مجتمع، ملف

لسعات العقارب.. الموت القادم من الصيف

لم ينتصف بعد العام الجاري، ولم يشتد بعد الحر، ولم تلفح الرمضاء جلود الخلق حتى بدأت بنات الصيف من عقارب وأفاعي تحصد أراوح من تصادفهم أثناء خروجها من جحورها الغائرة.

وقد كانت أولى الضحايا من المغرب العميق، إذ لقيت رضيعة من الجماعة القروية سيدي الحطاب بدائرة تساوت مصرعها إثر لسعة عقرب قاتلة، ولم يفلح أطقم المستشفى الإقليمي لمدينة قلعة السراغنة من إنقاذها طيلة يومين.

لسعات العقارب .. صدارة ورهاب

ويعتبر المغرب من الدول التي تزداد فيها مخاطر الموت بسبب سموم الأفاعي والعقارب، وخلال فصل الصيف تزايد حالات الإصابة بالتسمم الناتج عن لسعات العقارب، التي تعد أولى أسباب التسمم في المغرب، حسب المركز المغربي لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية.

ويسجل المركز المغربي لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية التابع لوزارة الصحة، سنويا، حوالي 25 ألف حالة تسمم بلسعات العقارب، حوالي 6.333 حالة منهم أطفال دون السن 15 عاما. وكشف أحدث تقرير سنوي للمركز عن وفاة 53 مواطنا بسبب لسعات العقارب، التي تتركز في المناطق القروية وتشكل رهاب لساكنيها.

ومع ظهور حالات الوفيات يتجدد النقاش حول غياب الأمصال المعالجة للسعات العقارب، وفي الوقت الذي تنفي الوزارة الصحة فعاليته يصر بعض المدافعين عن الحق في الصحة بقدرته على العلاج مقدمين تجارب دول متعددة.

وقد اقترح آخر تقرير للشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة، على رئيس الحكومة إعادة إنتاج أمصال العقارب بمعهد باستور-المغرب من أجل ضمان مخزون استراتيجي لإنقاذ آلاف البشر.

ودعت الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة، في تقريرها الأخير “عائلات الضحايا إلى المتابعة القضائية لوزارة الصحة بسبب رفضها إنتاج الأمصال ضد سموم العقارب كحق من حقوق المواطن في ولوج العلاج والحق في الحياة التي يكفلهما دستور المغرب”.

موت قادم.. واستهتار بالحياة

وقال علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة، إن “ارتفاع نسبة الوفيات بلسعات العقارب يرجع بالأساس إلى غياب الأمصال المضادة لسموم العقارب بالمغرب”.

وأضاف قائلا في تصريح لجريدة “العمق”، “أصبحت أمصال سموم العقارب مفقودة في المغرب بعد إغلاق وحدة الإنتاج بمعهد باستور-المغرب عام 2000، متهما الحكومة بالاستهتار بحياة المواطنين في الهوامش والقرى”.

وأضاف لطفي أن “الشبكة التي يشرف عليها قامت بالإطلاع على تجارب الدول التي تعرف نسبة كبيرة من لسعات العقارب فوجدت أن تركيا، السعودية، الإمارات، إيران، أمريكا، مصر، الجزائر، تونس لازالت تنتج تلك الأمصال وتصدرها بسبب فعاليتها”.

وانتقد لطفي، الخبراء الذين يقولون بعدم جدوائية الأمصال في محاربة التسممات بسبب العقارب، متسائلا “هل تكذب كل تلك الدول المنتجة للأمصال على العالم؟ منبها أن حالات الموت بتلك التسممات سترتفع مع اشتداد فصل الصيف.

علاج ممكن.. هامش بعيد

من جهتها، قالت الدكتورة غزلان العوفير، الطبيبة المكلفة ببرنامج لسعات العقارب في المركز المغربي لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية، “إن مجموعة من الدول من بينها تونس تستعمل الأمصال لوجود فصيلة واحدة من العقارب لديها، لكن توجد عندنا 54 فصيلة”.

وأوضحت الدكتورة العوفير، في تصريح لجريدة “العمق” أن “الموت بلسعات العقارب لا يرجع إلى عدم وجود الأمصال بل إلى وقوع تلك الحالات في العالم القروي بنسبة 70 بالمائة وهو ما يحول بين وصولها إلى المستشفى في الدقائق الأولى للتسمم”.

وأضافت العوفير، أن علاج لسعات العقارب ينطلق من الشخص ومن المحيط الذي يعيش فيه، كاشفة عن وقوع 70 بالمائة من اللسعات بالمنازل، مطالبة بكهربتها وترتيبها وإبعاد النفايات عنها باعتبار أن العقارب تعيش في الظلام والفوضى والنفايات”.

وأكدت العوفير أن الوزارة ليس وحدها المسؤولة، موزعة المسؤولية بين الملسوع نفسه والجماعات ووزارات أخرى، موضحة أن الشخص الملسوع وعائلته لا يجب أن تؤخره عن الاستشفاء بمعالجته بخلاطات تقليدية من أكل العقرب أو وضع الحناء والربط أو غيرها.

وأوضحت المتحدثة أن الجماعات يقع على عاتقها توفير الطرق باعتبار 70 في المائة من للسعات تقع في مناطق بعيدة، مضيفة أن دور الوزارة هو الإسعاف وتوفير تركية دوائية في المراكز الاستشفائية بالمناطق المعنية.

وكشفت عن تناقص حالات اللسعات المسجلة من 30 ألف سنويا إلى 25 ألف حالة، موضحة أن 90 بالمائة منها لسعات غير مركزة، فيما 10 بالمائة لسعات مركزة، منها 8 بالمائة تتعلق بأعراض عامة، فيما 2 بالمائة منها حالات خطيرة تستوجب الإنعاش.

وصفات تقليدية .. قتل لا علاج

من جانبه، قال الحسين الإدريسي، طبيب معالج لحالات تسمم بلسعات العقارب، “لم تثبت التجارب فعالية الأمصال المضادة للتسمم بلسعات العقارب، ونحن نعالج الحالات البسيطة في قسم المستعجلات، فيما ننقل الحالات المستعصية إلى قسم الإنعاش”.

ويقسم الطبيب بقسم المستعجلات بالعيون حالات الإصابات بتسمم لسعات العقارب إلى ثلاثة أقسام، الأول يسهل علاجه، والقسم الثاني يحتاج إلى مراقبة دقيقة، فيما يحتاج القسم الثالث إلى الإنعاش.

ويرى الإدريسي أن “الوفاة بلسعات العقارب ناتجة عن تأخر نقل المصاب إلى أقسام المستعجلات بسبب البعد، مطالبا المواطنين بعدم القيام بوضع أي شيء فوق مكان اللسعات، محذرا من اللجوء إلى الوصفات التقليدية باعتبارها تقتل ولا تعالج.

وأوضح الطبيب أن المشكل الذي يعترض عمل الأطباء خلال العلاج هو عدم وجود وحدات الإنعاش بالمناطق القروية والبعيدة التي تكثر فيها لسعات العقارب، موضحا أن التعامل مع الحالات يتم وفق تركيبة دوائية لوزارة الصحة تتوفر عنها المستشفيات والمراكز الاستشفائية”.

ويضيف الإدريسي، في تصريح لجريدة “العمق”، “الأطباء يقومون بعلاج الأعراض الظاهرة على المريض والمتعلقة أساسا في المراحل الأولى بارتفاع درجة الحرارة، وألم البطن، وانخفاض الضغط الدموي إلى أخيره، موضحا أن ذلك يتسبب في فشل القلب”.

يذكر أن المغرب أطلق إستراتيجية وطنية لمكافحة التسممات في سنة 2001، وكشف تقرير المركز المغربي لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية أن تلك “الإستراتيجية مكّنت من تقليص نسبة الوفيات بسبب لسعات العقارب من 2,37 بالمائة سنة 1999 إلى0,21 بالمائة سنة 2016”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *