سياسة

تموقع الاستقلال في المعارضة .. إرباك للحكومة أم تقوية للحزب؟

بعد حوالي سنة من “اللاموقف” الذي اتخذه حزب الاستقلال من الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية، أعلن أخيرا حزب الميزان، عن تموقعه رسميا في المعارضة، بعدما صوت أعضاء مجلسه الوطني بالإجماع على قرار الاصطفاف في المعارضة، لينسخ بذلك قرار المساندة النقدية للحكومة الذي اتخذه الأمين العام السابق حميد شباط منذ 2015 بعد الانتخابات الجماعية والجهوية.

محللون سياسيون شددوا على أن الحزب اختار موقعه الطبيعي في ظل السياق الراهن الذي يفرض عليه عدم تحمل تبعات الضغط الحكومي، خاصة وأنه خرج من “حرب سياسية داخلية طاحنة” بعد مؤتمره الأخير، معتبرين أن هذا القرار سيعطي للحزب فرصة التعافي من التصدعات وإتمام هيكلته، في أفق التحضير بقوة للانتخابات المقبلة.

وبعد قرار حزب علال الفاسي في مجلسه الوطني، سيتعزز موقع المعارضة في البرلمان بالحزبين الثاني (الأصالة والمعاصرة) والثالث (الاستقلال) من حيث عدد المقاعد، الأمر الذي سحيتم عليهما التنسيق والعمل المشترك في مواجهة سياسات حكومة العثماني، فكيف سيؤثر قرار حزب الاستقلال على حكومة العثماني والمشهد السياسي بشكل عام؟ وما مستقبل الحزب في ظل تموقعه في المعارضة؟.

خلخلة المشهد السياسي

المحلل السياسي حفيظ الزهري، اعتبر أن إعلان حزب الاستقلال الاصطفاف في المعارضة، بعد عام من تشكيل حكومة العثماني، سيخلخل المشهد السياسي المغربي، وسيساهم في إعادة الروح إلى العملية السياسية بالمملكة، لافتا إلى أن عودة الحزب للمعارضة جاء بعد فترة نقاهة من مرض وصراع داخلي ألم بجسم الاستقلاليين، كان من نتائجه اختيار المساندة النقدية للحكومة.

وأوضح الزهري في تصريح لجريدة “العمق”، أن تموقع الحزب في المعارضة، سيحقق التجانس السياسي الذي بدأ يعود إلى الحزب مع أمينه العام الحالي نزار بركة، خاصة بعدما اجتاز الحزب مرحلة المخاض السياسي قبل مؤتمره الأخير، وخاض أبناؤه صراعات طاحنة على المستوى السياسي.

وقال الباحث في العلوم السياسية، إن الانتقال من المساندة النقدية للحكومة التي اتخذها الحزب في مرحلة البلوكاج، إلى المعارضة، جاء استجابة لقواعد الحزب الذين كانوا يطالبون بتوضيح تموقع الحزب بعد تشكيل الحكومة، وهو ما سيجعل “الميزان” يدخل اللعبة السياسية بأريحية الآن.

وأضاف المتحدث، أن قرار حزب الميزان سيعطي قوة للمعارضة التي أصابها الضعف بعد تشكيل الحكومة الحالية، مشيرا إلى أن الاستقلال سينسق مع حزب الأصالة والمعاصرة في العمل السياسي ضمن المعارضة البرلمانية، وفق تعبيره.

وأشار إلى أن التنسيق المرتقب بين الميزان والجرار، لن يرقى إلى مستوى التحالف السياسي والاستراتيجي على مستوى البرامج والاستحقاقات الانتخابية، بل سيكون محدودا بالعمل البرلماني والسياسي، على اعتبار أن حزب علال الفاسي يجد نفسه دائما إلى جانب أحزاب الكتلة الديمقراطية.

حفظ ماء الوجه

من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، محمد الغالي، إن إعلان حزب الاستقلال التموقع في المعارضة، جاء لحفظ ماء وجه العمل السياسي بالبلد، مشيرا إلى أن الظرفية السياسية الراهنة تحتم على الحزب الاصطفاف في المعارضة، خاصة وأن سيناريو تواجده في الأغلبية كان سيضر به.

وأوضح الغالي في تصريح مماثل لجريدة “العمق”، أن حزب الميزان أظهر من خلال هذا الموقف، أنه ليس حزبا مرتبطا بالحكومة دوما، وأنه يخدم مشروعه ضمن العمل السياسي بالمغرب سواء كان في المعارضة أو الأغلبية، لافتا إلى أنه في حالة كان المجلس الوطني قد اتخذ قرارا بالانضمام إلى الأغلبية، فسيتأكد أن الحزب غير مستوعب للسياق الحالي.

واعتبر المتحدث أن انضمام الاستقلال إلى الأغلبية كان سيربك المشهد السياسي بالبلد، مشيرا إلى أن مفهوم المعارضة تغير مع دستور 2011، حيث أصبحت المعارضة تقوم بجزء من التدبير السياسي من خلال العمل البرلماني، وهو ما يعطيها قوة وفاعلية في حالة الالتزام بتنزيل أدوارها كما نص عليها الدستور.

المحلل السياسي شدد على أن حزب نزار بركة أعطى لنفسه الفرصة، من خلال هذا الموقف، من أجل تفادي الضغط الحكومي، ومعالجة التصدعات والانشقاقات التي مر بها خلال المرحلة السابقة مع الأمين العام السابق حميد شباط، ولاستكمال مسار هيكلة الحزب في أفق الانتخابات البرلمانية والجماعية المقبلة، حسب قوله.

موقف الحياد

بدوره، أوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، عبد الرحيم العلام، أن تموقع حزب الاستقلال في المعارضة أمر طبيعي لحزب غير مشارك في الأغلبية الحكومية، مشيرا إلى أن المساندة النقدية التي تبناها الحزب خلال المرحلة السابقة، لا توجد في أي بلد آخر في العالم، وهو موقف كان قد التجأ إليه حزب العدالة والتنمية لتفادي الصدام مع الحكومة في أول دخول له إلى البرلمان.

وشدد المحلل السياسي في تصريح للجريدة، على أن الوضع الحقيقي للحزب حاليا هو الحياد السياسي خلال الفترة المتبقية عن الانتخابات المقبلة، وليس المعارضة أو المساندة، لافتا إلى أن اصطفافه في المعارضة، خيار غير اختياري ولا بديل عنه، ولو كان بإمكانه الانضمام إلى الأغلبية لفعل، مشيرا إلى أن هذا القرار جاء من أجل لملمة قوة الحزب وتقوية خطابه وتحفيز الشارع.

غير أن شخصية الأمين العام للحزب نزار بركة، يضيف العلام، لا تصلح للمعارضة، مضيفا بالقول: “بركة شخصية ضعيفة على مستوى الخطاب، فهو لم يستطع تأطير ولا مهرجان خطابي واحد لحزبه، فكيف سيمارس خطاب المعارضة وينتقد الحكم وهو الذي تربى في الحكم؟”، وفق تعبيره.

عزل البيجيدي

بالمقابل، اعتبرت البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية، آمنة ماء العينين، أن إعلان حزب الاستقلال اصطفافه في المعارضة “بعد موقف كبير ومشرف اتخذه أثناء البلوكاج”، في إشارة إلى المساندة النقدية لبنكيران قبل إعفائه، يؤشر على أن عملية عزل حزب العدالة والتنمية جارية، وفق تعبيرها.

وأوضحت في تدوينة لها اليوم السبت، أن الموقف الذي اتخذه حزب الميزان، ينضاف إلى “حملة الاستهداف الواسعة” التي تعرض لها حزب التقدم والاشتراكية من أجل “تأديبه”، في مقابل التكتل الحزبي الذي يقوده حزب التجمع الوطني للأحرار مع الحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري.

وأضافت القيادية في حزب العثماني، أن مسؤولي حزبها مطالبون باستحضار هاجس أساسي هو خطورة عزل الحزب عن عمقه الشعبي، قائلة في هذا الصدد: “لا تكمن الأولوية في وقف الانتقاد الداخلي، بقدر ما تكمن في طرح الاسئلة الحقيقية والإجابة عنها في إطار نقاش سياسي حقيقي، وعلى الحزب أن يوحد صفوفه على قاعدة وحدة الرؤية بعد الإنصات الهادئ للرأي والرأي الآخر حتى يتمكن من الاستمرار”.

في المعارضة بالإجماع

يُشار إلى أن حزب الاستقلال قرر بشكل رسمي، التموقع في المعارضة إثر التصويت على القرار بالإجماع من قبل أعضاء المجلس الوطني للحزب، اليوم السبت، وذلك بعدما كان موقفه منذ 2015 هو المساندة النقدية للحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية.

جاء ذلك، بعد العرض السياسي الذي قدمه الأمين العام لحزب الاستقلال نزار بركة، والذي هاجم من خلاله حصيلة حكومة سعد الدين العثماني قائلا إنها لا ترقى إلى المستوى المطلوب، متسائلا لماذا تتقدم أوروبا ولا نستفيد نحن من ذلك، مشددا على أن “معارضة الحزب ستكون معارضة استقلالية وطنية معبأة للدفاع عن الجبهة الوطنية الداخلية، ومعارضة ستحاول أن تشارك في التحولات والإصلاحات الكبرى لبلادنا، ومعارضة تحترم ذكاء المواطن وتحرص على إسماع الرأي الآخر داخل المؤسسات، ومعارضة تعمل على تقوية المؤسسة البرلمانية وتأطير المواطنات والمواطنين.

وأضاف أن حزبه سيقود معارضة ستعمل على تطوير الممارسة السياسية وفق رؤية جديدة من خلال التفاعل والقرب والإنصات للمواطنين، والترافع من خلال التعبئة وتأطير النقاش العمومي، والتفكير والتوجيه الاستراتيجية من خلال المساهمة في بلورة البدائل، والعمل على ترجمة حاجيات وانتظارات وانشغالات المواطنين إلى تعابير عملية في المجالس الانتخابية التي سترأسها أعضاء الحزب.

وعرفت أطوار انتخاب رئيس المجلس الوطني لحزب الاستقلال، مفاجأة من العيار الثقيل، وذلك بعد أن تم انتخاب القيادي الاستقلالي وعضو اللجنة التنفيذية للحزب شيبة ماء العينين رئيسا لبرلمان الحزب، رغم أنه كان خارج المرشحين لهذا المنصب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *