منتدى العمق

أليست الأحزاب محرمة في الإسلام؟

ألا يتنافى الإسلام مع الانتماء للأحزاب والحركات خصوصاً حين يكون هذا الانتماء يحمل نوعاً من التعصّب؟ ألا يعني الإسلام التسليم لحقيقة واحدة والتخلّي عن الحزبيّة والعشائريّة والعنصريّة؟ أليس ما نشهده اليوم في العالم العربي من التعصّب لأحزاب ومراجع دينيّة منافياً لحقيقة وجوهر الإسلام؟ أي أليست الأحزاب محرمة في الإسلام.أليس معنى الأحزاب في القرآن هي التي حاربها الرسول صلى الله عليه وسلم فيغزوة الخندق أو غزوة الأحزاب التي وقعت بين المسلمين بقيادة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، والأحزاب الذين هم مجموعة من القبائل العربية المختلفة التي اجتمعت لغزو المدينة المنورة والقضاء على الدولة الإسلامية،

حيث تصدَّى الرسولُ محمدٌ صلى الله عليه وسلم والمسلمون للأحزاب، وذلك عن طريق حفر خندقٍ شمالَ المدينة المنورة لمنع الأحزاب من دخولها، ولمَّا وصل الأحزابُ حدود المدينة المنورة عجزوا عن دخولها، فضربوا حصاراً عليها دام ثلاثة أسابيع، وأدى هذا الحصار إلى تعرِّض المسلمين للأذى والمشقة والجوع. وانتهت غزوة الخندق بانسحاب الأحزاب، وذلك بسبب تعرضهم للريح الباردة الشديدة، ويؤمن المسلمون أن انتصارهم في غزوة الخندق كان لأن الله تعالى زلزل أبدانَ الأحزاب وقلوبَهم، وشتت جمعَهم بالخلاف، وألقى الرعبَ في قلوبهم، وأنزل جنودًا من عنده. وبعد انتهاء المعركة، أمر الرسولُ محمدٌ أصحابَه بالتوجه إلى بني قريظة، فحاصروهم حتى استسلموا، فقام الرسولُ محمدٌ بتحكيم سعد بن معاذ فيهم، فحكم بقتلهم وتفريق نسائهم وأبنائهم عبيدًا بين المسلمين، فأمر الرسولُ محمدٌ بتنفيذ الحكم.

الأكيد من هنا أن العلاقة بين الدين بشكل عام والإسلام بشكل خاص من جهة والحزبيّة والانتماءات التنظيميّة السياسيّة من جهة ثانية لها جوانب متعدّدة، وقد وقع جدل في شرعيّة أو نفعية أو جدوى العمل الحزبي منذ مطلع القرن العشرين تقريباً، ولا أريد هنا أن أستعرض المشهد الجدلي في هذا الموضوع، فقد كتبت العديد من الكتب والمقالات، وصدرت الكثير من المواقف أو الفتاوى أو التوجيهات في هذا الصدد، ، ولكنّني سوف أحاول هنا أن أتناول هذا الموضوع باختصار بالغ لأشرح المواقف، ثم مستنداتها.

لقد ظهرت على مستوى الجانب الشرعي الفقهي، آراء متعدّدة من جانب بعض الفقهاء أو الباحثين الإسلاميّين من مختلف المذاهب، وقد انقسموا في الرأي إلى اتجاهات أبرزها اتجاه حظر العمل الحزبي مطلقاً أو رفضه وهو الاتجاه الذي يرى حرمة تأسيس الأحزاب مطلقاً أو رفض تأسيسها، وأنّ الحزب هو مشروع غير شرعي مهما كان وكيفما كان.

ومن أبرز المنطلقات التي ينطلق منها هذا الفريق ما يلي:

– إنّ الحزب نظام أو تنظيم لم يكن له وجود في عصر النصّ، ولم يعرفه النبي ولا أصحابه، ولا عُرف في عصر السلف من الأئمّة والصالحين، وهذا يعني أنّ بناء الحياة الإسلاميّة أو الجماعة المسلمة على نظام العمل الحزبي يستبطن شيئاً من البدعة؛ فلابدّ من ترك هذه السبل الحادثة والعودة لما عليه السلف في هذا المضمار. وهذا ما يُنتج أنّ تكوين فقه سياسي حزبي من خلال النصوص الدينية هو عملية غير مجدية وغير ممكنة.

– إنّ تأسيس الأحزاب بشكلها المعاصر يرجع إلى الثقافة الغربية الليبرالية الحديثة والثقافة الشرقية الماركسيّة الشيوعيّة، فلم يعرف العالم الأحزاب بهذا الشكل سوى في القرنين الأخيرين؛ لأنّها وليدة الحياة الديمقراطية، وهذا يعني أنّ اعتماد طريقة العمل الحزبي نوعٌ من التأثر الثقافي بالغزو الغربي ، وهو ما يضع مناهج عملنا في إدارة المجتمعات موضع اعتماد مرجعيّة الغرب والتخلّي عن المرجعيّة الإسلامية .

– إنّ تأسيس الأحزاب يؤدّي إلى وقوع التفرّق والانقسام في المجتمع، فكم رأينا بعد تشكيل الأحزاب من صراعات جرّت على المجتمعات الإسلاميّة الويلات، وحيث إنّ التفرقة محرّمة فلابدّ لنا من الحكم بحرمة مختلف أنواع المقدّمات القريبة المؤدّية إلى حصول هذه التفرقة بين شرائح المجتمع ومكوّناته، وعليه فينبغي الحكم بحرمة الانتماء الحزبي درءاً لمفسدة التفرقة والتمزّق.

وبعبارة أخرى: إنّ تشكيل المنظّمات الحزبيّة يوقع التفرقة ويخلق الفساد ويساهم في نشر الجهل والفقر في البلاد ، ويُكثر التنازع والاختلاف على السلطة، وهو أمر منبوذ، وقد أكّدت التجارب مثل هذا الأمر، فعلينا التخلّي عن أسلوب إنشاء الأحزاب إلى اعتماد خيارٍ آخر لا يوقعنا في هذا الوضع البغيض.

– الاستناد إلى الاستخدام القرآني لكلمة (حزب ـ أحزاب)، فكلمة الأحزاب وردت في كل الآيات للإشارة أو متضمّنة للذم والذل والإهانة (انظر: هود: 17، الرعد: 36، مريم: 37، الأحزاب: 20، 22، ص: 11، 13، غافر: 5، 30، الزخرف: 65)، كما أنّ قوله تعالى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ) (المؤمنون: 52 ـ 54)، وقوله سبحانه: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (الروم: 30 ـ 32).

إنّ هذه النصوص تشمل واقع الأحزاب اليوم، فإطلاق كلمة (حزب) تستوعب هذه الأحزاب المعاصرة. ومن الواضح أنّ النصوص بصدد الذمّ والتحريم فيستفاد منها تحريم تشكيل الأحزاب. ولعلّ هذا الدليل والذي قبله من أهم أدلّة من ذهب من الباحثين إلى حرمة الانتماء للأحزاب أو تشكيلها إذا كثرت وضجّ بها المجتمع.

– إنّ العمل الحزبي يفضي بمرور الزمان إلى مجموعة من السلبيّات التي يصل حدّ بعضها إلى التأثير في إشكاليّة شرعيّة ودينيّة، وذلك مثل أنّ تنامي مرجعيّة الأحزاب في الحياة السياسية والاجتماعيّة بين المؤمنين سوف يؤدي شيئاً فشيئاً إلى تضاؤل مرجعيّة علماء الدين والفقهاء الكبار، وهذا ما يلمس في تجربة ما يسمّى بـ(الإسلام السياسي السنّي)، حيث شهدنا في غير موقع عدم وجود فقهاء كبار يمثلون مرجعيات دينيّة للحركات الإسلاميّة مما جعل نموّ هذه الحركات بمعزل عن المؤسّسة الدينية والحواضر العلميّة في بلاد المسلمين.

ومن الواضح أنّ إضعاف مرجعيّة الفقهاء وما تحمله من مرجعيّة الشريعة القائمة على الاجتهاد الشرعي أمرٌ بالغ الخطورة، فينبغي تجنّبه فوراً. وهذا كلّه لأنّ العمل الحزبي قائم على النظام الديمقراطي ونظام الانتخابات، فمن حصل على الآراء وصل إلى قيادة الحزب حتى لو لم يكن مجتهداً فقيهاً، ومن ثمّ فمصدر القرار في الأحزاب ليس مصدراً شرعيّاً. وشيئاً فشيئاً يظهر الوجه الحقيقي للأحزاب وهو أنّ صيغتها صيغة بشريّة لا تنتمي إلى الدين، بل إلى نظام الأكثريّة الذي قد يوافق الحقّ تارةً ويخالفه أحياناً أخَرى.

– إنّ العمل الحزبي يؤدّي إلى تنامي الدعوة للحزب واختفاء الإسلام والقيم اختفاءً ضمنيّاً، فتصبح مصالح الحزب أكبر في الحضور من مصالح الإسلام وقضايا الناس ، وتضيع الأمور الدينية في خضم الأمور السياسيّة، وينتج عن ذلك تنظيمات استبداديّة وزعماء مستبدّون بلباس ديني، وهذا أمر خطير جداً يكفي للإفتاء بحرمة هذا المسلك في العمل السياسي؛ لأنّه يكرّس تأليه الفرد ـ الزعيم ،كما كاد إن يقع مع زعيم حزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران عندنا بالمغرب وجماعة الإخوان المسلمون بمصر وإيران.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *