترتبط بأبناء الفئات المعوزة والفقيرة ، في الوقت الذي من المفروض أن تتحمل الدولة مسؤوليتها في تربية المواطن على التخييم الجماعي والسياحة الجماعية من خلال غرس روح الانضباط فيه منذ الصغر ، وتشجيع المدارس العمومية والخصوصية على تنظيم رحلات منظمة للتلاميذ والتلميذات لزيارة مختلف انحاء المغرب والتعرف على جغرافية الوطن التاريخية والطبيعية ليس من خلال الاكتفاء بالنظر في الخرائط فقط بل من خلال المعاينة المباشرة والمشاهدة العينية ، حتى يترسخ الشعور الوطني في نفسية هؤلاء التلاميذ والتلميذات من خلال تلمس جغرافية وطنهم والتمتع بمناظرها مما سيزيد من التصاقهم وحبهم لوطنهم بشكل محسوس وملموس . فحب الوطن لا يشمل فقط التغني والترنم بمحاسنه من خلال ترديد أناشيد وأغان وطنية أو من خلال متابعة صور ومشاهد متلفزة ، بل من خلال الإحساس الفردي والمعاينة الجماعية لمختلف المآثر التاريخية والتعرف على المعالم الحضارية والثقافية والتجول بين المكونات الطبيعية المتنوعة التي تزخر بها المملكة . فالمغرب من البلدان القلائل الذي يمكن أن تنتقل فيه في نفس الآن من منطقة صحراوية إلى منطقة جبلية ، إلى منتجع شاطئ ، بل هو البلد الوحيد الذي يمكن أن تتمتع فيه بالنظر إلى رمال الصحراء من جهة ، وإلى أمواج البحر في الجهة المقابلة على طول أقاليمنا الصحراوية الممتدة من طانطان إلى الداخلة على سبيل المثال لا الحصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *