منتدى العمق

بين البيجيدي وفيدرالية اليسار ..

كنت متعاطفا مع البيجيدي في العشرين من فبراير، دعمته وأنا صغير حينها، ظللت أردد أن بنكيران نظيف اليد، وان العثماني رجل فقيه محترم، وكنت معجبا بفصاحة عزيز الرباح وقدراته التواصلية الهائلة التي اكتشفتها في مؤتمر إقليمي لحزبه في سيدي قاسم، لكنه منعنا حينها من أن نسجل كلمته، وكان هذا غامضا، لكننا لم نكن حينها ندري أن ما يقوله في الرباح في السر قد يقول عكسه في العلن، حتى جاء البلوكاج والأشياء الأخرى فاكتشفنا ذلك فجأة ودون سابق إنذار.

مرت تجربتي مع البيجيدي بسلام انتهى بنكسة قناعاتية، رأيت اليسار حلما جميلا قد يأخذنا نحو بر الأمان، بشعاراته وصرخاته ومواقفه، كان اليسار ملهما لنا حينها، يلمس عمق التمرد فينا، ويكبح قابليتني لقول الأشياء الجميلة في دولة لم نكن نرى فيها سوى الكثير من الظلم والقهر والشر، وخرجت مع الفيدرالية أدعمها في حملتها الانتخابية، صرخت وحملت مكبر الصوت بيدي لأدعو الجماهير للتصويت للرسالة بسيدي قاسم، والأكبر من هذا كنت مؤمنا بأن من لم يصوت للفيدرالية فإما قد يكون مخزنيا متملقا أو أصوليا رجعيا محافظا.

خاب ظني في البيجيدي وهي تقدم التنازلات وتخون عمق الثقة التي وضعها فيها الشعب المغربي من جهة، وافترقت معهم إيديولوجيا طلبا للحرية والتفتح اللذان لم أجدهما في مشروعهم الإيديولوجي الكئيب المتزمت. أما فيدرالية اليسار فكنت قادما لها من تجربة إسلامي قد ضاق درعا بالأوامر والأحكام والفقه بحثا عن الحرية والعقل، ومن التماهي مع السلطة في كل قراراتها إلى حيث يجب استخدام العقل والشجاعة لرفض ما يجب رفضه، لكني وجدت نفسي في حضرة إيديولوجية وممارسة ترجح أيضا النقل عن العقل، لكن بعنف أقل، وتمسك أكبر.

فأنا القادم من هاتين التجربتين، اتضح لي جليا من وقائع متعددة ومتعاقبة أخرها مسيرة التضامن مع فلسطين، أن كل ما كان قد يجمع الشخص بأحد التنظيمين قد راح، وان الفيدرالية والبيجيدي قد تقزما سياسيا أكثر مما كانا عليه قبل هذا، وتحول وجودها السياسي في الساحة إلى وجود بوليميكي يؤثث المشهد كما هي تماما الحالة الوجودية المتخبطة للكيانات السياسية الأخرى الذي لعبت هذا الدور منذ القدم.

البيجيدي وفيدرالية اليسار، تجربتين سياسيتين كتب لإحداهما الموت سياسيا وجماهيريا بعد وصولها للكرسي واغتنام أصحابها للفرصة التي لم تكن متاحة لإخوانهم في البلدان العربية الأخرى، أما الثانية فكتب لها المسكينة أن تبقى ميتة سياسيا وجماهيريا وتستمر كذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *